صحافة دولية

مهدي حسن: لماذا لا يحتاج الإسلام إلى إصلاح؟

الغارديان: الدعوات إلى إصلاح الإسلام تنم عن جهل أصحابها بالإسلام وبالتاريخ - أرشيفية
الغارديان: الدعوات إلى إصلاح الإسلام تنم عن جهل أصحابها بالإسلام وبالتاريخ - أرشيفية
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب الصحافي مهدي حسن، ينتقد فيه الدعوات المتزايدة لإصلاح الإسلام بطريقة مشابهة لما فعله مارتن لوثر للمسيحية، معلقا بأن تلك الدعوات تنم عن جهل أصحابها بالإسلام وبالتاريخ.

ويقول حسن في مقاله، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إنه في الأشهر القليلة الماضية تزايدت الدعوات لإصلاح الإسلام، فظهر في "نيوزويك" مثلا العنوان "نحتاج إلى إصلاحات إسلامية"، وقال موقع "هافنغتون بوست": "الإسلام يحتاج إلى إصلاح من الداخل". 

وتشير الصحيفة إلى أنه بعد أحداث كانون الثاني/ يناير في باريس، اتفقت صحيفة "فايننشال تايمز" مع من يشبهون السيسي بمارتن لوثر العرب. ويرى الكاتب أن هذا الأمر قد يكون صعبا شيئا ما، فبحسب "هيومان رايتس ووتش"، فقد وافق السيسي على "هجمات قاتلة مخطط لها" ضد متظاهرين عزل في الأغلب، وقد ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية". 

ويتابع حسن بأن هناك المؤلفة أعيان حرسي علي، صومالية المولد التي صدر لها كتاب جديد بعنوان: "هرطقة: لماذا يحتاج الإسلام الإصلاح الآن؟"، وظهرت على شاشات التلفزيون وفي مقالات الصحف تدعو المسلمين الليبراليين والمحافظين إلى التخلي عن بعض معتقداتهم الجوهرية، والتوحد خلف لوثر مسلم. أما أن يستجيب المسلمون لامرأة وصفت دينهم بأنه "مدمر وطائفة موت عبثية" يجب "تحطيمها"، كما اقترحت، وأن يمنح نتنياهو جائزة نوبل للسلام، فهذه مسألة أخرى. 

ويبين الكاتب أن هذا الكلام ليس جديدا، فكاتب العمود في "نيويورك تايمز" توماس فريدمان دعا إلى إصلاحات إسلامية عام 2002. ويعيد الأكاديميان الأمريكيان تشارلز كروزر وميشيل براورز هذه الظاهرة إلى بدايات القرن العشرين، مشيرين إلى "حرص الصحافيين المحافظين والأكاديميين الليبراليين للبحث عن لوثر مسلم".

ويورد المقال أنه يظهر من هذا كله أن أي شخص حريص على كسب المعركة ضد التطرف وأن ينقذ الإسلام وينهض بالشرق الأوسط، الذي يعاني من الركود، عليه أن يتبنى عمليه التحول هذه. ويحتجون بأن المسيحية خضعت للإصلاح، وتبعها التنوير والعلمانية والليبرالية والديمقراطية الأوروبية الحديثة. فلماذا لا يستطيع الإسلام فعل الشيء ذاته؟ ولماذا لا يقوم الغرب بمساعدتهم؟

ويستدرك حسن بأن "الحقيقة هي أن الحديث عن إصلاحات للإسلام مشابهة للمسيحية كلام فيه زيغ. فلنتفحص فكرة (لوثر مسلم)، إن لوثر لم يقم فقط بتثبيت 95 فكرة لبوابة كنيسة القلعة في ويتنبيرغ عام 1517 يشجب فيها تجاوزات الكهنة في الكنيسة الكاثوليكية، ولكنه أيضا طالب بسحق الفلاحين الثائرين ضد الإقطاعيين، وشبههم بالكلاب المسعورة، وكتب حول اليهود، وكذبهم في 1543، حيث أشار لليهود بـ (شعب الشيطان)، ودعا إلى تدمير بيوت اليهود ومعابدهم. وأشار عالم الاجتماع وعالم المحرقة  الأمريكي رونالد بيرغر إلى أن لوثر ساعد في إنشاء معاداة السامية (كونها عنصرا أساسيا في الثقافة والهوية الوطنية الألمانية). أي لا يمكن أن يكون لوثر مثالا يحتذى للإصلاح والحداثة عام 2015".

ويجد الكاتب أن الإصلاحات البروتستانتية فتحت الباب أمام سفك الدماء بشكل غير مسبوق على مستوى القارة. ويتساءل: "هل نسينا الحروب الدينية الفرنسية؟ والحرب الأهلية الإنجليزية؟ فقد قتل عشرات الملايين من الأبرياء في أوروبا، ويعتقد أن 40% من الشعب الألماني قد قتل في حرب الثلاثين عاما. فهل هذا ما نريده في العالم الإسلامي، الذي يعاني من الصراعات الطائفية أصلا، ومن الاحتلال الأجنبي والإرث الاستعماري، ليتحمل المزيد باسم الإصلاح والتقدم والليبرالية؟".

