كتاب عربي 21

"العِتقية" فايزة أبو النجا.. "الدهن في العتاقي"!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
بما رصده موقع "عربي 21"، فإن البشرية احتارت، واحتار دليلها، في الأسباب التي دفعت عبد الفتاح السيسي، لاستدعاء الراحلة فايزة أبو النجا، من مقابر العائلة في البساتين، لكي تكون مستشارة له للأمن القومي، وهي الوزيرة العابرة للمراحل، فقد كانت وزيرة في زمن مبارك، ووزيرة في عهد المجلس العسكري، وحاول الدكتور محمد مرسي أن يبقيها في موقعها لكنها تمنعت، وها هي تعود من "الأجداث" بقرار السيسي سالف الذكر!.

البعض أرجع هذا القرار إلى أن "أبو النجا"، تمسك للدولة المصرية على ذلة، وكأنها رأت هذه "الدولة" في وضع مخل، ولأن "الدولة" من أسرة عريقة، وتخشى الفضيحة، فقد خضعت لها بالقول، وبعد أن ذهبت "فايزة" للجب، ولم يعد يتذكرها أحد، التقطها عبد الفتاح السيسي، واستدعاها مستشارة له للأمن القومي!.

لست مع هذا التفسير، ففي تقديري أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وكما أنه أثير لدولة عبد الناصر، على الرغم من أنه عاصر دولاً وممالك، وشاهد إمبراطوريات وعشائر، وعايش البشرية في أيام طفولتها، وفي مرحلة ما قبل "الدولة"، فان السيسي هو أثير لتجربة مبارك في الحكم. والمخلوع كان يؤمن بنظرية "الدهن في العتاقي"، ولغير المصريين، فإن "عتقية" مفرد "عتاقي" وهي الدجاجة في مرحلة الشيخوخة، ويقال تجاوزاً في الريف المصري، "امرأة عتقية"، أي أنها يئست من المحيض!.

هذه الدجاجة، هي التي تحتوى على الدهن، وعندما كان الوصف "كامل الدسم" مما يستحق الإشادة، فيقال مدحاً لقوة رجل أو امرأة انه من زمن "السمن البلدي" وقبل أن تقف البشرية على الكولسترول ومخاطره، وتقف على أن النباتي يكسب، كزيت الزيتون، وزيت عباد الشمس، وما شابه!.

لأن السيسي قديم، قدم المصريين القدماء، فإنه لا يزال يؤمن بما كان يؤمن به أستاذه ومعلمه مبارك، بأن "الدهن في العتاقي". وقد كان مبارك يحتفي بكبار السن، وكل خياراته كانت على هذا النحو، فيستبدل وزيراً قادماً من أحد "دور المسنين" بآخر في طريقه إلى الدار الآخرة، ومن عاطف صدقي، لكمال الجنزوري، لعاطف عبيد، كرؤساء للحكومة في عهده. وكان شرطه لتولى المنصب الوزاري أن يكون المختار سبق له الموت قبل ذلك، والوزير الشاب الذي اختاره ومثل اختياره استثناء وخروجاً على القاعدة الذهبية، تركه في موقعه حتى صار من "العتاقي"، وأعني به فاروق حسني، وزير الثقافة.

ولم يكن هذا اختياره فقط في تشكيلات الحكومة، فقد كان مغرماً بالقواعد من النساء والرجال علي حد سواء فيختارهم للمناصب الأخرى، فكان رئيس مجلس الشورى هو مصطفي كمال حلمي، الذي تجاوز الثمانين من عمره، واحتل موقعه صفوت الشريف الذي عاصر "فحت البحر"، وشق الترع والمصارف!.

الاختيارات الشابة نسبياً، والتي بدأت باختيار أحمد نظيف رئيساً للحكومة، جاءت في وقت لم يعد فيه مبارك مسيطراً على زمام الأمور، وكانت "عقدة الأمر" في يد السيدة حرمه ونجلها جمال، وقد اختار مبارك الابن طاقماً من الوزراء الشباب، وأطاح بمن استطاع من الحرس القديم، ومن أول يوسف والي، وكمال الشاذلي، وفشل مع صفوت الشريف، ولم تكن عنده مشكلة مع فاروق حسني، لأنه من طاقم الوزراء الذين ترعاهم "الوالدة الكريمة"!.

وجاء المجلس العسكري، وكان رئيسه من أحد هؤلاء الوزراء "كبار السن"، وهو المشير محمد حسين طنطاوي، فكانت اختياراته على ذات قواعد الاختيار المعتمدة لدى مبارك، باعتباره عنده "الزعيم الملهم"، وكان أن أعاد المشير، كمال الجنزورى من عداد الموتى وعينه رئيساً للحكومة، وأبقى على "فايزة أبو النجا"، وهي زميلته في الحكومات التي شكلها الجنزوري، في عهد مبارك، وعبيد، ونظيف، وشفيق، ثم عملت مع عصام شرف بعد الثورة، والجنزوري في مرحلة "البعث والنشور"!.

