وجه وزير الخارجية
الإيراني محمد جواد
ظريف، دعوة للدول العربية من أجل "إقامة
تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم"، داعيا إلى عدم "الانشغال بمجادلات مذهبية وخلافات شخصية، وأن نقدم بشجاعة وبصيرة على مثل هذا التعاون الحيوي لمعالجة جذور الأزمات في منطقتنا، وألا نعقد الآمال على أن يحل مشاكلنا من كان لهم الدور الأساسي في خلقها".
دعوة ظريف هذه، جاءت عبر
مقال صحفي كتبه على صفحات صحيفة الشروق المصرية، قال فيه: "في تقاليدنا العريقة وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معا) توصية حكيمة تقول: الجار قبل الدار، وهي توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلت إلينا عبر القرون، وباتت ضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر؛ إن الرفاه والأمن يتحققان فقط في البيئة التي يمكن أن تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين".
ولفت ظريف في مقاله الذي نشر الأحد إلى أن "أولى أولويات إيران منذ البداية، هي أنها تنشد علاقات طيبة ووطيدة مع جيرانها، وهذا ما أُعلن عنه بصراحة وتمت متابعته على الأخص منذ تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، وإن جولتي الإقليمية إلى ثلاث دول جارة هي الكويت وقطر والعراق مباشرة بعد حصول الاتفاق النووي التاريخي بفيينا، بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا، إنما جاءت تأكيدا لهذه الاستراتيجية التي توليها السياسة الخارجية الإيرانية اهتمامها".
وحول أوضاع المنطقة السياسية، قال: "إن منطقتنا في الوقت الراهن تمر في اضطرابات، وتواجه مخاطر جدية تهدد أسس المجتمع والثقافة فيها. ومع أن إيران التي تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود في مواجهة النزعة السلطوية، تعيش بفضل الله في استقرار وأمن، وقدمت آفاقا جديدة عن التعامل البناء، فإنها لا يمكنها الوقوف موقف اللامبالاة أمام الدمار الهائل في أطرافها، لاسيما وأن التجربة تقول لنا إن الفوضى والاضطرابات لا تعرف حدودا، وإنه من غير الممكن ضمان أمن أي بلد في بيئة مضطربة في هذا العالم السائر نحو العولمة".
وفي معرض حديثه عن الاتفاق النووي، رأى ظريف أن "اتفاق فيينا كان بداية ضرورية للمنطقة، فهو ليس فقط لا يشكل أي ضرر لجيراننا، بل إنه مكسب لمنطقتنا برمتها لأنه وضع نهاية لتوتر كنا في غنى عنه دام اثني عشر عاما، هدد المنطقة أكثر من غيرها، وقد حان الوقت للتفرغ إلى أعمال أهم وفي مقدمتها البحث عن آليات، تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور وعوامل التوتر وغياب الثقة فيها".
وحول الحوار بين إيران والدول العربية، قال إن "تشكيل مجمع للحوار الإقليمي في منطقتنا ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية بالشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل، حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة إليه قبل هذا بكثير، ولابد أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة".
وأشار ظريف إلى أهم أهداف الحوار الإقليمي، الذي كان أولها "احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة".
وفي الهدف الثاني للحوار، نوه إلى أنه "علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل تحتها، وإننا جميعا إما رابحون معا أو خاسرون، فالأمن المستدام لا يتحقق بضرب أمن الآخرين، وإن أي شعب لا يمكنه تحقيق مصالحه دون الأخذ بالاعتبار مصالح الآخرين، وهذا هو مصيرنا شئنا أم أبينا: (..وَلا تَنازَعوا فَتَفشَلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم وَاصبِروا إِنَ اللَهَ مَعَ الصابِرينَ) (الأنفال، الآية 46).
وواصل ظريف مقاله بأنه "بالطبع إن هذا التعاون الذي لابد منه، ليس من نوع التعامل المر مع الأعداء، بل هو مسار ذو مذاق حلو للإصلاح والمودة بين إخوة وأعضاء أسرة واحدة، ابتعد بعضهم عن بعض منذ فترة: (إِنَمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..) (الحجرات، الآية 10).
