مقالات مختارة

هل يمكن تأسيس حزب الشريعة؟

فاروق كوسه
1300x600
1300x600
كتب فاروق كوسه: هل تعلمون كم عدد الأحزاب السياسية التي نشطت حتى الآن في تركيا، والتي تعتبر ثرية من حيث عدد الأحزاب السياسية؟ وإذا أحصينا الحزب الذي أسسته "أمينة أولكر طارهان" المنشقة عن حزب الشعب الجمهوري مؤخراً، هناك 94 حزبا سياسيا فعالا اعتباراً من اليوم! فإذا ما قمت بكتابة أسماء تلك الأحزاب في هذا المقال، لم يتبق لدي مساحة لكتابة أي شئ آخر.

فإذا ما تساءلتم عن كيفية عمل هذه الأحزاب، أنا أيضاً لا أعلم ذلك. ولكن إذا كان لدي شئ أعلمه يكون ما سأتلوه عليكم : إن الـ 94 حزبا سياسيا لا يظهر أن لديهم "94 رؤية سياسية". لأنه في حقيقة الأمر، إن جميع الأحزاب السياسية تتبع "رؤية سياسية – ايديولوجية واحدة"، وبناءً عليه كل هذه الأحزاب مضطرة أن تعمل تحت سقف هذه الرؤية.

 يكمن الفرق بينهم عند إظهارهم الارتباط الوثيق بـ "الرؤية السياسية – الإيديولوجية المفردة"، فالجميع يسير في نفس المسار. أو ليس من الممكن لأي حزب سياسي أن يعمل خلاف تلك الرؤية السياسية – الإيديولوجية المفردة، أو تغيير تلك الرؤية السياسية – الإيديولوجية المفردة.

يُذكر في المادة الـ 68 من الدستور "الأحزاب السياسية هي عناصر لا غنى عنها في الحياة السياسية الديموقراطية". يشترط على استمرار الأحزاب السياسية ألا تكون لوائحها وبرامجها وأعمالها "تتعارض مع مبادئ الجمهورية العلمانية". بمعنى أن جميع الأحزاب السياسية مجبرة على اتباع مبادئ العلمانية في المقام الأول. 
 
يتضمن قانون الأحزاب السياسية أحكاماً غاية في الوضوح في هذا الشأن. كما أن الأحزاب السياسية تعمل مرتبطة بمبادئ أتاتورك والانقلابات وفقاً للمادة الرابعة من الدستور، التي تحدد "طبيعة عمل الأحزاب السياسية"، والتي تشتمل على النص القائل "الأحزاب السياسية هي عناصر لا غنى عنها في الحياة السياسية الديموقراطية". ها هو ذا العنصر الثاني الذي أُدخل على القالب الوحيد، وهو تشكيل جميع الأحزاب السياسية.
 
وبغض النظر عن مسمى الحزب، فإن الصفات الأساسية لجميع الأحزاب السياسية ومنظورها السياسي الرئيسي، لابد أن تتبع في المقام الأول "مبادئ العلمانية " و"مبادئ أتاتورك وانقلاباته". فمن المستحيل استمرار وجود حزب سياسي شارك في أي نشاط يخالف هذين العنصرين السابقين. 
وأياً كان خلاف ذلك، فجميعها من قبيل التفاصيل. فليس من الصعب علينا إدراك أن "كمية الـ 94 حزبا" ليست بالضرورة سياسية. مع أنها ستحمل جميعها "ماهية سياسية واحدة"، ومن ثم ما هي الفائدة من وجود أحزاب سياسية مختلفة في الدولة؟

أعتقد بأننا أدركنا أن النظام السياسي في بلدنا، يمكن أن يُعبر عنه بأوصاف مثل "الجميع على قلب رجل واحد"، و"نوع واحد"، أو "الجسد الواحد". فلا يوجد هناك خيار آخر سوى مواصلة الطريق بـ "الأحزاب التي اعتبرت مناسبة" حسب "الأصول السياسية المحددة والتي لا يمكن تغييرها في المجتمع". فليس من الممكن تشكيل وتفضيل الأحزاب السياسية قواعد وأصول سياسية أخرى، أو الخروج عن الأصول السياسية المحددة. فليس هناك أي مهام أخرى سوى تشكيلها في مخرطة "العلمانية" و"الكمالية"، وأداء دورها حسب الشكل المطلوب.

بيد أن انحصار مجتمع ما في قالب سياسي – ايديولوجي محدد، هو دليل على مدى عظمة الظلم والطغيان ضد المجتمع. فلو يستطيع المجتمع أن يتبع "حركة سياسية من شأنها تغيير النظام السياسي" أفضل من ترجيح حزب يتبع نظاما سياسيا محدد سلفاً، حينئذ من المنطقي أن يكون من حق الأحزاب السياسية أن تختار مسارها السياسي.  

والآن، اسمحوا لي أن أقدم لكم نماذج ملموسة أكثر في هذا الصدد.

يمكننا القول إن هذا المجتمع يصف نفسه بالإسلام؛ معلناً أنه مجتمع مسلم. لذلك ينبغى على المجتمع أن يؤسس حزبا سياسيا قادرا على توفيق النظام السياسي مع المبادئ الإسلامية، وأن يواصل السير مع ذلك الحزب.

ومع ذلك لا يتوفر هذا الأمر في الظروف الحالية. بمعنى أنه لا يمكن تأسيس حزب سياسي يرتكز على "استدعاء الشريعة الإسلامية" و"تنظيم حياته وفقاً لمبادئ الإسلام"، بدلاً من "النظام العلماني - الكمالي" كقبول مجتمعي في ظل وجود نظام سياسي حالي. فمن يحملون تلك العقيدة يمكنهم تأسيس حزب ما، ولكن لا يمكن السماح له الاشتغال بالسياسة. فهذه الأحزاب مضطرة للمشاركة في العمل السياسي، منكرين ذاتهم فيما يتناسب مع النظام السياسي الحالي.

ومع الوصول إلى رقم 94 حزبا فضلاً عن الأحزاب السياسية الجديدة التي تشكلت مؤخراً، فإن الجميع بمثابة حزب واحد؛ لأن جميع هذه الأحزاب السياسية محكوم بإطار سياسي – ايديولوجي واحد.

وأكتب إليكم بشكل أكثر وضوحاً: إن في بلد مثل تركيا لا يمكن تأسيس "حزب الشريعة".
 
ومن ثمَّ، إذا أضفتم 94 حزباً إلى الأحزاب الـ 94 الحالية، فهل تتوقعون أن يحدث أي تغيير؟

صحيفة يني عقد التركية
التعليقات (0)