اقتصاد دولي

خبراء: إسبانيا تعول على البنوك الإسلامية لحل مشاكلها الاقتصادية

لوبيث: ميزة المصارف الإسلامية أنها بنوك بنظام اقتصادي أكثر إنسانية - أرشيفية
لوبيث: ميزة المصارف الإسلامية أنها بنوك بنظام اقتصادي أكثر إنسانية - أرشيفية
كشفت دراسة اقتصادية جديدة في إسبانيا عن إمكانية مشاركة البنوك الإسلامية في حل مشاكل البلاد الاقتصادية، بعد تراجع نمو أهم القطاعات الحيوية في إسبانيا (العقار، البناء وقطاع الخدمات) منذ أوائل 2008؛ لأنها تقدم تعاملات أكثر إنسانية وأقل سعياً نحو تحقيق الأرباح من البنوك التجارية التقليدية، ومن الممكن أن تساهم في توفير تمويلات للشركات المتوسطة والمقاولات الصغرى التي تشكل نسبة 98.9% من عدد الشركات في إسبانيا.

وانتهت الدراسة التي أعدها المحلل الاقتصادي فؤاد بن علي، الباحث بجامعة "أتونوماد مدريد" الإسبانية في توسع البنوك الإسلامية في أوروبا خلال الثلاث سنوات الماضية، إلى أن بنية المجتمع الإسباني تجعله مؤهلاً ليكون سوقاً جيدة للبنوك الإسلامية، لأن الأزمة المالية التي عصفت باقتصاد إسبانيا في 2008، أكدت أن البلاد تشكل سوقاً استهلاكية بامتياز.

وحددت الدراسة أهم العوائق التي تقف أمام عمل البنوك الإسلامية في إسبانيا، بثلاثة عوائق هي: ضعف ثقافة الصناعة المالية الإسلامية لدى صناع القرار الاقتصادي والسياسي بإسبانيا، وغياب مراجع علمية تتناول موضوع الصرافة أو البنوك الإسلامية باللغة الإسبانية، رغم وجود ما يزيد عن 10 جامعات حكومية تدرس الدراسات الإسلامية، إضافة إلى ضعف ثقافة البنوك الإسلامية لدى الجالية المسلمة في إسبانيا.

وأكدت الدراسة أن إسبانيا بدأت تقدم تسهيلات كبيرة للبنوك الأجنبية من خلال تعديل وزارة الاقتصاد الإسبانية القانون المالي لها في نيسان/ أبريل 2013.

ويري الباحث الاقتصادي فؤاد بن علي الذي أعد الدراسة، أن إسبانيا باعتبارها سوقاً استثنائية، قد تصبح خلال سنوات، عاصمة الصيرفة الإسلامية بامتياز على حساب لندن وباريس، بشرط تسارع وتيرة الاهتمام الحكومي بتسهيل عمل البنوك الإسلامية، واكتشاف المزيد من المستثمرين في المؤسسات المالية لهذه المصارف، ما يؤدي إلى تأثير اقتصادي إيجابي، عملي وسريع ليس فقط على السوق الإسبانية الكبرى بما فيها أسواق أمريكا اللاتينية بل أيضاً على السوق الأوروبية.

ويبلغ عدد سكان إسبانيا 46.5 مليون نسمة، في يناير/ كانون الثاني 2014 بحسب المعهد الوطني للإحصاء، وتشكل الطبقة الوسطى في إسبانيا قوة اجتماعية استهلاكية قوية إضافة إلى النسبة المهمة للجالية المسلمة بإسبانيا، التي يمكن أن تشكل سوقاً تستقطب المؤسسات والبنوك الإسلامية العالمية، حيث يصل عددها إلى نحو 2 مليون نسمة.

فرص جديدة واستثمار واعد

أهمية البنوك الإسلامية بدأ يتصاعد منذ 6 سنوات، عندما اتجه البنك المركزي الإسباني لاكتشاف هذا النظام، وبحث في ما يمكن أن يضيفه إلى النظام المالي الإسباني بناء على دراسة أصدرها البنك عام 2008، واستنتج خلالها أن البنوك الإسلامية "فرص جديدة.. واستثمار واعد".

