صحافة دولية

مخاوف على مستقبل بريطانيا بعد فوز المحافظين وصعود القوميين

الصحافة البريطانية رأت أنه كان لتجاهل الإعلام رسالة حزب العمال دور في تحديد اتجاهات الناخبين - أ ف ب
الصحافة البريطانية رأت أنه كان لتجاهل الإعلام رسالة حزب العمال دور في تحديد اتجاهات الناخبين - أ ف ب
دخلت بريطانيا إلى انتخابات 7 أيار/ مايو 2015 دولة موحدة، وانتهت يوم الجمعة 8 أيار/ مايو 2015 بدولتين منفصلتين، فقد عاد المطالبون بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي وشحذوا سكاكينهم، وخبأوها في الخزانة استعدادا للمعركة القادمة، وخرج حزب العمال من قاعدته التقليدية في أسكتلندا، حيث أصبح لون الحزب القومي الأسكتلندي الأصفر يظلل أسكتلندا، التي فشلت في استفتاء 2014 في الحصول على الاستقلال.

وكان واضحا الإنجاز الذي حققته الوزيرة الأولى لأسكتلندا نيكولا ستورجن، حيث وسعت سيطرة الحزب من ستة مقاعد في عام 2010، إلى 56 مقعدا. وكان واضحا هذا في كلام السكرتير السابق أليكس سالموند، الذي عاد إلى البرلمان، وفاز بمقعد عمالي كان يحتله رئيس الوزراء السابق غوردون براون، وهكذا يكون "الأسد الأسكتلندي قد هدر" هذا الصباح.

وقد استخدم سياسيون ملك الغابة في خطاباتهم، التي ترواحت بين التحدي والنقد. فجورج غالوي، الذي خسر مقعدا في برادفورد لصالح حزب العمال، لم يمنعه هذا للتأسف على ما جرى لحزب العمال، الذي تكبد خسارة فادحة هي الأولى له منذ 30 عاما، ولم يحصل إلا على 232 مقعدا، رغم توقعات استطلاعات الرأي بفوز زعيمه إد ميليباند برئاسة الوزراء. وقال غالوي: "يرقص ابن آوى على قبر الأسد، لكنني لم أمت، وفي الحقيقة أنا ذاهب لبدء حملتي الانتخابية القادمة". 

لعبة الخوف

ورغم إطاحة الانتخابات برؤوس ثلاثة أحزاب، العمال وزعيم الليبيراليين نيك كليغ ورئيس حزب الاستقلال الذي لم يكن واضحا وترك الباب مفتوحا لعودته، فإن الانتخابات كشفت عن دور الخوف الذي مارسته الحكومة الفائزة وتحذيرها للمواطن البريطاني، ما أطلقت عليه الصحافة "إد الأحمر"؛ نظرا لأن والده كان يساريا ويعبر عن مواقف تمثل يسار الوسط. وكان عنوان "ديلي ميل" ليوم السبت: "كان هذا نصركم: كيف انتفضت الطبقة المتوسطة ومنعت وصول إد الأحمر"، فيما اختارت صحيفة "التايمز" عنوان "النصر الأحلى"، وهو ما وصف فيه زعيم المحافظين ديفيد كاميرون نصره. ورأت صحيفة "ديلي تلغراف" أن "جاذبية كاميرون للمحافظة الهادئة هي التي انتصرت"، ولم يغب الانقسام الذي نجم عن معركة الانتخابات عن صحيفة "إندبندنت"، التي وصفت بريطانيا بأنها "غير الموحدة". 

ولا ريب أن معركة الانتخابات كانت شرسة، وتعاونت فيها قوى اليمين في إنجلترا والقوى القومية في أسكتلندا لإجهاض حلم حزب العمال بالوصول إلى 10 دوانينيغ ستريت. وكان هذا واضحا في خطاب هزيمة زعيم حزب العمال في إسكتلندا جيم ميرفي، الذي قال إن حزبه واجه "خطابا قوميا من أسكتلندا وآخر من إنجلترا ممثلا بحزب المحافظين وحزب الاستقلال. فقد تم تهييج الرأي العام وتحذيره من خراب بريطانيا إن فاز حزب العمال وتحالف مع القوميين الأسكتلنديين. 