واعتبر أن "أهمية ممارسة هذه الآليات في منطقتنا، ثم في الشرق الأوسط عامة تفوق أهميتها في أية منطقة في العالم. ولا يمكن إنكار الحاجة إلى إجراء تقييم ذكي للتعقيدات القائمة في المنطقة بهدف انتهاج سياسات مستديمة لمعالجتها، ومحاربة الإرهاب واحد من هذه الموضوعات. فلا أحد بمستطاعه أن يحارب الجماعات المتطرفة، كالتي تسمى الدولة الإسلامية – التي لا هي بدولة ولا هي بإسلامية – في العراق، في حين تنتشر في اليمن وسوريا".
وأوضح ظريف رأيه في الأزمات التي تمر بها المنطقة، قائلا إنه "إذا كان مقررا أن نختار موضوعا من بين الفجائع في المنطقة للبدء في مباحثات جدية، فإن اليمن سيكون نموذجا جيدا، وقد اقترحت إيران حلا معقولا وعمليا لتسوية هذه الأزمة المؤلمة وغير الضرورية؛ فالخطة الرباعية التي قدمتها تدعو إلى وقف إطلاق النار فورا، وإرسال مساعدات إنسانية إلى المدنيين اليمنيين، وتسهيل الحوار بين المجموعات اليمنية داخل البلاد، وفي نهاية الأمر توجيههم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة".
وتابع في توضيح رأيه " قبل عامين أيضا، تم اقتراح خطة مماثلة بعد مشاورات مع سوريا وبعض الدول المجاورة وسائر الفاعلين من أجل إعادة السلام والأمن إلى سوريا، بالإمكان إدراجه على جدول الأعمال، إلى جانب الجهود المبذولة لتسوية الأزمة اليمنية، وذلك بالتعاون مع الدول الإسلامية الأخرى وتحت إشراف آليات منظمة الأمم المتحدة".
ومن أجل الارتقاء بمستوى العلاقات، اقترح ظريف قائلا: " تزامنا مع ذلك، يمكن استخدام هذه المباحثات الاستراتيجية، للقيام بخطوات محددة لتحقيق تفاهم أفضل لدراسة ولتسوية قضايا كالإرهاب والتطرف، ومنع نشوب حروب مذهبية وطائفية، ولتنويع أشكال التعاون العلمي والصناعي والتنموي، وللارتقاء بمستوى العلاقات بين الدول الإسلامية بالمنطقة".
وأعرب عن رأيه في الاتفاق النووي بالقول "قد يكون التعاون النووي للأغراض السلمية، نموذجا بارزا لمثل هذا النمط من التعاون، فمن حق إيران وجميع الدول الإسلامية بالشرق الأوسط الحصول على فوائد التقنية النووية السلمية طبقا للمقررات الدولية، ولابد أن تتعاون جميع دول المنطقة من أجل بلوغ هذه الأهداف".
ومن الحالات التي يمكن متابعتها في هذا النمط من التعاون، أشار ظريف إلى "الإفادة من إمكانيات التخصيب، على شكل مركز إقليمي لتوليد الوقود النووي عبر تعاون الدول الإسلامية بالمنطقة في الجانب التقني، وفي الجانب السياسي تكثيف الجهود الدولية لإقامة منطقة منزوعة السلاح الدمار الشامل في الشرق الأوسط".
وختم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقاله مشيرا إلى "أننا، بلدان هذه المنطقة والشرق الأوسط، الذين تشدنا قواسم مشتركة كثيرة ومتنوعة في الدين والثقافة والسياسة والجغرافيا، نملك جميع المستلزمات لإقامة تعاون بناء ومفيد لجميع شعوبنا وشعوب العالم؛ فالتحديات القائمة في منطقتنا كثيرة"، منوها إلى أنها "الفرصة الوحيدة للتعامل، وشعوبنا تنتظر منا عن حق بألا نضِّيع هذه الفرصة،: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..) (التوبة، الآية 105).