كتاب عربي 21

هل خسارة السيسي شعبيا تعني بالضرورة تقدما للإخوان ؟

أنس حسن
1300x600
1300x600
لا ينفك الواقع السياسي اليوم عن التكهن بمستقبل ضبابي لشخص السيسي وسلطته السياسية وسط حديث مستمر عن صراع دائر بين مراكز السلطة السياسية، وبروز بعض الخلافات، مع تراجع ملحوظ في شعبية السيسي، وإن لم تترجم هذه التراجعات إلى حراك سياسي أو شعبي نظرا لمشروعية الخوف والقوة والسلاح التي يمتلكها النظام القائم، وهي التي تحكم الوعي الشعبي أكثر مما تحكمه المواقف الولائية (مع أو ضد)، فهذه الصيغ لم يعد لها مكان في النقاش الشعبي، حيث إن مملكة الخوف أرخت بظلالها على الجميع.

إلا أنه لم ينفك حديث الكثيرين من رموز الحراك عن كون هذه التراجعات في "شعبية" السيسي نجاحات للحراك ضد الانقلاب في أنحاء الجمهورية وتتويجا لمسيرة ثورية امتدت لما جاوز السنة، وهذا أمر لا يمكن الجزم به مطلقا، ولا يمكن بحال من الأحوال عزو التراجعات في شعبية السيسي للحراك ضده، حيث أن السيسي نفسه يوظف هذا الحراك في تثبيت الاحتراب المجتمعي ليؤكد على شرعيته الدائمة، ولو دخل الإخوان بيوتهم لأخرجهم للشارع مجددا ليواجه خطر أن يكون في مواجهة مباشرة بينه وبين الشعب ومتطلباته الاقتصادية والمعيشية، فإن وجود مواجهة بينه وبين خصم يوصفه كعدو للوطن أدعى للتهرب من تأخير الإصلاحات، وهذا لا يعني أبدا أنه لا يخشى التظاهرات والحراك بل هو يخشى منه -أي الحراك- أن يتحول لحالة شعبية واسعة أو شبابية، وبالتالي هو يركز في حصره بأشكال محددة، بعيدا عن ساحات الجامعات حيث الحس الشبابي المشترك، وبعيدا عن الميادين العامة حيث المراكز السكانية الكبيرة.

كذلك بالرجوع إلى أكثر مراحل الحراك توسعا وانتشارا كان بالتوازي أكثر مراحل السيسي صعودا وشعبية، وبهذا نفهم التغذية العكسية التي نجح في ترسيخها، ولهذا يجب أن نفهم المعادلة جيدا كي لا نُخدَع مطلقا بأرقام لا نُحسِن تفسيرها، وحتى لا نقع في فخ التفسير بالأماني، معادلة الشعبية كمعادلة الطاقة في العلوم الطبيعية، لا تفنى وإنما تتحول من صورة لأخرى ومن مكان لآخر، والبحث عن الفاقد في شرعية السيسي أمر مهم لفهم مآلات الأمور و توقعات المستقبل، لا شك أن السيسي مازال يحظى بشبكة دعم واسعة، إلا أنها ليست بذات القدر وقت التفويض مثلا، ولا يمكنه من حشد ذات الجموع الآن كالتي جمعها وقت تفويضه، إلا أن هذا الفاقد في شعبيته نابع من تقاصر الإنجاز عن الطموحات التي روجها للشعب وقت انقلابه، فلم يتغير الشيء الكثير منذ سقوط محمد مرسي اللهم في في الشق الأمني وعودة دولة الشرطة من جديد، والتي يراها المواطن مرادفا لدولة استقرار مبارك، إلا أن الفشل في ضبط الأسعار والدولار ورفع الدعم أرجع من جديد كراهية في النفوس للسلطة وفعلها، لكنه ليس بالضرورة مواليا لصيغة الإخوان وحلفائهم، بل منطلقاتها مصلحية بحته واقتصادية، حيث زادت أعباء المواطن المادية ولم تتراجع، وبالتالي يتم تركيز السخط على السلطة وأفرادها.