صحافة اليمين

وقد أدت الصحافة اليمينية دورا مهما، خاصة صحيفة روبرت ميردوخ "صن". ويشير بحث قامت به "مؤسسة المعايير الإعلامية" إلى أن نسبة 95% من افتتاحيات الصحف الشعبية التابعة لميردوخ كانت معادية لحزب العمال قبل انتخابات الخميس، مقارنة بنسبة 79% أثناء انتخابات عام 1992، وقد أدت مواقف "صن" إلى حرف الدعم عن حزب العمال بقيادة نيل كينوك في حينه. 

وفي السياق ذاته، حذرت الصحيفة اليمينية الأخرى "ديلي ميل" القراء من أن يسمحوا "للمتحمسين للحرب" من تدمير بريطانيا. أما "ديلي تلغراف" فقد حذرت من "كابوس فوق داونينيغ ستريت"، حيث ظهرت فوقه نيكولا ستورجن. 

وبحسب ما رصدته "عربي21" من مواقف الصحف البريطانية إزاء الانتخابات بما فيها الصحف المجانية "مترو" و"إيفننغ ستاندرد"، فقد حصل المحافظون على دعم بنسبة 57.5% مقابل 11.7% للعمال، وحصل حزب الاستقلال على دعم نسبته 4.9%، أما استمرار التحالف بين المحافظين والليبراليين فقد حصل على دعم 1.4%، وهو ما دعمته صحيفة  "إندبندنت". 

وسائل التواصل 

أمر مردوخ شخصيا "الصن" بشن حملة ضد إد ميليباند، حيث أخبر محرري الصحيفة أن مستقبل مجموعته "نيوز كورب" يعتمد على نتائج الانتخابات، وقال لهم إن العمال سيشرعون قوانين قد تحد من قوة الشركات الكبيرة. 

ويقول أحد مسؤولي الحزب السابقين أليستر كامبل: "هذه المرة كان ميليباند موضوعا للشيطنة يجعل من الحملة على كينوك تبدو لا شيء". وكان حزب العمال قادرا على تحقيق النصر دون "التقرب أو الحاجة إلى اليمين غير البريطاني، الذي لا يبحث إلا عن مصالحه". وأثارت حملة الصحافة هذه حالة "هستيريا" بين مستخدمي "تويتر"، حيث كتب بعضهم يرد على ميردوخ قائلا: "لن يكون بإمكانك القول لنا ما سنفعله، سيد ميردوخ".

ودعت صحيفة "ديلي ميل" القراء إلى التصويت بطريقة تكتيكية، وبدا واضحا كيف استطاع المحافظون، بدعم من حزب الاستقلال، الإطاحة بإد بولز، الذي كان يحضر نفسه ليصبح وزيرا للخزانة في الحكومة الجديدة، ولكنه خسر. 

ويرى الباحث في مدرسة الإعلام والدراسات الثقافية في جامعة كارديف ستيفن كاشون أنه "بوجود عدد كبير من الناخبين الذين لم يقرروا لمن يصوتوا حتى آخر لحظة، ربما نجحت عملية (اغتيال شخصية) إد ميليباند في التاثير على الناس، الذين كانوا سيصوتون للعمال". 

لكن تأثير الصحافة على الناخبين من الصعب تحديده، والمهم هو أن رسالة العمال حول إصلاح نظام الصحة ووقف سياسة التقشف، قد تجاهلها الإعلام، الذي ركز على التحذير من خطر الحزب القومي الأسكتلندي. وبهذه الطريقة قد يكون لتجاهل الإعلام لرسالة حزب العمال دور في تحديد اتجاهات الناخبين. 

ويقول كاشون إن "المحافظين كسبوا الانتخابات بسبب تركيزهم على الاقتصاد، وهو الموضوع الذي كان الأبرز في الأخبار. وفي المقابل كان موضوع الصحة الوطنية كفيلا بفوز حزب العمال، إلا أنه لم يظهر كثيرا في الأخبار".

