كتاب عربي 21

السيسي يشهد لصالح مرسي

سليم عزوز
1300x600
1300x600
"نَوّر" عبد الفتاح السيسي المحكمة، عندما قال في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن الرئيس محمد مرسي اعتقد أنه مسلم متدين فعينه وزيرًا للدفاع!.

لم يلفت انتباهي في التصريح ما لفت انتباه البعض، فدفعهم لمحاولة الإجابة عن الاعتقاد الخاطئ للدكتور محمد مرسي، وهل هو في الاعتقاد بأن وزير الدفاع "مسلم"، أم في أنه "متدين". فالتصريح أكد ما كنت دائماً أقوله، من أن تعيين السيسي وزيراً للدفاع كان بالاختيار الحر المباشر للرئيس محمد مرسي، نفياً للدعاية التي كان يتم ترويجها من أن الجيش هو الذي فرض عليه عزل محمد حسين طنطاوي وسامي عنان (وزير الدفاع ورئيس الأركان)، وأنه هو من اختار عبد الفتاح السيسي وزيراً!.

هذه الدعاية بدأت منذ اليوم الأول لقرار الرئيس الشجاع بعزل طنطاوي وصحبه، لتجريده من أشجع قرار اتخذه في العام  الذي حكم فيه البلاد، وكنت قد عرفت بهذا القرار مبكراً، فقد كان من أعرف انتماءهم للإخوان قد جاءوا من الصعيد لميدان التحرير في يوم اتخاذ القرار، وعندما سألت عن سبب قدومهم، كان الرد بأنهم لا يعرفون غير أنهم قيل لهم إن الرئيس سيتخذ قراراً مهماً في هذا اليوم، وهو ما كتبته على صفحتي علي "الفيس بوك"، وقد أشبعه المعلقون سخرية، فهل يعقل أن "محمد مرسي" يمكن أن يتخذ قراراً مهماً؟!

وبعد اتخاذ القرار، فقد بدا واضحاً لي أن هؤلاء الذين جلبوا من المحافظات المختلفة ليحتفلوا بالقرار في "ميدان التحرير"، إنما جيء بهم لحماية هذا القرار في مواجهة أي تمرد محتمل من قبل من صدر في مواجهتهم. وربما كان هذا متوقعاً، فقد كان المشير يتصرف على أنه من "ملاك مصر"، الذين آلت إليهم ملكية البلاد بالوراثة. لكني لم أتوقع ذلك أبداً، فقد تسلم الرئيس محمد مرسي، البلد من مبارك، وقياداته كأنهم أعجاز نخل خاوية، لا قيمة لأحدهم تذكر، إلا في المنصب الذي يشغله، فإن أقيل منه صار هشيماً تذروه الرياح.

وبعد مرحلة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، حرص مبارك على أن تكون الشخصيات المختارة لقيادة الجيش ليس لها شعبية تذكر، ومع شعبية أبو غزالة الجارفة، فإن قرار عزله من منصبه كوزير للدفاع، لم يكلف "أمين نمر" أمين المخابرات العامة، سوى أن يهدده في القصر الجمهوري بالاعتقال، بعد ساعة من الحوار العقيم، ليرتج عليه، ويوافق، ويدخل على مبارك الذي كان يجلس في الحجرة المجاورة، في انتظار إقناعه، ليحلف اليمين لمنصب لا قيمة له، وهو منصب مساعد رئيس الجمهورية. فهل كان بإمكان "نمر" بالفعل اعتقاله رغم شعبيته داخل الجيش؟!.