عندما جاء الدكتور محمد مرسي للحكم، علمت أنه كان حريصاً على الإبقاء عليها، لكنها اعتذرت، وربما أيقنت أن الرجل كان يتلمس موضع قدميه ليطيح بها بعد ذلك، فقالت "بيدي لا بيد عمرو". عندها سألت عن السر وراء هذا الحرص من قبل مرسي، على واحدة "محسوبة" علي زمن مبارك، فقيل لى لأنها "خبيرة" في أمر التمويلات الأجنبية، وفي الجهات المانحة، وتستطيع أن تأتي بالتمويل من "حنك السبع".

وهنا نقف على سبب آخر، لاختيار السيسي لها بعد اعتماده لنظرية "الدهن في العتاقي". و من اللافت أن الاختيار وقع عليها مستشارة للأمن القومي، وهنا يمكننا أن نقف علي هذا المفهوم لدى عبد الفتاح السيسي، وهو الذي يمكنه أن يتهم أي نسمة هواء تسير في الهواء في الاتجاه الذي لا يروق له بأنها تهدد "الأمن القومي المصري"، حتى صرنا أمام مفهومين للأمن القومي المصري، فالإجراءات الأمنية في سيناء في السابق تهدد "الأمن القومي"، وستدفع أهالي سيناء للدعوة للانفصال، بحسب قوله. والآن وعندما صار هو صاحب الإجراءات الأمنية الأعنف صارت معارضتها تستهدف تهديد الأمن القومي!.

ها هو المعني الذي هو في "بطن السيسي" عن الأمن القومي المصري يظهر جلياً، عندما تمثله واحدة، كل خبرتها العملية هي جلب المنح، والتعامل مع الجهات المانحة، والتفاوض مع الدول الغربية بهدف الحصول على منح وقروض!.

صحيفة "نيويورك تايمز"، تعاملت مع الموقف كما لو كانت صحيفة المجلس العسكري "الأخبار"، وغيرها من وسائل الإعلام التي تعمل في "بلاط السيسي" وتقدمه على أن سكان البيت الأبيض ينامون من المغرب خوفاً منه، وكيف أن أوباما طلب مقابلة السيسي، والذي رد عليه، بأن جدول أعماله مزدحم. وتذكرون بطبيعة الحال كيف استطاعت الضفادع البشرية المصرية برئاسة مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس أن تقوم بأسر ضفدعاً بشرياً أمريكيا كان يستقل الأسطول السادس الأمريكي. ومن خوفها من قائد الانقلاب فإن واشنطن لم
تطلب من السيسي فك سراحه إلى الآن وله الحلاوة!.

"نيويورك تايمز"، قالت والعهدة على "الجزيرة مباشر مصر" أن قرار السيسي باختيار "أبو النجا" مستشاراً للأمن القومي المصري، مثل صفعة على وجه الإدارة الأمريكية، لأنها من قدمت أمريكيين للمحاكمة في عهد المجلس العسكري، فيما عرف بقضية التمويلات الأجنبية!.

فقد تم اعتقال مصريين وأمريكيين بتهمة العمل في مصر بدون تصريح، وصدر قرار قضائي بحبسهم ومنعهم من السفر، لكن طائرة أمريكية، حلت بمطار القاهرة، وكان الكلام أنها لن تغادر إلا والأمريكيين على متنها. وبعد ساعة وبعض ساعة، كان قرار قضائي من قاضي غير القاضي صاحب قرار الحبس قد صدر بإخلاء سبيلهم، وإلغاء القرار السابق بمنعهم من السفر، وكانت فضيحة لحكم العسكر تغني بها الركبان!.

إلى الآن لا نعرف الملابسات التي دفعت القوم لاتخاذ هذا القرار العنتري، ما داموا أضعف من أن يصمدوا، حيث أنهم رضخوا عند أول أمر، فأهانوا أنفسهم وأهانوا القضاء المصري معهم!.

لقد نقل عن المخلوع دهشته من مستشفاه لذلك، وقال إن المشير طنطاوي أعقل من أن يتخذ هذا القرار بحبس الأمريكيين، لأنه يعلم أن التمويلات الأجنبية للدولة المصرية مشروطة بالسماح للجهات المانحة، بتمويل منظمات المجتمع المدني.
فمن هو "اللهو الخفي" الذي اتخذ القرار، وفي ساعة الجد اختفي وقال: "أنا اسمي وهيبة"!.. 

زمان عندما كان الجلادون يعذبون ضحاياهم في السجون وفي أقسام الشرطة، كانوا يظلون يعذبونهم ويطلبون من المعذب أن يطلق علي نفسه اسم امرأة، وهو ولأسباب غير معروفة: "وهيبة"، ربما لهذا كتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قصيدته الغنائية التاريخية: "تحت الشجر يا وهيبة ياما كلنا برتقان".. أي برتقال، وحذفت الألف في أكلنا لزوم العامية!.