ولا يمكن إلقاء اللوم على الإعلام بسبب فشل حزب العمال، فوسائل التواصل الاجتماعي هي أقوى من الصحافة، ولكن كلاهما لا يمكن أن يحدد فشل الحزب هذا أو ذاك، ولكن لماذا فشل حزب العمال؟ 

غياب الاستراتيجية

ترى صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها أن هناك "فشلا في الاستراتيجية والتوجه السياسي". وتعترف الصحيفة بالهزيمة النكراء التي تكبدها الحزب وصعوبة التعافي منها بسهولة،  فقد أصبح الحزب مثل بقية أحزاب يسار الوسط يسبح ضد تيار "اللاوحدة واللاتصنيع والاستهلاكية"، وتضاف للحزب مشكلة أخرى، وهي تيار الانفصال القومي. 

وتتفهم الصحيفة قرار ميليباند الاستقالة سريعا بسبب الهجوم الإعلامي ضده، ولاستنتاجه أن الاستراتيجية التي طورها خلال السنوات الخمس الماضية لم تنجح. 

وتعتقد "الغارديان" أن سبب فشل ميليباند بدا واضحا من الهجوم عليه في ليدز، "ساعة السؤال" (بي بي سي)، الذي حمل فيه ميليباند مسؤولية أخطاء حزبه في الماضي. وتجد أن ميليباند حدد بنجاح مشكلات البلد، وضرورة الحديث للجميع، وكان يفهم ما فعله المحافظون، لكنه لم يكن قادرا على الكلام بشكل واضح أو التعبير عنه ونقله للجميع.

كاميرون

في المقابل ترى صحيفة "ديلي تلغراف" أن ما حققه ديفيد كاميرون يعد نصرا مدهشا، وأكبر من نصر عام 1992، وهي آخر مرة ينتصر فيها المحافظون. 

وتقول الصحيفة إن كاميرون كان محقا لوصف انتصاره "بالأحلى"، فحكومته هي الأولى التي تزيد حصتها في الأصوات منذ عام 1966، والأولى منذ عام 1981 التي تزيد مقاعدها بمقدار 33 مقعدا، ومعظمها من الليبراليين الديمقراطيين. 

وترى "التلغراف" أن انتصار كاميرون هو تأكيد لرسالته التي ظل يؤكد عليها طوال الحملة الانتخابية، وهي القيادة والاقتصاد. وتشير إلى أن مراكز الاستطلاعات أخطأت، كما في عام 1992؛ لأنها أساءت تقدير ما أسمته "الأصوات المخفية" للمحافظين. 

وانتقدت الصحيفة طريقة إدارة الاستطلاعات التي تنبأت بطريقة صحيحة بانهيار الليبراليين الديمقراطيين التي أخذها حزب الاستقلال. وأخطأت الاستطلاعات في التبنؤ بقدرة حزب الاستقلال، الذي لم يحصل إلا على مقعد واحد. وفي المقابل كانوا محقين حول إنجاز الحزب الأسكتلندي. وكانوا مخطئين حول المحافظين، والسبب كما تقول الصحيفة هو ميلهم نحو يسار الوسط. 

وترى الصحيفة أن الجميع لم يفهم سلاح المحافظين، وهم أبناء المقاطعات الانتخابية الذين يشكلون الغالبية، أي الطبقة المتوسطة من المحافظين الذين أطلقت عليهم مارغريت تاتشر "الناس العقلانيين في بريطانيا وصوتهم يقوى في كل جيل، ولكن برسالة هادئة ومصممة". وقد سمع صوتهم يوم الخميس، "فهم لم يعلنوا عن توجههم، ولكنهم عزموا على التصويت للمحافظين".

