قضايا وآراء

هل سيخوض الأردن حربا برية ضد داعش؟

محمد العودات
1300x600
1300x600
الصدمة الكبيرة التي تعرض لها النظام الأردني والشعب الأردني والعربي والحس الإنساني كانت كبيرة، الأردن يبدو أنه استوعب الصدمة خلال اليومين الماضيين وانتقل إلى مرحلة رد الفعل إلى مرحلة من يصنع الحدث، لكن هل سيشارك الأردن في حرب برية ضد داعش؟

(1) جدلية الحرب البرية 

صدر القرار الدولي رقم 1270  من مجلس الأمن  وفقا لأحكام الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة للوقوف في وجه داعش جاء هذا القرار بعد أن قامت داعش بإعدام الصحفيين الأمريكيين وسنوات من وضع داعش وسلفها في سوريا جبهة النصرة بقيادة الجولاني على قوائم الإرهاب العالمية، قرار استطاع أن يجمع تحالف خمسيني  للوقوف في وجه هذا التنظيم  المتشدد.

جاء الحديث على لسان الولايات المتحدة الأمريكية بأن الحرب لن تكون حربا سريعة بلأنها تحتاج إلى ثلاثة سنوات وبتكلفة  تصل إلى  أربعين مليار دولار أمريكي مما أثار شكوكا كبيرة حول هدف الولايات المتحدة من هذه الحرب.

أمريكا والتحالف الدولي كان لديه تصور واضح عن دحر التنظيم المتشدد في العراق حيث أن الجيش العراقي والقوات البشمركة الكردية هم من سيتولى تطهير المناطق العراقية من تنظيم داعش مدعوما بسلاح الجو التابع  للتحالف الدولي دون أن يكون  هناك  ضرورة لوجود قوات عربية أو أجنبية على الأرض العراقية  وهذا ما تصر وتطالب به الدولة العراقية.

داعش تتقهقر سريعا في  العراق وتخسر بشكل كبير والجيش العراقي يستعيد قطاعات كبيرة مما فقده في الصيف الماضي  مما يعني أن الحرب على داعش ستكون قصيرة نسبيا في الأراضي العراقية وخاصة أن هناك مبادرات مصالحة ووئام وطني عراقي تهدف إلى إدماج السنة بعد أن استطاعت أمريكا والعرب الضغط باتجاه رحيل المالكي رئيس الوزراء الطائفي التابع لإيران بشكل سافر مما يعني أنه إذا ما تم هذا المشروع فإن داعش سوف تفقد الحاضنة السنية ولسوف يتكرر سيناريو الصحوات هذه المرة وبشكل أكثر قسوة بعدما أبدت داعش  ممارسات أكثر بشاعة باتجاه الجميع.

على النقيض من وضوح المشهد العراقي في محاربة داعش يبدو المشهد السوري أكثر تعقيدا ويحمل  تشعبات وحيثيات ومفاصل دقيقة ومهمة  لم يجمع التحالف الخمسيني حتى هذه اللحظة على موقف موحد منها.

في الوقت التي أبدت تركيا  اكبر جيش موجود في المنطقة استعدادها المشاركة في أي أعمال ضد داعش إذا كان الهدف هو القضاء على داعش ورحيل الأسد سوية، فالرئيس التركي يريد محاربة داعش وإنهاء الأزمة السورية لما تركت من أثار سيئة على الدولة التركية.

أمريكا تبدي حذر شديد وتعمد سياسة إضعاف داعش في سوريا لا القضاء عليها إلى حين حل الأزمة سياسيا في سوريا وتحقيق موقف دولي موحد بخصوص المشهد السوري.

واشنطن يبدو أنها تبدي رفض لفكرة رحيل الأسد في هذه المرحلة، لأنه يعني مزيدا من الفوضى الذي ستستفيد منه الجماعات التكفيرية المتطرفة التي تلاقي حواضن شعبية، ما سيجعل المسالة أكثر تعقيدا وأشبه بسيناريو الفلوجة العراقية قبل عهد الصحوات السنية.

عربيا، يبدو أن هناك تباينا في الموقف مع أمريكا وأكثر انسجاما مع الموقف التركي؛ إذ إن بعضها يعدّ الأسد أولوية، والبعض الآخر ينسجم مع الموقف التركي، ويرى أن الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة، وأنهم يجب الخلاص منهم سوية، لكن الدول العربية لم تمتنع عن المشاركة  في الحلف الدولي في الحرب على داعش، كما فعلت تركيا.

(2) ضغوط داخلية في أمريكا

تبقى يد الإدارة الأمريكية مرتعشة اتجاه موقف حاسم فيما يجري على الأرض السورية تجاه الأسد والتنظيم المتطرف، ومتلجلجة في اتخاذ القرار الذي يحدث تغييرا حقيقيا في المشهد، معتمدة سياسة ترحيل الأزمة لاعتبارات عدة، منها الخوف من الفراغ الذي تملؤه الجماعات التكفيرية ما بعد الأسد، وانسجاما مع الموقف الإسرائيلي الذي يريد إطالة المشهد السوري الحالي لمدة أطول، لضمان إضعاف الدولة السورية لعقود أطول في المستقبل، وأيضا الاختلاف مع الدول الكبرى حول مصير الأسد والزواج العرفي المصالحي الجديد مع إيران التي تريد بقاء الأسد في سوريا بأي ثمن .