المهم هنا، أن المشير بكل قيمته التاريخية كواحد من الضباط الأحرار، وكرجل له شعبية طاغية داخل الجيش وخارجه، قد خضع بعد جدل، لأنه يعلم أن السلطة التي في يد صاحب القرار باطشة. والأهم هنا أنه بعد هذا الموقف من "أمين نمر"، فقد عين سفيراً على ما أعتقد، وأخرج من جهاز المخابرات العامة، تماماً كما فعل السادات عندما عزل المشير محمد عبد الجمسي من منصب وزير الحربية، بعد تدخل الجيش وإحباط انتفاضة الخبز في سنة 1977، التي كادت تدفع الرئيس للهروب للسودان. وهو ما فعله عبد الفتاح السيسي بإقالته لوزير الداخلية محمد إبراهيم، فليس من تقاليد الحكم في دول العالم الثالث الإبقاء على من قدموا خدمات جليلة للرؤساء، أو من يظنون أنهم شركاء لهم في الحكم، ولو كان هذا الإحساس يمكن أن يتولد مستقبلاً!.

وتأتي إقالة أبو غزالة نفسه، تنفيذاً لهذه القواعد المتوارثة، حتى إن كان قد صبر على أبو غزالة بضع سنين، وهو الذي آثر مبارك على نفسه عقب اغتيال السادات عندما سئل عما إذا كانت له رغبة في خلافته، فقال على الأعراف الدستورية أن تأخذ مجراها، فالنائب هو الذي يحل محل الرئيس!.

بحسب هذه القواعد، فقد كان على الرئيس محمد مرسي أن يتعامل مع عبد الفتاح السيسي على أنه وزير تصريف أعمال، لكن غلبت فكرة "الإخوة في الله" على أدائه، فاستدعي قيم إدارة التنظيم الديني في إدارة شؤون الدولة، وهو لخضوع عبد الفتاح السيسي له أكثر مما ينبغي، فقد تعامل مع اختياره على أنه استراتيجي وليس تكتيكياً لتجاوز أزمة محتملة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة!.

البعض تعامل بسلامة نية وحسن طوية، عندما رأى صورة الحارس الذي كان لا يفارق الرئيس محمد مرسي منذ اليوم الأول لتوليه مهام منصبه، وقد صار يقوم بنفس الدور في حماية الوفود المشاركة في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، وهتفوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "امسك خيانة". فكانوا في ثورتهم يثيرون الشفقة، أكثر من إثارة الغضب، فما هي قيمة هذا الشخص إلا أنه مجرد "فرد حراسة"، كلف بحماية الرئيس في ظل حكم المجلس العسكري، وكان الخطأ في استمراره، بل وفي استمرار الحرس الجمهوري كما هو، ورئيسه من اختيار عبد الفتاح السيسي نفسه، وسلطة رئيس الدولة في الاختيار والتشكيل هنا لا يحدها حد!.

لقد كان طبيعياً هنا، أن يتخلى قائد الحرس الجمهوري عن شرفه العسكري ويسلم الرئيس محمد مرسي للجيش بسهولة عقب الانقلاب العسكري عليه، وفي عملية اختطافه المعروفة. وهناك من يتصرف على أنه ما باليد حلية، وكما لو كان الحرس الجمهوري هو سلاح ضمن أسلحة الجيش يخضع لسلطات وزير الدفاع، وهذا ليس صحيحاً.

لقد كان وزير الحربية في عهد الرئيس السادات الفريق محمد فوزي، من الذين شاركوا في مؤامرة استهدفت اعتقال الرئيس، وإجباره على التنحي، وقد مكنوا السادات منهم بتقديم استقالاتهم، لإحداث فراغ دستوري، ففقدوا بالتالي سلطاتهم وقبل الرئيس الاستقالة واعتقلهم!.

قبل وفاته، وكان أحد قيادات الحزب الناصري، قال الفريق فوزي إننا أخطأنا عندما لم ننتبه إلي جيش آخر يخضع لرئيس الجمهورية، وليس لوزير الدفاع، وكان سيمنعنا من تنفيذ الخطة إن أقدمنا على تنفيذها، وهو "الحرس الجمهوري"!.

