كتاب عربي 21

ماذا يعني تصويت البرلمان البريطاني على الاعتراف بفلسطين؟

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600
لم يكن يوم الإثنين الماضي الثالث عشر من أكتوبر يوما عاديا في البرلمان البريطاني، بل كان هذا اليوم تاريخيا بامتياز، وفلسطينيا بامتياز، بعد التصويت الكاسح على قرار برلماني غير ملزم يطالب الحكومة البريطانية بالاعتراف بدولة فلسطين، بموافقة 274 نائبا واعتراض 12 آخرين.

وحين نتابع هذا التصويت التاريخي في ويستمينيستر، فإننا لا نحاكمه وفق رؤيتنا كعرب للحق الفلسطيني التاريخي، وما يجب أن يكون عليه الموقف الإنساني والسياسي لكل دول العالم تجاه هذا الحق، وإنما نقيّمه من خلال رصد التغيير في "المزاج" السياسي البريطاني من القضية الفلسطينية، وقراءة التحول في تعاطي ممثلي الشعب في مجلس العموم مع الصراع العربي الإسرائيلي.

ولفهم مدى هذا التغير في المواقف من القضية الفلسطينية، لا بد من الإشارة إلى الخطابات التي ألقيت قبل التصويت، والتي تظهر في معظمها تفهم البرلمانيين البريطانيين للحق الفلسطيني، ورفضهم للسياسيات الإسرائيلية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، وهو ما يعني أن هؤلاء النواب سيكون لهم مواقف إيجابية من أي نقاشات برلمانية حول الصراع العربي الإسرائيلي في المستقبل، وهكذا تتحول المواقف من مجرد تصويت رمزي إلى قرارات حقيقية ملزمة قد تساهم بدعم الحقوق الفلسطينية مستقبلا.

وتبدو هذه المواقف الإيجابية امتدادا لمواقف أخرى ظهرت أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، وصلت إلى ذروتها باستقالة وزيرة الدولة لشؤون الخارجية البارونة سعيدة وارسي، ثم بتصريحات نائب رئيس الوزراء نيك كليغ التي طالب فيها نتنياهو بوقف الحرب والحوار مع حركة حماس، وكذلك تصريحات زعيم حزب العمال إيد ميليباند التي قال فيها إن صمت ديفيد كاميرون عن ما يجري في غزة هو أمر لا يمكن تفسيره، وهي التصريحات التي أثارت جدلا كبيرا في الساحة السياسية البريطانية آنذاك.

وعلى الرغم من أن هذا التحول الإيجابي سواء بإدانة إسرائيل أو بالتصويت على الاعتراف بفلسطين قد اعتبر رمزيا حتى الآن،  إلا أنه سيدفع صانع القرار البريطاني، في هذه الحكومة أو الحكومات التي تليها، إلى التفكير مليا برأي أعضاء مجلس العموم، وبالتالي بالرأي العام الشعبي البريطاني؛ قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

وإضافة لذلك، فمن الضروري هنا أن لا نهمل تأثيرات التصويت البريطاني على برلمانات الدول الأوروبية الأخرى، إذ أن بريطانيا تمثل واحدة من أهم، إن لم تكن أهم، دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعطي لقراراتها في السياسة الخارجية ثقلا كبيرا ينعكس على السياسة الخارجية لدول الاتحاد منفصلة، أو لخارجية الاتحاد في بروكسل.

ومن الدلالات المهمة أيضا لهذا التصويت، زيادة تأثير وقوة اللوبي البريطاني المؤيد لفلسطين، والكنائس البريطانية، والمؤسسات العربية والفلسطينية والإسلامية الداعمة للحق الفلسطيني، حيث مارس هذا اللوبي ضغطا كبيرا على أعضاء البرلمان من خلال الرسائل التي تجاوزت مئات الآلاف، والتي وجهها مواطنون بريطانيون لنوابهم، يطالبونهم بدعم التصويت لصالح الاعتراف بفلسطين.

هذا اللوبي القوي الذي يعمل جنبا إلى جنب مع مؤسسات عربية وفلسطينية، كان له دور كبير أيضا أثناء العدوان على غزة، حيث نظم مظاهرات غير مسبوقة في لندن، أرّقت حكومة نتنياهو واللوبي الصهيوني وأصدقاء إسرائيل في بريطانيا على حد سواء، وهو يعطي دلالة على ان العمل لصالح فلسطين يسجل نقاطا جديدة في كل يوم، وسيمثل عاملا مهما في صناعة السياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية في المستقبل.

وعلى أهمية التداعيات المذكورة سابقا لقرار البرلمان البريطاني، إلا أن الدلالة الأهم برأينا هي تلك المتعلقة بنجاح الحملة المستمرة منذ سنوات طويلة "لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال"، وهي الحملة التي تقودها مؤسسات مجتمع مدني؛ نجحت بإظهار "إسرائيل" على حقيقتها، كدولة مارقة متجاوزة للشرعية الدولية، ولمبادئ القانون الإنساني الدولي.

لقد أصدرت مراكز مقربة من حكومة تل أبيب عدة أوراق بحثية خلال السنوات الماضية حذرت من خطورة "نزع الشرعية" عن دولة الاحتلال، بل اعتبرت بعض الأبحاث أن خطر النشاطات والحملات التي تعمل على "نزع الشرعية" لا يقل خطرا عن المشروع النووي الإيراني على مستقبل إسرائيل، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية التصويت البرلماني الأخير في بريطانيا باعتبارها خطوة جديدة في طريق نزع الشرعية عن الاحتلال.

وتبدو خسارة إسرائيل واضحة في هذا المجال من خلال تتبع المداخلات التي شهدها البرلمان قبل التصويت، ولعل أكثرها دلالة كانت مداخلة النائب المحافظ ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان "ريتشارد اوتاوي"، الذي قالت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها يوم الثلاثاء الماضي إن خطابه كان الأكثر تقريعا لإسرائيل، وجاء فيه: "لقد وقفت مع إسرائيل في السنوات الجيدة وغير الجيدة، وفي السراء والضراء"، مضيفا "وفي ظل ظروف طبيعية كنت سأعارض هذا التحرك، ولكن غضبي من سلوك إسرائيل خلال الأشهر الماضية سيمنعني من معارضة هذا التحرك.. ويتوجب علي أن أقول لحكومة إسرائيل؛ إذا كان الإسرائيليون يخسرون أشخاصا مثلي، فإن هذا يعني أنهم سيخسرون الكثير من الناس".

هذا هو بيت القصيد إذن، دولة الاحتلال بدأت تخسر الكثير من مؤيديها، أكثر من أي وقت مضى!
التعليقات (1)
أبو خالد
السبت، 18-10-2014 01:54 ص
إن المضحك المبكي أنه في الوقت الذي تتباعد فيه المسافة بين اسرائيل وحلفائها التقليديين في أوروبا، نجد أن هذه المسافة تتضائل وتتلاشى بين اسرائيل وأعدائها التقليديين من العربان