صحافة دولية

كريستيان مونيتور: القمع حوّل معان إلى "فيرغسون" الأردن

كريستيان مونيتور: التغييرات في القيادات الأمنية فتحت بابا للأمل - عربي21
كريستيان مونيتور: التغييرات في القيادات الأمنية فتحت بابا للأمل - عربي21
كتب مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونتيور" الأمريكية تيلور لاك، عن التغييرات الأمنية الأخيرة في الأردن، التي جاءت على خلفية الأحداث في مدينة معان، ومعاملة الأمن للسكان، التي قال إنها تشبه أساليب الشرطة الأمريكية في مدينة فيرغسون، التي شهدت أحداث عنف بين السود والشرطة البيض.

وقابل الكاتب محمود أبو دية، الذي كان يقف على ركام بيته المهدم، وكان بيت العائلة، وكان يتعثر بالأسلاك الحديدية الملتوية ومخازن الرصاص الفارغة، ليتوقف ويختبئ فجأة خلف ستارة معلقة على حبل للغسيل يفصل الركام، وعندما تقدمت سيارة "الشرطة"، حيث كانت تتقدم بهدوء، صرخ قائلا: "لن يتوقفوا حتى يخلصوا علينا".

ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن أبو دية هو واحد من الأردنيين الذين يعانون من وحشية الشرطة، التي أدت إلى ردة فعل غاضبة من السكان، وهو ما قاد إلى استقالة وزير الداخلية المفاجئ مع مدير الأمن العام. 

وتذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء عبد الله النسور قال في بيانه حول الاستقالة إنها جاءت "بسبب غياب التنسيق" بين الأجهزة الأمنية، لكن مصادر في الحكومة قالت إن عمليات القتل الأخير، والإفراط في استخدام القوة كانا وراء الاستقالة.

ويلفت لاك إلى أن الحكومة عينت وزيرا جديدا للداخلية؛ ليقوم بتعيين مديري أمن جديدين. ويضغط المواطنون الأردنيون في الوقت ذاته من أجل أن تكون هناك شفافية في طريقة تعامل القوى الأمنية، ومحاسبة أكبر لعناصرها وطريقة إدارتها.

وتبين الصحيفة أن التوتر يبدو في مدينة معان واضحا وحادا، فهذه المدينة في جنوب البلاد قائمة على البنية القبلية، ولها تاريخ طويل في معارضة النظام. وفي العام الماضي رفع مواطنون في المدينة علم تنظيم الدولة، وهو استفزاز أثار قلق العاصمة عمان.

وينوه التقرير إلى أنه على خلاف الأنظمة القمعية القريبة منه، فقد عرف الأردن بتسامح قوات أمنه وأساليبها التكتيكية. ففي الوقت الذي لاحقت فيه قوات الأمن المتظاهرين المصريين بالهراوات، وقتلت المعارضين في ليبيا، وزعت الشرطة الأردنية الماء على المتظاهرين الداعين إلى الديمقراطية، وذلك في ذروة ثورات الربيع العربي عام 2011. واستطاع الملك عبدالله الثاني نزع فتيل التوتر، من خلال تقديم وعود بالإصلاح، الذي توقف بسبب التركيز على مكافحة الإرهاب.

ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة نظرت إلى الأردن على أنه نموذج في إدارة الأمن ومكافحة الإرهاب، ولهذا استخدم قاعدة من أجل تدريب الشرطة وقوات الأمن من دول أخرى في المنطقة، وخرج المركز الأردني الدولي لتدريب الشرطة منذ عام 2007 أكثر من 73 ألف عنصر شرطة من ليبيا والعراق، وبمساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.

وتنقل الصحيفة عن مراقبين قولهم إنه بين خفوت نجم الربيع العربي وصعود التهديد الإرهابي المتمثل بتنظيم الدولة حدث تحول رئيس في سياسة الأردن الأمنية لدرجة أصبح فيها اللجوء إلى استخدام القوة الخطوة الأولى لا الملاذ الأخير.

وتتابع "كريستيان مونيتور" بأنه منذ عام 2013، قتل تسعة أشخاص أثناء مداهمات قامت بها الشرطة، أو أثناء احتجازهم، ثمانية من هؤلاء كانوا من مدينة معان. وبحسب التقارير الإعلامية؛ فإن العدد الإجمالي للقتلى منذ عام 2013 يفوق الرقم المسجل خلال الثماني سنوات الماضية. 

وينقل التقرير عن المحلل السياسي في صحيفة "الدستور" الأردنية، ماهر أبو طير، قوله: "أثناء الربيع العربي تبنت القوات الأمنية سياسة (عدم التدخل)، وسمحت للمواطنين بالتجمع والتظاهر".
 
ويضيف أبو طير للصحيفة: "وشكلت بداية النزاع في سوريا وصعود تنظيم الدولة حقبة جديدة في السياسة الأردنية، فالأمن يتقدم مهما كان الثمن".