كان لدى رئيس الديوان السفير رفاعي الطهطاوي اقتراح بتغيير قائد الحرس، ليكون القائد الجديد من اختيار الرئيس، والذي لم يجد ضرورة لذلك، فالحالي يصلي معهم "الفرض بفرضه". وعلى ذكر الطهطاوي، فقد كان في أيام مرسي الأخيرة مهمشاً من قبل طاقم الرئاسة، لأنه من اختيار الرئيس وحده، وليس من "الأسرة"، لكنه لحظة اعتقال الرئيس، تفجرت شجاعته بما يليق بكونه "صعيديا أصيلا"!..

قالوا له نعلم أنك لست من الإخوان، فتستطيع أن تغادر!.

فرد عليهم: لست أنا هذا الشخص الذي يدخل مع الرئيس القصر ولا يصطحبه للسجن. فاختطف معه، وقرروا أن يدفع ثمن رجولته، في زمن المخنثين، ووضع ضمن قائمة المتهمين في أحداث الاتحادية!.

طاقم الرئاسة من غير الطهطاوي وجهوا له الاتهام باستدعاء الإخوان لإجلاء من حاصروا القصر الجمهوري، فما هو الاتهام الذي يمكن أن يوجه لرجل ليس من الإخوان؟!

إن صلاحياته الوظيفية لا يمكن أن تبتعد عن كل ما هو رسمي، فهل أمر قائد الحرس الجمهوري بشيء، وهل فعل قائد الحرس شيئاً ليحاسب عليه، أم إنه قصر في أداء وظيفته، في حراسة القصر، وتم الإبقاء عليه لأنه لم يُكلف بمهمة التصدي، ولم يستخدم هو صلاحياته للقيام بمهام منصبه، ومع هذا تم الإبقاء عليه لأنه مثل السيسي يصلي "الفرض بفرضه"؟.

ما علينا، وحتى لا يضيع القصد وراء السرد!.

فقد كنت قد عارضت فكرة ترشيح الرئيس محمد مرسي رئيساً، وكتبت أكثر من مرة أنه "امرؤ فيه ضعف"، والتحديات التي تواجه الثورة لا يصلح للتصدي لها رئيس ضعيف.

وعندما تجلت لي قدرته على اتخاذ قرار صعب بعزل ورثة مبارك "طنطاوي وعنان"؛ كتبت مؤيداً وكان مقالي بمناسبة المئة يوم على توليه الرئاسة: "نصف نجاح.. ونصف فشل.. ولو لم يكن له سوى إسقاط حكم العسكر لكفاه".

وعزّ على خصوم الحكم الجديد، أن ينسب له إنجاز كبير كهذا، ودارت الدعاية المضادة لتكرس فكرة أن القرار لم يكن قرار مرسي، فطنطاوي وصاحبه رفضا أن يعملا تحت رئاسته وقد استقالا اعتزازاً بشرفهما العسكري، "الذي لم يتأذّ وهما يقفان خضوعاً في حضرة جمال مبارك".

وقالت الدعاية أيضاً إن طنطاوي هو من فرض عليه السيسي!.

وفي المقابل، تلبست الإخوان حالة تواضع الأقوياء، فلا رد، ولا معلومات تسرب عبر صحفي ليس محسوباً عليهم كما كانت تفعل المؤسسة العسكرية لتأكيد العكس، وللترويج لأكذوبة أن الجيش هو من حمى الثورة وأن طنطاوي أمر من قبل مبارك أن يضرب "ميدان التحرير" فأبى واستعصم!.

وتركوا السيسي يطلق على نفق اسم "المشير طنطاوي" وهو الذي طالبت الثورة بإسقاط حكمه، وكان هذا أحد الأدلة التي سيقت لتأكيد أن الرجل استقال بمحض إرادته وحتى لا يكتب في تاريخه العسكري "المجيد" أنه عمل تحت رئاسة "الفلاح" محمد مرسي!.

ثم قدم الإخوان دليلاً آخراً عندما أقالوا "جمال عبد الرحيم" من رئاسة تحرير جريدة "الجمهورية"، بعد نشر خبر عن قرار سيصدر بمنع طنطاوي وعنان من السفر من قبل النائب العام بعد بلاغات قدمت ضدهما!.