ويلفت المقال إلى أن الإسلام لا يشبه المسيحية، فالديانتان ليستا متماثلتين، والتظاهر بغير ذلك، أو محاولة فرض رؤية أوروبية لتاريخ العالم الإسلامي يعكس جهلا واستعلاء. فكل دين له تقاليده ونصوصه، وأتباع كل دين تأثروا بالسياسة الجغرافية والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بطرق مختلفة. والديانتان الإسلام والمسيحية مختلفتان بشكل كبير، فالأول مثلا لم يعتمد يوما ما على طبقة رجال دين، مثل الكاثوليك الذين يأخذون تعليماتهم من البابا المعين إلهيا. فلمن توجه الإصلاحات الإسلامية، وعلى باب من تعلق الـ 95 فتوى؟. 

ويؤكد حسن أن الإسلام حصل فيه إصلاح من نوع ما، فقد تم فيه الفصل بين التراكمات الثقافية عن عملية "التطهير"، ولكنها لم تنتج المدينة الفاضلة المتسامحة متعددة الأديان والثقافات، أو ما يعادل "إسكندنافيا على الفرات"، ولكنها أنتجت المملكة العربية السعودية.

ويتساءل الكاتب: أليس الإصلاح هو ما كان يقدمه محمد بن عبدالوهاب لأهل الحجاز، الذي تحالف مع آل سعود في منتصف القرن الثامن عشر؟، ويجد أن ما قدمه هو الإسلام المتشدد الخالي مما اعتقد أنه بدع، متجنبا قرونا من علوم التيار الرئيسي، ورفض أهلية العلماء التقليديين أو المؤسسات الدينية.

ويفيد المقال، الذي ترجمته "عربي21"، بأن البعض يعتقد أنه إن كان هناك شخص يستحق حمل اسم لوثر المسلم فهو ابن عبدالوهاب، الذي جمع، في رأي ناقديه، بين تزمت لوثر وكراهيته لليهود. ويقول المؤرخ لحياة ابن عبد الوهاب مايكل كروفورد إن موقف ابن عبد الوهاب المثير للجدل "جعله يشجب معظم الإسلام في وقته"، ما جعل عائلته تتبرأ منه وتتهمه بالهرطقة. 

ويقول حسن: "لا أقول إنه لا حاجة للإصلاحات في طول وعرض العالم الإسلامي من إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية أيضا. بل إن المسلمين بحاجة إلى إعادة اكتشاف إرثهم من تعددية وتسامح واحترام متبادل، والمتضمن في رسالة الرسول لرهبان دير سان كاثرين مثلا، أو التعايش في العصور الوسطى في الأندلس".

ويستدرك الكاتب بأن "ما لا يحتاجونه هو تلك الدعوات الكسولة للإصلاح التي يطلقها غير مسلمين أو مسلمون سابقون، والتي لا تعكس سوى سطحية وبساطة، كما تعكس انسلاخا عن التاريخ، بل مخالفة له. ويبد أنه من الأسهل لهم اختزال الجدل المعقد حول العنف والتطرف إلى سلسلة من العبارات المستهلكة والشعارات، بدلا من التحقيق في جذور المشكلة أو التوجهات التاريخية، والأسهل من ذلك تبني أكثر الآراء عنصرية ضد الإسلام، وإهمال أصوات العلماء والأكاديميين والناشطين من التيار الرئيس في الإسلام".

ويذكر المقال أن حرسي علي، على سبيل المثال، قد قامت بعدد من المقابلات على التلفاز الأمريكي والصحف من "نيويورك تايمز" إلى "فوكس نيوز"، بل ونقرأ عنوانا صارخا في بوليتيكو "بطل من زماننا". وللأسف لم يكن غير الكوميدي جون ستيوارت على "ديلي شو" هو الوحيد الذي تساءل عن بطل حرسي علي المنشود ليحقق "مسيحية أنقى"، ويساعد في خلق "مئة عام من العنف والدمار".

ويختم حسن مقاله بالقول: "عذرا من لوثر، فإن كان هناك أحد يريد فعل الشيء ذاته للإسلام اليوم فسيكون زعيم تنظيم الدولة أبا بكر البغدادي، الذي يدعي أن الاغتصاب والنهب باسم "شكل أنقى" للإسلام، وهو بالمناسبة ليس صديقا لليهود.
التعليقات (1)
أشرف موسى
الثلاثاء، 19-05-2015 01:44 م
نعم ، الإصلاح الإسلامي يجب أن يكون مبنيا على قواعد وأصول الإسلام نفسه ، ولا يكون استنساخ للإصلاح الديني في أوروبا

خبر عاجل