كتاب عربي 21

انقلاب الأقوياء لا يقيم وزنا للفقراء الضعفاء

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
الانقلاب هو مجموع القوى المستفيدة منه والمتحالفة معه. وهو بحكم تلك التحالفات التي تمثل سندا له تدافع وتدفع عنه وله وتحمي سلطانه، يعبر عن مكونات ثورة مضادة واجهت كل احتمالية تغيير طرحتها ثورة الخامس والعشرين من يناير التي انطلقت في شعارها "عيش كريم، وحرية أساسية، وكرامة إنسانية، وعدالة إجتماعية". شعار يتحدث عن أهداف ثورة ومكتسبات شعب يجب أن تتحقق لصوغ سياسات ورسم استراتيجيات تجعل من هذه الشعارات واقعا وعملا وبناء وعمرانا.

ومن هنا فإن القوى التي تقع في حسبان وقلب الانقلاب إنما تتمثل في مؤسسات قوة باطشة تواجه كل مظهر للاحتجاج على ظلم ظالم، وها هو يستند أيضا إلى قوة الإعلام في غسل عقول الناس لتبرير وشرعنة الانقلاب باستغلال أذرعته الإعلامية في تمكين سلطانه وتمرير عنفوانه وتزوير استقراره وأمانه، وهو كذلك يستند إلى سلطان الذين ينتمون لمرفق العدالة والإنصاف فإذا بهم يتحولون إلى قوى للظلم والقمع والإجحاف، وهو كذلك لا يهتم إلا برجال المال والأعمال الذين يرعون الفساد وأدواته ويمكنون لشبكاته.

بين هذه القوى جميعا يتحالف الانقلاب ليجعل من نفسه مجمعا للقوى الباطشة الطاغية إن بسلاحها وعنفوانها، وإن بسلطانها وجورها، وإن بمالها وثرواتها، وإن بأبواقها المزيفة والمزورة وكذبها، تتراكم كافة صنوف القوة لتتحالف على كل ضعيف في عموم المجتمع. 

في زمن الانقلاب ليس هناك وزن للفقراء والضعفاء، إنه قانون الانقلاب الأساس حينما يأتي على الضعيف مستهينا بمطالبه مستخفا بحاجاته وضرورات معاشه، وكل ما يتعلق بآماله في العيش الكريم والحرية الأساسية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، هذه مشاهد للصورة الكبرى تتجمع فيها مشاهد جزئية وصور خلفية تعبر عن هذه المعاني فتقف الكلمات عاجزة أن تنهض بحقوق هؤلاء، حتى الكلمات لا تُقوي جانب الضعفاء، هؤلاء جميعا من أصحاب القوى يترجمون قوتهم إلى طغيان أثيم يتعلق بظلم مقيم وفساد عميم، يضعون القوانين وينتهكونها ويُعملونها في حق كل ضعيف وفقير، القانون لا يطبق على الأقوياء ولكنه فقط للفقراء والضعفاء.  

هذا مشهد لطفل صغير اسمه عبد المسيح هذا الطفل الفقير امتدت يداه من جوعه لعدد من الأرغفة، وهنا تأتي العدالة الباطشة مزمجرة لتقيم سلطانها فتستهين بهذا الطفل الصغير وبجوعه، هذا الطفل الصغير الذي كان يجب أن يتوفر له "العيش الكريم" من ثورة جعلت من تلك الكلمة أول شعاراتها، إنه لا يجد الخبز، والخبز في مصر العامرة بناسها القافرة بانقلابها أسمه "العيش" وإذا فقد العيش فقد الإنسان العيش، هذا طفل صغير يشير إلى هذه المعضلة، ثورة يناير قامت من أجله، والثورة المضادة باسم العدالة القامعة الباطشة تحكم عليه غيابيا بسنين عشر غيابيا، بينما هذا الذي سرق شعبا بأكمله وأفسد طيلة ثلاثين عاما عاد إلى مقاعده وحُكم ببراءة ذمته، القوي لا يخطيء، والفقير متهم، هذا هو قانون الثورة المضادة، أهذه هي عدالتكم التي تعاقب الفقير الضعيف وتترك الحاكم الباطش الفاسد فتنعم عليه بالبراءة وربما ستنعم عليه مستقبلا برد الاعتبار أما الصغير الجائع الفقير فليذهب إلى الجحيم؟   

وهذا المشهد الثاني لامرأة حان وضع حملها قصدت المستشفى لوضع جنينها ولكنهم استهانوا بها، طردوها في عرض الطريق تعاني من آلام الوضع والولادة، هكذا لا كرامة للإنسان إن كان ضعيفا ولا شرف ولا عرض له إن كان فقيرا، هذه المرأة تلد في عرض الطريق ولا يهتم أحد تموت أو يموت جنينها أو يموتا معا ،الأمر لا يهم ، إنهما سقط متاع في مجتمع صار يمارس بمقاييسه ـ مقاييس الوضاعة والخلاعة ـ فها هي فنانة تُنقل إلى أفضل مستشفيات القوات المسلحة لتتابعها بالعلاج، أما تلك فتلقى في عرض الطريق فإن طلبت علاجا أو مشفى فليس لها مادامت إلى جموع الفقراء تنتمي وفي طوابير الضعفاء تنضوي.  

