ملفات وتقارير

"سبي النساء" بين تاريخية الأحكام وتغيرات الزمان

تنظيم الدولة تبنى جواز سبي النساء اليزيديات - أرشيفية
تنظيم الدولة تبنى جواز سبي النساء اليزيديات - أرشيفية
اعترف تنظيم الدولة أن مقاتليه الذين شاركوا في عمليات سنجار، قاموا "بتقسيم نساء اليزيديين وأطفالهم بينهم، بعد نقل السبي إلى سلطة الدولة " بحسب ما جاء في العدد الرابع من مجلة "دابق" التابعة للتنظيم، والصادرة باللغة الإنجليزية.  

وأشارت المجلة إلى "أن سبي هذا العدد من أسر المشركين ربما يكون الأول منذ تنحية هذا الأمر الشرعي، الحالة الوحيدة المعروفة – وإن كانت بأعداد أقل كثيراً – هي سبي نساء وأطفال النصارى في الفلببين ونيجيريا بواسطة المجاهدين هناك". 

وذكرت المجلة في سياق بيانها لرؤية التنظيم الفقهية في كيفية التعامل مع نساء اليزيديين وأطفالهم أن "طلاب العلم الشرعي في الدولة كُلفوا بالقيام بالبحث في أمر اليزيديين، ليتم تحديد هل يجب معاملتهم كطائفة شركية في الأصل، أم أنها جماعة من المسلمين ارتدوا، نظراً للعديد من الأحكام الإسلامية المتعلقة، التي من شأنها أن تطبق على الطائفة وأفرادها، وعائلاتهم.."

ووفقاً للمجلة فإن "الدولة تعاملت مع هذه الطائفة كما بين أغلب الفقهاء في كيفية التعامل مع المشركين، على العكس من اليهود والنصارى، ولم يكن هناك مجال لدفع الجزية أيضاً" ليخلصوا إلى تقرير الحكم الشرعي الذي تبنوه وطبقوه، وهو جواز سبي نساء اليزيديين "بخلاف نساء المرتدين الذين قال أغلب الفقهاء إنه لا يجوز سبيهن، ويمكن أن يُستتبن أو يواجهن القتل".

استند تنظيم الدولة في تجويزه لسبي نساء اليزيديين، إلى اعتبارهم طائفة شركية، وأجرى عليهم الأحكام المقررة في حق المشركين وفق فهمهم، التي منها جواز سبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم، لذا فإن "عائلات اليزيديين الذين تم سبيهم يباعون الآن بواسطة جنود الدولة .." وفق مجلة "دابق"، مع "مراعاة العديد من الأحكام المعروفة، كعدم تفريق الأم عن أطفالها الصغار..".

لكن كيف ينظر علماء الدين وأساتذة الشريعة إلى ما أقدم عليه تنظيم الدولة في سبي نساء اليزيديين وأطفالهم وبيعهم؟ وهل حكم سبي النساء محكوم بتاريخيته ولا يمكن تعديته إلى قادم الأزمان والعصور، أم أنه حكم شرعي باقٍ إلى قيام الساعة؟ وإذا كان العلماء يتعللون بأن الإسلام لم يشرع الحكم ابتداء، وإنما جاء ووجده قائماً، فشرع جملة من الأحكام لمحاصرته، ومن ثم إلغاء وجوده؟ فإن كان الأمر كذلك فهل يجوز الرجوع إليه بعد أن تخلصت البشرية منه وأصبح من تراثها البائد؟

موقف الإسلام من الاسترقاق 

ما موقف الإسلام من الاسترقاق؟ يجيب الداعية الإسلامي المتخصص في الفقه وأصوله عبد الفتاح عمر بأن نظام الاسترقاق كان موجوداً ومعمولاً به حينما جاء الإسلام، فشرع أحكاماً وتشريعات للتقليل من وجوده، سعياً لإلغائه، ضمن سياسة تجفيف منابعه، ولم يبق منه إلا رقّ الحرب، وجعل تطبيقه منوطاً بولي الأمر، وفق ما يراه مناسباً للمسلمين في علاقاتهم مع الآخرين. 