تدريجيا فصل الجيش نفسه ظاهريا عن معادلة "المسؤولية"، ويتحملها السيسي ويوزعها على حكومته، تمهيدا لحدوث أي انفجار شعبي ليبادر الجيش مجددا إلى تطويعه وتوجيهه تحت بند الحماية محافظا من جديد على معادلة السلطة والدولة ومحتويا للآثار السلبية لمرحلة التأسيس الحالية، فلكل دولة مرحلة تأسيس وهذه المرحلة لا تدوم بأشخاصها بل ببدائلها، فالجيش قدم نموذج ناصر ونموذج السادات ونموذج مبارك ثم نموذج يناير ثم نموذج السيسي، استجابة لتحديات داخلية وإقليمية ودولية مختلفة، محافظا طيلة هذه السنوات على سطوته وسلطته منذ الخمسينات، وعليه مازال الفاقد في شعبية السيسي يذهب لا إلى نماذج ديمقراطية وحرياتية ولا إلى نموذج إسلامي وديني بقدر ماهو البحث عن معادلة اتزان "مبارك" حيث القمع مقابل استقرار "الفقر"، حيث إن معدلات الفقر شبه مستقرة، ولا حديث هنا عن تنمية أو تطور بقدر ما يكون الحديث عن نموذج قمعي يعطي مقابل ذلك استقرارا اجتماعيا وطبقيا.

وأما في حالة السيسي، فهذا الاستقرار مفقود، فالتحولات الاقتصادية كبرى وتزيد الضغوط بشكل دراماتيكي على المواطن، مما قد يعجل بانفجاره، وهذا لا يعد استقرارا في نظر المواطن وسيضجر منه لاحقا، كذلك لايستفيد الحراك المعارض من هذه التحولات والحقائق بقدر ما ستستفيد منها الدولة نفسها من خلال التجهيز لبدائل أخرى في حال الانفجار وتأخير انهيار السلطة الحالية لحين انضاج بديله، وتقديم الإخوان والإرهاب ومواجتهم كثمن مقبول لتأخر الإصلاح وتزايد الضغط على المواطن.

إلى أن تجد الحركة الإسلامية والحراك المصاحب بها صيغة مناسبة لتوظيف الفاقد من السيسي لصالحها فنحن أمام مستقبل لا يقل في أشد لحظات التفاؤل عن تجديد جلد النظام دون عصبه، والله أعلم.
التعليقات (6)
M.Atallah
الثلاثاء، 11-11-2014 01:39 م
كلام منطقي جدا ... احييك عليه
أسامة الهتيمي
الثلاثاء، 11-11-2014 10:29 ص
تحليل رائع ويحتاج للمزيد من النقاشات
محمد الجوهرى
الثلاثاء، 11-11-2014 09:50 ص
كلام اكتر من رائع
السيد سنهر
الثلاثاء، 11-11-2014 09:48 ص
عليا النعمة انت برنس يا أنس بس كنت منتظر تقول إزاى توظف الحركة الاسلامية الفاقد من شعبية السيسى لصالحها.
صفوت بركات
الإثنين، 10-11-2014 07:57 م
إن الوظائف التى عجزت الحكومات عن أدائها فأنتجت الثورات فى الأربع سنوات الماضية لم تفى بالأجابة عليها إلى الآن النظم السياسية ولم تسير فى مسلك يفى بها وليس الجانب التوعوى ولا الأعلامى ولا الفكرى يمثل نسبة فى حدوثها تزيد عن التدخل الفلكورى والأحتفاء بها لأنها كانت ضرورات حياتية تعجز السلطات عن الوفاء بها فى ظل بنية نظام سياسى به خلل بنيوى غير قابل للنقد والتقويم ويعيش فى عصر مضى عليه قرن من الزمان ولو أخمد كل المعارضات القائمة اليوم فهو يراكم ويغاقم فاتورة الحساب والمطالب وقد لا يسعفه الاجابات عنها لأنها ستكون من داخله نفسه