لا اعتقد أن سكان البيت الأبيض قد تعاملوا مع الأمر على أنه أزمة، تستدعي العقاب، فقد اتخذ أحمق القرار، وكان الرد الأمريكي هادئاً وحاسماً، وبما يليق بقوة عظمي، في مواجهة من ظن أن العين يمكن لها أن تعلو على الحاجب، والحكام الجدد ليسوا تعبيراً عن الثورة المصرية، لكي يعمل لهم الأمريكان حساباً، وإنما هم جاءوا بالاختيار الحر المباشر لحسني مبارك!.

برأيي أن الأزمة انتهت بإقلاع الطائرة الأمريكية، من مطار القاهرة وعلى متنها المتهمين الأمريكيين، حيث جرت مخالفة القانون، بقرار الإفراج عنهم. ومن هنا يعد من العبث أن تكتب "نيويورك تايمز"  أن اختيار السيسي للمذكورة هو صفعة علي وجه الإدارة الأمريكية وركلة علي مؤخرتها!.

ومهما يكن الأمر، فان القوم في واشنطن يعلمون أن "فايزة أبو النجا" لم تكن صاحبة قرار، فهي "عبد المأمور"، و"خدامة أكل عيشها" كما يقول المثل الشعبي، وعندما طلب منها أن تعد تقريراً بالجمعيات غير المرخصة والتي تعمل في مجال تلقي التمويل الخارجي، فعلت.. وكل الذين يتلقون التمويلات الخارجية هم الآن مع الانقلاب، ومن بين أصحاب "دكاكين حقوق الإنسان" الممولة أجنبياً من تم تعيينهم في المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد الانقلاب العسكري. 

الأمر الثالث وراء هذا الاختيار للسيدة "فايزة"، هو أن الفريق أول متقاعد عبد الفتاح السيسي منحاز بشكل فطري لعهد مبارك، ولأنه ينتمي لهذا العهد فهو في خياراته معاد لثورة يناير، دعك من الأفلام الهندي عن الذي حمي الثورة، وخرج يوم الثالث من تموز/ يوليو مدافعاً عن أهدافها!.

لقد اختار السيسي، حازم الببلاوي، ومن بعده إبراهيم محلب لرئاسة الحكومة رغم انهما كانا في لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل برئاسة جمال مبارك، ومن بين الوزراء في حكومته من ينتمون لعهد مبارك، وقد أخرج وزراء جبهة الإنقاذ من الحكومة عندما انتهي الغرض من استخدامهم. وفي الرئاسة أخرج مجموعة المستشارين الذين دخلوا القصر عقب الانقلاب ليمثلوا غطاء ثورياً، وحفاظاً علي كرامتهم فانه قيل أنهم من تقدموا باستقالتهم، لكن واحدة منهن كانت في حالة يرثي لها وهي تقول إنها لم تستقيل ولا تعرف لماذا أخرجوها؟!

لقد خرج هؤلاء ليتم الإبقاء على وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين الذي أعيد تعيينه مستشاراً أمنياً للرئيس في الوقت الذي صدر فيه قرار اختيار "أبو النجا" مستشاراً له للأمن القومي. وهو الذي سبق للثوار أن اتهموه بقتل الصبي "جيكا" في أحداث شارع محمد محمود، وهناك بلاغ تقدم به الدكتور البرادعي للنائب العام ضده، لا نعرف مصيره الآن؟.. 

واللافت أن ثوار الغبراء يتهمون الإخوان قبل الأكل وبعده بأنهم "باعوهم في محمد محمود"، كمبرر للانقلاب عليهم، لكنهم في الوقت ذاته لا يجدون حرجاً في الانحياز لمن قتلوا المتظاهرين في "محمد محمود"!.

"فايزة أبو النجا"، فيها إذن من "عظم التربة"، ومن "رائحة الحبايب"، فهي من زمن قائدهم المفدي وبطل الضربة الجوية خالد الذكر حسني مبارك!.

إنه نظام مبارك عاد من جديد، وأرجو أن تبلغوا تحياتي العطرة لثورة الثالث من تموز/ يوليو الباسلة!
التعليقات (2)
محمد طه
السبت، 08-11-2014 09:47 ص
لا اجد تعليقا افضل من الله ينور فرشاقة كلامك و السخريه المنمقه الجميله التي ترسم الابتسامه و تجلي الموقف برمته اجمل من ان ينتقدها ناقد بغيض فيحولك الي صفوف الاخوان و يتهمك بما ليس فيك و عموما يا سيد سليم انت قليل وسط كثير يقولون الباطل و يرمون به اهل الحق و الله هو ولي المتقين.
احمد نصار
الثلاثاء، 09-12-2014 09:57 ص
بجداستاذ يملك مفاتيح الكلمات والتعبير المصري الاصيل وفقك الله
احمد
الجمعة، 07-11-2014 11:16 ص
هذة الاستاذة الدكتورة الدبلوماسية = 100000 واحد من الاخوان المجرمين موتوا بغيظكم فبلدنا اصبحت بلد الكفاءات والمناصب لا توزع على القرايب وشوية المجرمين