وبين عبد الفتاح عمر أن تطبيق حكم سبي نساء المحاربين يرجع لخليفة المسلمين، فإن كان أعداء المسلمين يسبون من المسلمين فتكون معاملتهم بالمثل، أما إذا لم يكن السبي قائماً وموجوداً، فلماذا يقوم المسلمون بسبي نساء الآخرين؟ مبيناً أن الاسترقاق في العالم لا وجود له وقد انتهى، فهل يسعى المسلمون إلى إحيائه من جديد بعد أن حاصره الإسلام من قبل؟

وفي تعليقه على تطبيق تنظيم الدولة لسبي نساء اليزيديين وبيعهن في الأسواق، قال الداعية عبد الفتاح عمر لـ(عربي 21): "إن صح ذلك عنهم فأنا أختلف معهم، وأرى أنهم أخطأوا فيه، فهؤلاء ليسوا محاربين أصلاً، ولم يحاربوا المسلمين أبداً، وهم يعيشون في بلاد المسلمين بعهود أمان قديمة، فلماذا يتوجه تنظيم الدولة لمحاربتهم أصلاً؟ وما الذي يجنيه من سبي نسائهم وأطفالهم؟.

سبي النساء مرهون بتاريخيته

يصدر تنظيم الدولة في تطبيقاته لحكم سبي النساء عن رأي يقرر فيه تركي البنعلي (أحد أبرز شرعيي التنظيم) أن "حل نساء الكافرين للمجاهدين في سبيل الله هو الأصل، فلا يصار إلى تحريم ذلك إلا بقين.." مبيناً "أن الذي يقول بتحريم السبي، هو من يطالب بالدليل على قوله، لا من قال بالإباحة، لأن المُحرم قد انتقل من الأصل، أما المبيح – بالضوابط الشرعية – فهو ثابت على الأصل". 

لكن الدكتور عبد الله الكيلاني، أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية، يبحث المسألة برؤية مقاصدية مغايرة للقراءة الحرفية الظاهرية، يرى فيها أن السبي قد وقع في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فالرسول الكريم سبى، والصحابة فعلوا ذلك، لكن إذا نظرنا للمسألة وفق المنهج المقاصدي فإننا نجد أن الشارع الحكيم قصد إلى تحرير العبيد، فإذا ما تحقق هذا المقصد فلا يجوز الرجوع إلى الخلف لإعادة عصر العبيد من جديد. 

ويناقش الدكتور الكيلاني مسألة السبي والاسترقاق بالاستناد إلى تأصيلات الإمام الشاطبي في الموافقات فيما يتعلق بامتزاج المصالح والمفاسد في الأحكام الشرعية، وأن العبرة للمصلحة الغالبة، بقوله: "إذا نشأ عن تطبيق الحكم الشرعي مفسدة لم تكن بوزنها وحجمها كما كانت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة، فهذا يستدعي إعادة النظر في الحكم، وهذا ما يسمونه النظر في المآلات، وهو ما يستدعي الاستحسان وسد الذرائع.

وبناء على ذلك يرى الدكتور الكيلاني أن إعادة العمل بنظام الاسترقاق من المسلمين، سيفضي إلى مفاسد كبيرة، فالمسلمون في حالة استضعاف، فإذا ما عاملهم الآخرون بالمثل، فسيتم سبي نساء المسلمين في مناطق كثيرة من العالم، كذلك فإن الأعراف الإنسانية لم تعد تتقبل ممارسات كهذه (بخلاف ما كان سائداً في الماضي)، وتحترم عصمة النفس الإنسانية وعدم استرقاقها، فلا يجوز انتهاكها، لأن الشارع يقيم اعتباراً للأعراف المقبولة ويأخذ بها. 

 في جوابه عن سؤال "عربي 21": هل يمكن اعتبار حكم سبي النساء والاسترقاق من الأحكام المرتبطة بمرحلة تاريخية خاصة بها، ولا يمكن تعديتها إلى قابل العصور والأزمان؟ قال الدكتور الكيلاني:نعم هذا النوع من الأحكام يمكن اعتباره كذلك، فهو مرتبط بظروفه ودواعيه التاريخية، مع تحذيره من تطبيقات المدرسة التاريخانية التي تفضي بمنهجيتها إلى تعطيل قدر كبير من الأحكام الشرعية التي لها صفة الدوام والثبات. 