وفي يونيو/ حزيران 2008 وقعت مؤسسة "حلال"( halal) الإسبانية الرسمية التي تعنى بمراقبة المنتجات الاستهلاكية، ومدى تطابقها مع تعاليم الشريعة الإسلامية مع مؤسسات مالية إسبانية وأوروبية، اتفاقية لإنشاء نظام بنكي إسلامي، لا يتعامل بالفوائد الَّتي يحرمها الدين الإسلامي، وقالت المؤسسة حينها: إن توقيع الاتفاق "يأتي في وقت تزايد فيه عدد المسلمين في إسبانيا بشكل كبير" وأن هؤلاء المسلمين: "يودُّون التَّعامل وفق قواعد لا تتعارض مع قناعاتهم الدينية".

وقال محمد عبد الحكيم أسكوليرو أوليدي – مسؤول قسم التصنيفات الحلال في مؤسسة "حلال" الإسبانية: إن تفعيل اتفاقية إنشاء نظام بنكي إسلامي في إسبانيا عام 2008، اصطدم بمجموعة من القوانين والإجراءات التي لا يزال العمل عليها مستمراً، لتسهيل مهمة بدء المعاملات الإسلامية بشكل رسمي.

وأضاف أسكوليرو أليدي، أن مؤسسة "حلال" تنسق مع عدد كبير من المؤسسات المالية، من أجل إنهاء الإجراءات القانونية المتعلقة بتسهيل دخول البنوك الإسلامية إلى الساحة الإسبانية، مشيراً إلى أن المؤسسة لديها قناعة بأن البنوك ومؤسسات التمويل الإسلامي لها مستقبل في إسبانيا.

وأوضح أن هناك فروقاً كبيرة بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية التجارية العادية، وهناك سمعة طيبة للبنوك الإسلامية وهي تقدم تعاملات أكثر احتراماً وأقل شراهة من البنوك الأخرى، مشيراً إلى أن المسلمين في إسبانيا يتمنون وجود بنوك إسلامية لقناعتهم أنها تقدم خدمات وفق الشريعة.

وفي محاولة لوضع قاعدة معلومات وتعميق البحث في مستقبل البنوك الإسلامية في إسبانيا، أُعلن في مارس/ آذار 2013 عن تأسيس أول مركز للدراسات والأبحاث في الاقتصاد والمالية الإسلامية في إسبانيا، يضم أكاديميين وباحثين في ميدان الصيرفية الإسلامية من دول، المغرب، إسبانيا، البيرو، والمكسيك.

وأعلن هؤلاء الباحثون اهتمامهم بفتح قنوات التواصل مع مختلف المهتمين، والمستثمرين، والباحثين، والمؤسسات، وكذلك الدولة الإسبانية للشروع في التفكير لفتح الباب أمام هذه البنوك للاستثمار في إسبانيا.

 98 % من الشركات الإسبانية تبحث عن ممولين أقل جشعاً

في بورصة مدريد التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية على مدى 6 سنوات الماضية، وبدأت تتعافى مع إعلان حكومة ماريانو راخوي الشهر الماضي أن الاقتصاد يتجه للانتعاش، فإن المحللين الماليين يعكسون هذا الاهتمام الاقتصادي بالبنوك الإسلامية جزءاً من "حلول الأزمة المالية التي تمر بها إسبانيا".

ويري المحلل المالي "بيدرو لوبيث"، أن "الكثيرين ممن يهتمون بالبنوك الإسلامية يتجاوزون ما يتبادر للذهن للوهلة الأولى من أن هذه البنوك ستركز في تعاملاتها واستثماراتها على المسلمين في إسبانيا، فالموضوع أكثر عمقاً، فهو يتعلق بوجود بنوك بنظام اقتصادي أكثر إنسانية".

ووصل عدد الشركات في الاقتصاد الإسباني إلى 1.15 مليون شركة، حيث تستحوذ الشركات المتوسطة والمقاولات الصغرى على نسبة 98.9% منها، وفقاً لآخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد الإسبانية عام 2013.