وهذا مشهد ثالث لكهل كبير من الواضح أنه التمس علاجا في مستشفى طنطا العام ولكنهم استحقروا ملبسه، واستصغروا شأنه، واستضعفوا أمره، وطردوه من عذاب مشفاهم لا رحمته، ألقوه في جانب الطريق على رصيف لم يصحبه إلا صندوق قمامة كبير، هل عدّوه من القمامة حينما تركوه بين الفضلات، هل اعتبروه من فضلات المجتمع لا يستحق إلا الموت، أين هؤلاء من رحمة هتلر النازي حينما كان يقتل الضعفاء وأصحاب الحاجة؟، فهنا يقتلوهم بالاستخفاف بحقوقهم، ماذا يفعلون بالإنسان سوى الإهانة والمهانة والامتهان؟.

وفي مشهد رابع لأحد شهداء كفر القواديس إنه مجند يقضي خدمته العسكرية قتلته أيدى آثمة غادرة فكانت التأبينات والجنازات وأخذ الكبراء الأقوياء الصورة الاحتفائية وانهالت من بعدها وعود كاذبة زائفة، وحينما طالبت أمه بالوفاء قال لها من يمثل أصحاب القوة والصولجان "حياالله ده مجند" ،هل المجند في عرفهم مادة استعمالية ومن أجل الصورة فقط يحتفلون بالجنازات، إنه الموت قد طاله ولكنهم قتلوه مرتين، مرة حينما قصروا في حمايته ومرة أخرى حينما استهانوا بموته وتقاعسوا عن تحقيق تكريمه وحفظ كرامته، أهذا مقامه عندكم تحتفلون على دمائه ولا تقدرون معنى موته ولا تضحيته لوطنه؟ ليس هذا بعجيب ففي ذات السياق ذهب أحد الجنود ليسلم جثة زميله لذويه ولكنه قبل أن يغادر طالبهم "بالعلم" الذي لفت فيه جثته قائلا "أصله عهدة"، هذا حينما يتصور الانقلابيون الموت كمادة احتفالية، والكرامة لا تتعلق بإنسان فقير أو ضعيف أو مجند.

وها هو المشهد الأخير نختتم به هذه الصورة الكلية يتمثل في قاض كبير هو رمز للعدالة، ينتصف لكل مظلوم، يأخذ الحق من القوي للضعيف غير متعتع، هكذا يُفترض، إلا أنه انطلق في تصريح له (وبالفم المليان) بأنه لامكان لأبناء عاملي النظافة في النيابة، عنصرية فاجرة لا تتحدث عن الكفاءة أو الجدارة أو الاستحقاق، ابن الفقير فقير، وابن الغني غني، وابن القاضي قاض، وابن عامل النظافة لا يمكن أن يدخل النيابة، قواعد للجور والاجحاف لا للعدل والإنصاف ابتدعوها في ظل قانون انقلاب الأقوياء على الضعفاء، لا مكان للضعفاء والفقراء، يقول هذا قاضي القضاة فهل أأمن له حينما يقضي بين عموم الناس وبينهم الضعيف والقوي، والفقير والغني؟

صورة بمشاهد فاجعة تعبر عن سلطان الطغيان حينما يكتسح ضعف وفقر الإنسان، يسحق الفقير ويُمتّع الغني وينتصر للقوي ويخذل الضعيف، ليست تلك إلا قوانين انقلاب إنقلب على كل قيمة واجتمع عليه أصحاب السلطان الطاغي والانقلاب الباغي، هل نجعل من مشاهد الفقر والضعف هذه مشاهد لغنى النفس وقوة إرادتها فتنطلق إلى ثورتها لتحقق هدفها بعد أن امتهن العيش الكريم وحرية الناس وكرامة الإنسان والمواطن ومنظومة عدالة وإنصاف، هذا هو حال وطن إنقلب فيه الأقوياء على الضعفاء والفقراء.
التعليقات (1)
محمد محمد
الخميس، 18-12-2014 04:47 ص
يا عم عبد الوارص يا ابو سيف شكلك وخيدلك سنجة فى وشك اتقى الله وبلع سمك من بيسمعك ولا يقرالك