قرار الإقالة كان جاهزاً، بسبب رفض "عبد الرحيم" تدخل عضو في مجلس الشورى من الإخوان في تفاصيل عمله، وبشكل غير مسبوق بأن يطلب منه نقل محرر من قسم إلى قسم، ورفع جزاء وقع على محرر بسبب تقصيره في عمله، ولا يوجد رئيس تحرير يمتلك الحد الأدنى لاحترامه لنفسه يقبل هذه التدخلات الصغيرة في شؤون عمله!.

ولأن "جمال عبد الرحيم" في ردوده حدة، فقد تم التعامل معه على أنه تجاوز  في حق مقام رؤسائه باعتبار أن مجلس الشورى هو مالك للصحف القومية. وهي ملكية صورية على الورق، وهو إن قرر ممارستها فلن يكون هذا في التدخل بنقل محرر من قسم لقسم، وفي رفع جزاء بخصم يوم من راتب آخر. هذا فضلاً عن أن "جمال عبد الرحيم" اعترض على تشكيل هيئة المجلس الأعلى للصحافة وتوزيع المناصب ونشر التشكيل في موقع "اليوم السابع" بدون علمه كممثل لمؤسسة صحفية كبرى، وبدون أن يكون له نصيب في هذه المواقع الموزعة، وقبل عقد الاجتماع الأول مع أن الأصل في المناصب أنها بالانتخاب!.

ولأني كنت من اللجنة التي حاولت الوقوف على أسباب الأزمة ومحاولة حلها، فقد كان الرد: أن هذا قرار الجيش الذي لا نملك حياله أمراً!.

وكنت أعلم أن ما يقال ليس صحيحاً، واستخدم عزل "عبد الرحيم" لنفي أن يكون مرسي هو من عزل طنطاوي وعنان، الذي أقيل بسببهم رئيس تحرير وهم في التقاعد!.

وفي حكم الجيش، بعد الانقلاب العسكري، تم تنفيذ حكم قضائي لصالح جمال عبد الرحيم يقضي بعودته، ولم يتم تنفيذه في عهد مرسي بحجة أن الجيش سيرفض، ولا أعرف لماذا لم يُطلب من قيادة الجيش الضغط على المحكمة لمنعها من صدور الحكم بعودته لرئاسة التحرير!

لقد جرى تبديد أشجع قرار للرئيس مرسي في ادعاء فارغ للتواضع، وفي الاستغلال السيئ لقرار صدر تنفيذا لرغبات خاصة لصغار منحوا مواقع كبرى كرئيس مجلس الشورى "أحمد فهمي" وصاحبه الذي ظن أن ملكية الصحف القومية آلت إليه هو شخصياً، فمن حقه أن يتصرف فيها تصرف المالك في ما يملك.

وها هو عبد الفتاح السيسي يضع الأمور في نصابها؛ فقد اعترف بأن من عينه هو مرسي لاعتقاده بأنه مسلم متدين!.

ولست مشغولاً بعد ذلك بالخديعة إن كانت في كونه "مسلمًا" أم في الاعتقاد بأنه "متدين"، فهذا مما يشغل أهل الصلاح والتُقى.

[email protected]
التعليقات (5)
نامر صابر
الإثنين، 16-03-2015 10:08 ص
كما انت يا استاذ عزوز داءما واضح وصريح احترم رايك كثيرا
mosaad mandour
الأحد، 15-03-2015 07:16 م
مقال رائع جدا....وان كنت اختلف مع الاستاذ سليم عزوز في قوله..ان الرئيس مرسي استدعي قيم ادارة التنظيم الديني في ادارة شئون الدولة....فما العيب في ذلك...انظر اليها من الزاوية الاخري(ان السيسي خائن) سواء استدعي الرئيس ام لم يستدع
ممدوح على
الأحد، 15-03-2015 04:27 م
المقال جيد، لكن فيه غبن كبير على الإخوان وعلى الرئيس البطل مرسي
سيد لاشين
الأحد، 15-03-2015 02:05 م
تحليل مبهر وانا من المعجبين جدا بمقالاتك