كتاب عربي 21

متحرشون إلى الأبد

طارق أوشن
1300x600
1300x600
مشهد من فيلم 678 المنتج في العام 2010 لمخرجه محمد ذياب..

فايزة: (وهي ترمي بسلسلة نحاسية في وجه صبا التي كانت قد أهدتها لها) أنا عمري مشفتك لابسة نحاس

صبا: علشان مخليش أي كلب يبص لي

فايزة: طب كنت غطيتي شعرك وبطلتي تلبسي المحزق والملزق. عارفة أنت لو مكنتيش حاسة بذنب كنت قدرتي تعملي زي ما أنا عملت، بس أنت عمرك محتقدري تبقي زيي لأنك عارفة ومتأكدة أنك غلطانة.

فايزة امرأة محجبة وأم لطفلين، عانت طوال حياتها من التحرش وهي تمتطي الأتوبيسات أو تمشي في الطرقات، وصبا امرأة متزوجة من الطبقة الأرستقراطية قادها حظها العاثر للمشاركة في احتفالات فوز منتخب بلادها لكرة القدم، فتحولت إلى لقمة سائغة للجماهير الهادرة لم تكن لفرحتها أن تكتمل دون الاستمتاع بأي جسد أنثوي يعتبرونه صيدا حلالا فكانت الصدمة التي غيرت مسار حياتها.

في المشاهد الافتتاحية لفيلم 678، يمر الأتوبيس من أمام جمع من المواطنين يتزاحمون للصعود إليه قبل أن يغادر في اتجاه محطة أخرى. وحدها فايزة ظلت متسمرة في مكانها وعلامات الخوف والهلع من "مجهول" تعلو محياها. بعدها تظهر نفس السيدة داخل سيارة أجرة يجاهد سائقها لتعديل مرآتها الأمامية عله يظفر بالنظر إلى الجسد الأنثوي الجالس على الكراسي الخلفية. سيارة الأجرة ليست أكثر أمانا من الأتوبيس.

وفي رحلة العودة إلى البيت بعد يوم عمل شاق لم تجد فايزة من سبيل غير ركوب الأتوبيس حيث يبدأ سيناريو معاناة يومية شعارها تحرش يعرف الجميع أنه أمر واقع ورياضة يومية لا تسلم منها الأخت والزوجة والوالدة، ومع ذلك فالجميع يمارسونها أو يكادون.

تؤكد دراسات وتقارير، أعدتها مؤسسات ومنظمات دولية، أن 90% من النساء في اليمن اشتكين من تعرضهن للتحرش سواء في الأماكن العامة أو أماكن العمل، وأن 83% من النساء المصريات قد تعرضن بالفعل لشكل أو لآخر من أشكال التحرش الجنسي، وأن 27% من الفتيات الجزائريات الجامعيات أكدن تعرضهن للمضايقات الجنسية من قبل مدرسيهن، كما اشتكى 44.6% منهن من المضايقات اللفظية، بينما أكدت 13.8%عن تعرضهن للتحرش الجنسي.

وفي قطر أفصحت 21.1% من الفتيات عن تعرضهن لذات المشكلة، وأن 30% من النساء العاملات قد تعرضن للتحرش الجنسي في مكان العمل. وفي المملكة العربية السعودية يتعرض 22.7% من الأطفال لجريمة التحرش الجسدي، وأن من بين 9580 حادثة أخلاقية يوجد 997 جرائم تحرش جنسي. 

أما في لبنان فثلث النساء تعرضن لحوادث التحرش أو الاعتداء أو الإساءة اللفظية. وفي المغرب تقع 80% من الاعتداءات الجنسية على القاصرات دون سن الرشد القانونية.

وكشفت دراسة ميدانية حديثة أجرتها شركة أبحاث عالمية لصالح رويترز، تناقلتها العديد من المواقع والوكالات، أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل. وبيّنت الدراسة، التي شملت 12 ألف موظفة من دول المسح، أن 16% من النساء العاملات في السعودية تعرضن للتحرش الجنسي من قبل المسؤولين في العمل. 

وأظهرت الدراسة أن نسبة التحرش في السعودية أعلى بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسويد وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وبقية الدول الأوروبية، فيما جاءت الهند على قائمة الترتيب بنسبة تصل إلى 26 في المئة، تلتها الصين بنسبة تصل إلى 18 في المئة. كما تشير احصائيات متداولة إلى أن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث التحرش الجنسي بعد أفغانستان، طبقا لآخر دراسة لمكتب شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري.