ويجد لاك أن السياسة الأمنية الأردنية قد تعرضت لامتحان في 2 أيار/ مايو، عندما توفي عبدالله الزعبي (19 عاما)، ابن عشيرة قوية في الشمال أثناء احتجازه لشبهة حيازته مخدرات. وزعمت الشرطة في البداية أن الزعبي مات عندما حاول القفز من الطابق الثالث لمركز الشرطة في إربد، حيث حاول الهروب من المحققين.

وتستدرك الصحيفة بأن التشريح الشرعي وصورا نشرتها عائلته، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت أن الزعبي توفي متأثرا بالضرب الذي قيل إن الشرطة مارسته عليه. وبعد أسبوعين من وفاته قدم وزير الداخلية حسين المجالي ومدير الأمن العام توفيق الطوالبة استقالتهما. 

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه لا توجد صورة تظهر انعدام الثقة بين المواطنين والشرطة أكثر مما هي في معان، التي يطلق عليها بعض المواطنين "فيرغسون الأردن"، فخلال العامين الماضين شنت قوات الأمن والدرك حملات قمعية في المحاقظة، حيث حاولت القبض على 19 شخصا مطلوبا في جرائم تتراوح من سرقة وشيكات مزيفة ممن كانوا يتمتعون بحماية القبائل.

وتذكر الصحيفة أن أساليب الحكومة اتسمت بالقسوة، فخلال العامين الماضيين داهمت الشرطة أكثر من عشرين بيتا، وقتلت ستة من المطلوبين واثنين من أقاربهم، ولكن في حملة 14 أيار/ مايو، لجأت الشرطة إلى استراتيجية جديدة وهي هدم البيوت.

ويشير الكاتب إلى أنه قبل طلوع الفجر بفترة قصيرة، استدعت الشرطة سليمان أبو دية متهمة إياه بإيواء اثنين من أقاربه المطلوبين بتهمة حرق سيارة تابعة للمخابرات في عام 2013. وتم حرق السيارة انتقاما لإطلاق الشرطة النار على الشقيقين عام 2013، ولكن أبو دية نفى التهمة، وبعدها بدأت عملية الهدم، بحسب أبو دية.

ويوضح التقرير أنه في الوقت الذي داهمت فيه قوات الشرطة والدرك بيت العائلة، وبدأت بإطلاق النار عليه، ردت عائلة أبو دية بطريقة أصبحت معروفة في معان، وهي "أيدينا مرفوعة لا تطلق النار"، في إشارة إلى شعار سكان فيرغسون، بحسب غزوة أبو دية.

وتنقل الصحيفة عن رئيس بلدية معان المنتخب ماجد الشراري، قوله: "تحطمت الثقة بين الناس وقوات الأمن بشكل كامل، ويمكن أن تقول إننا أصبحنا فيرغسون الأردن".

ويتطرق لاك إلى أن الناشطين والمواطنين يشكون من غياب المحاسبة والعقاب للشرطة، وتحيل النيابة العامة ضباط الشرطة إلى محكمة أمن داخلية، تتشكل من قضاة جاءوا من داخل الشرطة، وعينهم مدير الشرطة نفسه، وتتم مراجعة كل حالة بعيدا عن الرأي العام، ولا يتم الكشف عن أسماء المتهمين، وهو إجراء تقول الشرطة إنه لحماية رجال الشرطة من الهجمات، وفي بعض الحالات يتم إبلاغ عائلات الضحايا بنتائج هذه المحاكم الداخلية. 

وينوه التقرير إلى أن الشرطة رفضت الكشف عن عدد الحالات المقدمة للمحكمة، ولا طبيعة الأحكام التي صدرت. وبحسب تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش"؛ فإن الأحكام الصادرة ضد عناصر في الشرطة تتراوح ما بين عامين ونصف، وغرامة تقدر قيمتها بـ 180 دولارا أمريكيا.

وتورد الصحيفة قول ممثل "هيومان رايتس ووتش" في الأردن، آدم غوغل: "لو كنت رجل شرطة في الأردن فإنك تعرف أنه لا توجد تداعيات لأي اعتراف تقدمه، فهناك ضغوط للحصول على اعترافات سريعة، أو ما يظهر بأنه حصانة كاملة، وهذا يعد وصفة للانتهاك وهذا ما يريده النظام".

ويرى الكاتب أن التغييرات في القيادات الأمنية فتحت بابا للأمل، فبعد ساعات من استقالة المسؤولين الأمنيين، وزع سكان معان الحلويات على الجيران، وأطلقوا العيارات النارية في الهواء احتفالا.  

وتختم "كريستيان ساينس مونتيور" تقريرها بالإشارة إلى أن وزير الداخلية الجديد سلامة حماد، يرتبط بعلاقات قوية مع القبائل في الجنوب، وتعهد بالاستجابة لمطالب المواطنين"، كما زار وفد من القصر الملكي معان الأسبوع الماضي، وهو ما طمأن السكان، ويجب على الشرطة أن تصحح علاقاتها مع المواطنين، فإن غضب هؤلاء قد يصل إلى نقطة الغليان، ويقول أبو دية: "لا يبقى أحد صامتا على اضطهاد الشرطة، لا في أمريكا ولا في الأردن".
التعليقات (0)