وتجد "التلغراف" أن سبب عدم إعلانهم هو خوفهم من النقد الذي ستوجهه جماعة اليسار لهم. وتعتقد أن التصويت لميليباند كان يعني رفض كل ما تم تحقيقه في بريطانيا منذ عام 1979. مضيفة أن رسالة المحافظين البسيطة، وهي أن الاقتصاد في طريقه للتعافي، أقنعت الناس. وكانت وراء تفكير الناس فيمن يجب الثقة به، والجواب كان بالتأكيد ليس حزب العمال. وترى أنه بعد الحملة الانتخابية المجهدة يجب أن يبدأ العمل. 

وترى صحيفة "التايمز" في افتتاحيتها بعد "الهزة الأرضية" أن مشكلات عام 2010 لا تقارن بمشكلات الوقت الحالي. فهي ترى أن القوى التي وقفت وراء الاضطراب السياسي في بريطانيا لم تذهب، وهي حزب الاستقلال والقوميون الأسكتلنديون، وهما التحديان الكبيران للبلاد، أما التحدي الثالث فهو العلاقة مع أوروبا. 

وتدعو الصحيفة كاميرون إلى إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول علاقة بريطانيا مع بروكسل. وسيواجه كاميرون مئة من النواب المعارضين للوحدة، وسيؤثرون على كل خطوة من خطواته. وبعد فوز كاميرون بالغالبية والنقاش حول الوحدة مع أوروبا في بريطانيا، فيمكنه السفر إلى بروكسل ليتفاوض معها حول مطالب بريطانيا بإدارة قوانينها بنفسها.

وتشير افتتاحية "التايمز" إلى حلم وينستون تشرتشل بولايات متحدة أوروبية، ولكن بشرط ألا تقوم على دول ذات سيادة عاجزة، ولكن تكون تحالفا لدول تتشارك بالقيم الأساسية.

وتجد أنه يجب على كاميرون أن يظهر تشرتشل الذي في داخله. وفي الوقت الذي واجه في الفترة الأولى مشكلات تراجع فيها الدور البريطاني، ومشكلات الشرق الأوسط وأزمة جزيرة القرم، فإن الفترة الثانية سيحكم فيها كاميرون بغالبية، حتى ولو كانت قليلة، فقد زال الخطر، ومن هنا سيبدأ العمل الجاد الآن.

مملكة غير متحدة

ووفقا لما اطلعت عليه "عربي21" في صحيفة "إندبندنت"، فإن انتخابات 2015 تعد لحظة مهمة، وستحدد فيما إن بقيت بريطانيا دولة موحدة وأمة يمكن أن تنظر لعلاقة قريبة مع أوروبا.

وتقارن الصحيفة بين ظهور القومية الإيرلندية في القرن الماضي قبل أن تحتويها بريطانيا، من خلال النظام الانتخابي. ومن هنا فإن عودة المشاعر القومية في عالم متغير بشكل دائم ليس في مصلحة البلاد القومية.

وتحدد الصحيفة تحديات البلاد بصعود القوميين الأسكتلنديين وحزب الاستقلال البريطاني. ورغم حصول المحافظين على تفويض، وإن كان ضعيفا، ويمكنهم بدء الإصلاح، فإن الكثيرين يخشون من زيادة عدم المساواة وغياب الفرص، وتقويض المجتمع المهشم. 

وترى "إندبندنت" أن كارثة نزلت على إد ميليباند، ولا أحد يعرف ماذا سيفعل المحافظون لتماسك البلد. فبعد خمس سنوات من التقشف لم تتغير حياة الكثير من العائلات، فيما أصبح وضع الصحة الوطنية في خطر. وهنا ترى الصحيفة أن على الزعيم الجديد للعمال التحدث مع العائلات الإنجليزية التي صوتت لصالح المحافظين. وتعتقد أن مهمة زعيم حزب العمال ستكون كبيرة، وتحتاج إلى زعيم عملاق، وتتساءل: هل هو متوفر؟

ولا تستبعد الصحيفة تعاونا بين المحافظين والأسكتلنديين من أجل أن يقتلهم باللين، وهو ما سيترك أثره على وحدة البلاد، وهو ما يجعل انتصار المحافظين فارغا.
التعليقات (0)