النصوص وتطبيق الأحكام مرهون بمقاصدها

ما مدى اعتبار مقاصد الشريعة في العمل بالنصوص وتطبيق الأحكام الشرعية؟ أوضح الدكتور جمال الباشا الداعية والباحث الشرعي، أن تطبيق الأحكام لا بد فيه من النظر إلى مقاصد الشريعة، وينظر كذلك إلى المصالح والمفاسد، فلو كان الحكم الشرعي من حيث الأصل مشروعاً لكن يترتب على تطبيقه مفاسد كبيرة من حيث مآلات الأفعال، فهذا يتنافى مع مقاصد الشريعة، من حيث ظرفه، لا من حيث أصله. 

ورأى الباشا في حديثه لـ"عربي 21": أن الأعراف السائدة بين المجتمعات والدول، لا بد من احترامها والالتزام بها، وأن الإنسانية قد استقرت على نبذ الاسترقاق ورفضه، ولم يعد المتحاربون يسبون نساء بعضهم بعضاً في ظل الأعراف الدولية الحديثة والاتفاقيات الموقعة بين الدول، وبإعمال النظر المقاصدي لا بد من اعتبار ذلك كله، والالتزام به، لافتاً إلى أن تنظيم الدولة والقاعدة وسائر التنظميات المشابهة، لا يأخذون بتلك الأعراف ولا يلتزمون بالاتفاقيات الدولية. 

من جانبه، وفي السياق ذاته، أشار الدكتور منصور أبو زينة، أستاذ مساعد في التفسير وعلوم القرآن في جامعة اليرموك الأردنية، أن الاسترقاق لم يعد موجوداً في زماننا، وأن "ملك اليمين" المذكور في القرآن كان موجوداً قبل مجيء الإسلام، وأن الشارع سعى لتقليص دوائره بتوسيع مخارجه وتضييق مداخله، للوصول إلى إلغائه بالكلية وهذا ما كان. 

وفيما يتعلق بتطبيق تنظيم الدولة لحكم سبي نساء اليزيديين، قال الدكتور أبو زينة لـ"عربي 21": لم يعد العالم المعاصر في حروبه يطبق هذا الأمر، ولا مكان فيه للاسترقاق، وإنما المتعارف عليه هو الأسر، متسائلاً: هل يجوز من باب المعاملة بالمثل سبي نساء الكفار كما كان سائداً في العصور الأولى؟ مجيباً بأن الاسترقاق غير موجود أصلاً في عالمنا المعاصر، فكيف نجوّز شيئاً شرع في أصله من باب معاملة الآخرين بالمثل؟. 

بين إحياء تنظيم الدولة لنظام الاسترقاق، وتطبيقه لحكم سبي النساء، وبين آراء ومواقف علماء وحركات واتجاهات إسلامية عريضة، يبقى الجدل محتدماً وساخناً، بين منهجين متغايرين في قرءاة النصوص الشرعية وإنزالها على واقع الناس، أحدهما محكوم بنزعته الظاهرية الحرفية، والآخر يُعمل النظر المقاصدي الذي يربط النصوص بمقاصدها ومقاصد الشريعة، ومميزاً بين أحكام مرهونة بتاريخيتها، وأخرى لها صفة الدوام والثبات.
التعليقات (2)
عبدالله الكيلاني
الأربعاء، 19-11-2014 09:38 م
إضافة إلى ماذكر سابقا لتحريم الاسترقاق فإن اليزيدين موجودين قي العراق من أيام الدول الأموية وقيل قيل وهم يتعمون بعقود أمان منحتها لهم الخلاقة الإسلامية الأموية أو الخلاقة الراشدة فلا يجوز نقض أمانهم واسترقاهم
امجد
الإثنين، 17-11-2014 11:03 ص
فقفط من باب التصحيح العلمي و بغض النظر عن الموضوع تفاجأت بان كاتب المقال و المعلقين لا يعلمون بان نظام الرق لازال قائماً و موجوداً في الصين و نيجيريا و الهند و موريتانيا و يوجد اكثر من 29 مليون انسان كعبيد في العالم حسب تقديرات الامم المتحدة للعام الماضي في الدول سالفة الذكر علماً بان هذا لا يشمل الرقيق الابيض