مقالات مختارة

تصويت البرلمان البريطاني على الاعتراف بالدولة الفلسطينية يسقط الفرامل

ديفيد هيرست
1300x600
1300x600
عند نقطة ما في العملية التي تمخض عنها إنهاء الصراع في شمال إيرلندا كان هناك كسر مسموع الصوت، انقطاع بين السفينة الأم، أي الحكومة البريطانية، وحركة الوحدويين البروتستنتية التي تعتبر نفسها آخر معقل للتاج البريطاني في جزيرة إيرلاندا. هل كان ذلك بسبب الاتفاقية الأنغلو آيريش التي وقعتها كبيرة الوحدويين مارغريت تاتشر بين بريطانيا وإيرلاندا؟ أم كان ذلك بسبب هبوط أول طائرة عمودية تصل من جمهورية إيرلندا إلى قلعة هيلزبره، مقر إقامة وزير الدولة البريطاني؟

بالنسبة لإسرائيل، هناك حبل سري يربطها بواشنطن ينتقل عبره الدم الذي يبقي هذه الدولة حية. تصوروا للحظة لو أن الخطابات التي ألقيت في البرلمان البريطاني الذي صوت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية يوم الاثنين تلفظ بها داخل مبنى الكونغرس الأمريكي، لربما كانت الأخيرة حول هذا الموضوع ولما أعيدت بعد ذلك في الكونغرس الأمريكي.

على أية حال، لقد كان هناك انكسار سمع صوته بوضوح في بريطانيا مساء الاثنين. لقد تحرر السياسيون من اليمين ومن اليسار من عبء التقيد بقول ما تطالب إسرائيل ويطالب اللوبي التابع لها بسماعه منهم، فراحوا يعبرون عما يجيش في صدورهم.

السير ريتشارد أوتاواي، النائب عن حزب المحافظين ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، والذي كما قال بنفسه إنه وقف مع إسرائيل باستمرار في السراء والضراء، قال إنه كان حانقاً جداً بسبب ضم الحكومة الإسرائيلية لتسعمائة وخمسين إيكراً في الضفة الغربية لدرجة أنه قرر الامتناع عن التصويت.

أما السير ألان دنكن، النائب عن حزب المحافظين ووزير التنمية الدولية السابق، فقد شبه المستوطنات في الضفة الغربية بنظام التمييز العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا وقال إنها تمثل "مزيجاً شريراً" من الاحتلال. في محاضرة له ألقاها يوم الثلاثاء في المعهد الملكي للقوات المسلحة، وهو مؤسسة البحث والتفكير الرئيسية التابعة لمؤسسة الدفاع البريطانية، قال السير دنكن: "كل من يدعم المستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية فهو متطرف يضع نفسه خارج حدود المعايير الديمقراطية، ومثله لا يصلح للترشح للانتخابات أو للجلوس في برلمان ديمقراطي".

هذا الحكم ينطبق على معظم أعضاء الحكومة الإسرائيلية، وينطبق بالتأكيد على رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي قال في الحالي عشر من يوليو (تموز): "لا يمكن أن يكون هناك وضع تحت أي اتفاق نتخلى فيه عن السيطرة الأمنية على الأرض التي تقع إلى الغرب من نهر الأردن".

ثم مضى نتنياهو ليقول بأنه إذا ما تخلت إسرائيل عن يهودا والسامرة، وهي المصطلحات التوراتية التي يستخدمها كل سياسي إسرائيل للتعبير عن المنطقة التي وصفها السير دنكن بالأرض المسروقة، فإنهم سيخلقون "20 غزة" أخرى.

لقد خلق نتنياهو مشاكل كبيرة لكل من يحاول الترويج لفكرة أن التصويت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو تصويت ضد أي محاولة لإعادة بدء المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحجة أن الاعتراف الأحادي سيؤثر سلباً على نتيجة هذه المفاوضات.

ببساطة، لم يقنع مثل هذه التبرير سوى قلة قليلة من النواب بدليل أن الأغلبية العظمى صوتت لصالح الاعتراف بفلسطين. مهما زعمت إسرائيل وادعت بشأن نواياها فإن الحقائق على الأرض تنطق بما هو أبلغ من الكلمات. يوجد اليوم ما يقرب من 600 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهؤلاء لديهم شبكات خاصة بهم من الطرق السريعة، والشوارع، والجدران، والكهرباء والمياه. ما من شك في أن ذلك يفصح بوضوح عن كل ما يحتاج أي شخص معرفته عن نوايا إسرائيل تجاه إعادة الضفة الغربية للفلسطينيين. الواقع على الأرض يقول إن إسرائيل لن تعيد الضفة، ولا تستطيع فعل ذلك، ولا يملك زعيم إسرائيلي واحد من القوة ما يمكنه من القيام بذلك.