وذكر "بيدرو لوبيث" أن ما يفسر سبب إفلاس العديد من الشركات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي شهدتها البلاد، بسبب نقص الموارد المالية، وعدم القدرة على مواجهة الهزات الاقتصادية، مما يجعلها بحاجة إلى مؤسسات تمويل جديدة وبفوائد مناسبة.

وأضاف لوبيث، أن ميزة المصارف الإسلامية أنها بنوك بنظام اقتصادي أكثر إنسانية، يدفع الشركات الصغيرة لوضع أمل في هذه البنوك، وأن هذه البنوك ستكون جاذبة لاستثمارات وودائع رجال أعمال ومؤسسات مالية في الشرق الأوسط، وهذا سيساهم في تحريك الاقتصاد دون شك، مشيراً إلى آلاف ضحايا البنوك الذين حجزت المصارف على منازلهم.

وأشار إلى أن هذا ما يدفع المراقبين للقول: إن ذلك يسهل المهمة على البنوك الإسلامية التي تعتمد على المشاركة في تقاسم الربح والخسارة عبر عقود المضاربة والمشاركة، فرغبة هذه الشركات - التي تشكل عماد الاقتصاد الإسباني- في الحصول على التمويل يجعلها مثالية، ومن ناحية أخرى فإن الساحة الاقتصادية الإسبانية تشكل سوقاً بكراً لمؤسسات التمويل الإسلامية، حيث تشكل البنوك محركاً قوياً للاقتصاد الإسباني.

وبلغة الأرقام فإن عدد البنوك الإسبانية يبلغ 73 ،تعرض خدماتها إلى جانب 46 بنكاً أجنبياً، و77 فرعاً لبنوك أجنبية، ويعتبر البنك العربي الأردني "ARAB BANK" الذي تأسس في عمان عام 1930 ويضم أكثر من 600 فرع في العالم، هو البنك العربي الشرق أوسطي الوحيد في السوق المالية الإسبانية، ومقره مدريد بحسب الدراسة التي أنجزها فؤاد بن علي.

ويري ارتورو لوبو - محلل مالي في قناة 24 التلفزيونية الإسبانية، أن قدوم البنوك الإسلامية إلى إسبانيا له فوائد كبيرة، مثلما حدث في لندن وباريس، وأن السوق الإسبانية مؤهلة لتصبح مستقطبا لهذه المؤسسات المالية لأنها تفتح ليس فقط على السوق الاسبانية بل على مستعمرات إسبانيا السابقة والتي تقدر كثافتها السكانية بـ 400 مليون نسمة وهي سوق حيوية.

وأضاف لوبو، أنه لدينا مشكلة الشركات الصغيرة التي تحتاج حماية مالية وتبحث عن تمويلات من مؤسسات أقل جشعا من مؤسسات التمويل القائمة والتي عادة تمول فقط الشركات الكبيرة، وهذه قد تكون نقطة جاذبة للبنوك الإسلامية.

ويري خوسي ماريا مولينا، رجل أعمال إسباني ومستثمر في بورصة مدريد، أن البنوك الإسلامية، بحسب وجهة نظره، لديها مساحة في السوق الإسبانية، وهذا جيد بالنسبة لهذه البنوك وجيد أيضاً بالنسبة لإسبانيا، وعندما نرى حماساً في الندوات الاقتصادية وفي الجامعات والحوارات التلفزيونية المفتوحة حول البنوك الإسلامية، نلمس أيضاً وجود حقائق على الأرض تشجع هذا التوجه.

وأضاف "مولينا": أن الساحة الإسبانية شبه متفائلة بأنه مع قليل من الحماس للمستثمرين في المؤسسات المالية الإسلامية، وقليل من تسهيلات الحكومة، قد نشهد حضوراً قوياً للبنوك الإسلامية في إسبانيا خلال الفترة القادمة، التي تتراوح بين عامين أو ثلاثة.
التعليقات (0)