الأصوات الأمريكية المعارضة لسياسة اليد المرتعشة بدأت تتحدث عن ضرورة الحرب البرية؛ إذ انتقد رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر الخطاب السياسي الأمريكي حول الوضع في سوريا والعراق قائلا إنه يجب إرسال قوات برية أمريكية لخوض الحرب ضد داعش.

فيما يرى وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر أن الحرب الجوية ضد داعش في سوريا لن تحسمها الضربات الجوية، وأنه يدعم أن تكون هناك حرب موحدة ضد داعش والأسد في وقت واحد، لكنه يؤكد أنه لا يريد أن يورط الجيش الأمريكي في هذه الحرب وأن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تؤديها وتحقق نتائج مثمرة هي الدولة التركية، لما لها من قوة عسكرية ومصلحة حقيقية في زوال الأسد  وداعش بذات الوقت .

ما طرحه وزير الخارجية الأمريكي السابق يبدو أنه أكثر انسجاما مع المطلب التركي ومع مطالب كثير من الدول العربية، إذا ضمنت عدم حدوث الفراغ المتخوف منه بغياب قوة السلاح الأمريكي، إلا أنه يتعارض مع الصراع الدولي المثار حول مصير نظام الأسد، وهنا اقصد روسيا وملامح المصالحة والمصلحة والزواج الجديد مع إيران.

(3) المشاركة الأردنية 

يدرك الأردن الرسمي بأن خوض حرب برية ضد داعش هو قرار ليس أردنيا أو مؤثرا به بمفرده بالدرجة الأولى، وإنما هو قرار مجتمع دولي أو قوى كبرى، وأن الأردن لن يستطيع الذهاب لأي عمل بري قبل أن يكون هناك تحالف دولي يدعم هذا الخيار .

الأردن الرسمي يدرك أن الحرب البرية على داعش غاية في التعقيد ميدانيا، وتحتاج إلى إمكانيات غير تقليدية لمواجهة حرب العصابات، وخاصة حجم العمل الاستخباراتي وكشف الجغرافيا، وهذا الشيء غير متاح حاليا نظرا للتعقيدات على الأرض .

صاحب القرار الأردني استوعب الصدمة وخرج من مربع ردات الفعل إلى مربع الرد على الجريمة البشعة، ولكن بما هو متاح؛ إذ الحديث بدا يجري عن ضربات جوية مركزة ودسمة ضد داعش، على أن يعطى الأردن بها دور وحجم نصيب الأسد، لتقديم ما يساعده أمام الرأي العام الغاضب المتعطش للثأر على جريمة إحراق الطيار معاذ الكساسبة، كما أن الحديث أيضا يدور عن التحضير لأعمال برية نوعية تقوم على فكرة الإنزال المحدد لتنفيذ أهداف محددة، كأعمال اختطاف قادة داعش وأسرهم أو تنفيذ أعمال قوية ضد مفاصل مهمة في هذا التنظيم تؤلمه وتضعفه إلى حد بعيد، وتحقق رضا وهدوء الشارع الأردني تجاه هذا الحدث.

الأردن شعبيا بات أكثر تقبلا للمشاركة في حرب برية إذا ما كان هناك قرار دولي في المشاركة في حرب برية ضد الأسد وداعش؛ إذ إن الشعب بعد مشهد إحراق الكساسبة بات يشعر بعظم الخطر الذي تمثله داعش على دولتهم وحياتهم ومستقبل أبنائهم.

لا شك بأن الأردن سوف يزيد من ضرباته الجوية على تنظيم داعش ثأرا لطياره، كما أنه سوف يكون أكثر استعدادا للمشاركة في كل السيناريوهات المحتملة للحرب البرية على داعش، سواء كان ذلك بتدخل مباشر ضمن تحالف دولي، أو من خلال أعمال مركزة ومحدودة يؤديها ضد تنظيم داعش بشكل منفرد.

الشيء المؤكد بأن الأردن يعلم أن إعلان الحرب البرية على داعش ليس هو وحده من يقررها، وإنما أمر تتشابك به السياسيات الدولية والإقليمية وتعقيدات أخرى، لكنه بكل تأكيد انتقل من مربع الاستعداد للمشاركة على استحياء ومعارضة داخلية إلى مربع الضاغط والمتعطش والمطالب بحرب برية ضد داعش.

يبقى مفتاح الحرب البرية على داعش ومصيرها في المنطقة داخل أروقة البيت الأبيض وعلى طاولة الرئيس الأسمر الفاتر لخوض الحروب في منطقة الشرط الأوسط، وكل الدول الدولية والإقليمية تنتظر هذا القرار للفصل في تلك المسالة الشائكة والأردن هو جزء من هذا المحيط الذي ينتظر، الذي أصبح مستعد لتأدية دور أكثر تأثيرا بعد سقوط طياره حرقا على يد هذا التنظيم المتطرف.
التعليقات (0)
abed
الخميس، 12-02-2015 06:57 م
الحرب البريه <br>الأردن وحده صعب <br>الآن داعش يمكن تكون بالداخل الأردني مما يزيد الأمر تعقيدا <br>المهم مشاركة أكثر من دوله ومن أكثر من محور