لم تملك إسرائيل كتم غيظها ولم تقدر على لجم غضبها على التصويت، فأصدرت بياناً يندد به. إلا أن صمت سفيرها في المملكة المتحدة يوم الاثنين كان صمتاً تاماً، وبحسب ما نقلته صحيفة هآريتز لقد رفض التحدث لوسائل الإعلام. ينبغي عليه أن يفكر ملياً في حقيقة أنه حينما يخسر دعم شخصيات المؤسسة الرسمية من مثل السير أوتاواي فإن ذلك يعني أنه يخسر اللعبة بأسرها. وذلك بالفعل ما صرح به أوتاوي نفسه حين قال: "يتوجب علي أن أقول لحكومة إسرائيل إنهم إذ يفقدون تعاطف أشخاص مثلي فإنهم يفقدون تعاطف الكثير من الناس".

وهذا ما يحدث بالفعل. لقد كان التصويت في البرلمان ناطقاً باسم المؤسسة الرسمية البريطانية. صحيح أنه لم يعبر عن إرادة الحكومة البريطانية، ولكن كما قال وزير الخارجية السابق جاك سترو، لقد عبر التصويت عن إرادة الشعب البريطاني. لا شك أنه يصعب قياس ذلك، ولكن ثمة بعض مؤشرات يمكن أن يقاس عليها، ومنها: تلقى نواب البرلمان البريطاني ما يقرب من خمسين ألف رسالة بريد إلكتروني أثناء الحرب الأخيرة على غزة عبر أصحابها عن غضبهم على إسرائيل، وقع ما يقرب من 100 ألف مواطن على عريضة تدعم التصويت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، وشهدت لندن أكبر مظاهرات حاشدة داعمة لغزة في تاريخها.

بالمقابل، أصبح الصوت الفلسطيني أكثر ظهوراً، كما برز اهتمام حزب العمال بكسب المزيد من أصوات المسلمين البريطانيين. ولقد شعر رئيس الوزراء دافيد كاميرون بالخسارة التي مني بها حزبه جراء استقالة الوزيرة في الخارجية البريطانية البارونة وارسي احتجاجاً على لا مبالاة الحكومة بما تعرضت له غزة أثناء الحرب الأخيرة، وذلك أن أهمية البارونة وارسي بالنسبة لحزب المحافظين كانت تكمن في دورها في كسب الصوت المسلم إلى جانب الحزب.

هل سيغير التصويت الذي جرى شيئاً؟ لن يغير كثيراً في المدى المباشر، ولكن الأجواء الدولية في حركية دائمة. ها هي إسرائيل تفقد بشكل متزايد قدرتها على أن تأمن من المساءلة والعقاب على أعمالها. خلاصة الرسالة التي تضمنها خطاب السير دنكن هي وجوب ممارسة الضغط على إسرائيل من خلال مقاطعة البضائع التي تنتجها داخل الضفة الغربية. وبنفس المنطق ينبغي التفكير بتطبيق مقاطعة أكاديمية ضد مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية التي توجد داخل الضفة الغربية. فثمة جامعة الآن موجودة في آرييل التي كانت مستوطنة ثم غدت مدينة أسعار البيوت فيها في ارتفاع مستمر.

بمجرد أن تنسل خيطاً واحداً من نسيج السياسات التي تدعم الأمر الواقع القائم على الاحتلال فإن قطعة القماش بأسرها ستؤول إلى التفكك. لا ينبغي لأحد أن يخطئ قراءة ما حدث، فلقد كان هذا التصويت معلماً في غاية الأهمية ولحظة فارقة. لقد بذل الصهاينة خلال هذا القرن وفي القرن الذي سبقه كل ما في وسعهم من أجل إخفاء فلسطين عن الخارطة وإبقاء الفلسطينيين مغيبين تماماً - بدءا بالأسطورة التي أسسوا بناء عليها مشروعهم والتي تزعم بأن الأرض التي استوطنوها كانت "فارغة" مروراً باللاجئين والنازحين وانتهاء بكل سياسة تحد من حركة الفلسطينيين وتملي أين يمكن لهم أن يعيشوا اليوم.

بعد هذا التصويت، وبعد غيره من التصويتات المشابهة، باتت فلسطين والفلسطينيون نوعاً ما أكثر ظهوراً. لقد أصبح لديهم دولة ولديهم حقوق كمواطنين خاضعين للاحتلال، حقوق يمكن ملاحقة منتهكيها في المحاكم البريطانية كما في المحاكم الدولية. فإلى متى ستظل الحكومة البريطانية خاضعة للنفوذ الأمريكي الذي يملي عليها استخدام الفيتو ضد ممارسة أي ضغوط على إسرائيل؟ متى ترفع القدم عن المكابح؟

(ذي هافينغتون بوست)
التعليقات (0)