كما هي عادة صبا في نهاية كل جلسة من جلسات التوعية التي دأبت على تنظيمها للنساء حول موضوع التحرش، تنهي الجلسة بالتوجه إليهن بالكلام..

صبا: قدامكم ورقة بيضاء وحسألكم شوية أسئلة ويا ريت تجاوبو عليها بصراحة.. حصل لك تحرش قبل كدة ولا لأ؟ كم مرة؟ وكان رد فعلك إيه؟

إجابات النسوة كانت دوما بالنفي ثم النفي ثم النفي.

تتوجه صبا بالحديث إلى فايزة، الحاضرة في الجلسة.

صبا: لو رحت لدكتور وانكسفت تقولي له أن عندك مغص مش حيعرف يساعدك

فايزة: بس المغص حاجة متكسفش

صبا: والتحرش كمان حاجة متكسفش.

لم تكن فايزة وحدها من تظن أن الإبلاغ عن التعرض للتحرش "فضيحة"، فالشرطي المناوب الذي لجأت إليه البطلة الثالثة للفيلم "نيللي" برفقة والدتها لتقديم شكواها بعد تعرضها للتحرش أبدى استغرابه من إلحاحها على الأمر.

الشرطي: ليه؟ ما هو حتى محضر التعدي عقوبته أكبر. ولا إحنا عايزين نفضح نفسينا ولا إيه يا دكتورة؟

الإحصائيات المتداولة حول معدلات التحرش بالدول العربية مقلقة بدرجة كبيرة. والطبيعي أن تكون السلطة السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي سباقة للتصدي لمثل هذه السلوكيات صونا لحقوق الأفراد والجماعات. 

ليس هذا السلوك جديدا وما هو بدخيل، بل هو فعل "أصيل" في المجتمعات العربية حد اعتبارها الرياضة الوطنية الأكثر ممارسة وانتشارا. كل ما في الأمر أننا صرنا في دولنا نمتلك آليات التوثيق للـ"حدث" وصارت كاميرات الهواتف النقالة في يد الصغار قبل الكبار والفقراء قبل الأغنياء.

في المملكة العربية السعودية، حيث تواترت في الأسابيع الأخيرة فيديوهات مؤرخة لـ"غزوات" تحرش جماعية بالنساء، لعل آخرها ذاك الذي تجمع فيه رهط من الشباب حول فتاتين بكورنيش مدينة جدة، سحبت مسودة قانون التحرش من مجلس الشورى قبل اعتماده العام الماضي بدعوى أنه قد يسمح بالاختلاط بين الجنسين. وكان القرار يقضي بمعاقبة المتحرش جنسيّا بالسجن عاما وبغرامة تصل إلى مئة ألف ريال، وتشمل العقوبة كل قول أو عمل أو إشارة أو من اتخذ موقفا لا تدع ظروف الحال شكّا في دلالته على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر.

وفي المغرب، أفشل زملاء وزيرة المرأة والأسرة والتضامن بسيمة الحقاوي مساعيها إلى إقرار قانون متعلق بالتحرش ضد النساء، حين "أجمعوا" على وضع مشروع القانون في "الثلاجة"؛ حيث أجمعوا على التصدي لتمرير المشروع ، فكان لهم ما أرادوا وأقبر المشروع حتى يومنا وصار نسيا منسيا.

أما في مصر، فقد أقر قانون للتحرش الجنسي، لكنه بقي حبرا على ورق. وحين رغب داعمو الانقلاب على الاحتفال بـ"فوز" مرشحهم بالرئاسيات، لم يجدوا غير تعرية البنات والتحرش بهن، بل اغتصابهن بالميدان، ليسمحوا بعدها لزعيمهم بالظهور بمظهر المدافع عن حقوق النساء، حين كلف نفسه و"اقتنى" باقة ورد كانت كل ما قدمه للفتاة "المغتصبة" وهو يعايدها في المستشفى تحت أضواء كاميرات إعلام التطبيل. كان ذاك مشهدا من أيام "رومانسية الرئاسة"، أما اليوم فالنظام العسكري متحرش بالبلد طولها وعرضها، في شوارعها ومحالها ومراكز الشرطة بها ومعتقلاتها بـ"رضا" الجميع.

زوج فايزة: بنت مين أنت في مصر علشان تركبي تاكسيات. متركبي أتوبيسات زي كل الناس.
ركبت فايزة الأتوبيس مسلحة بالآلة الحادة التي ابتدعت بها طريقة للدفاع عن النفس ضد المتحرشين تقضي بضربهم في جهازهم التناسلي. وفي الصفوف الأمامية رمقت شابا وشابة وقد التصق جسداهما. تتقدم فايزة خطوات وهي تشهر الآلة الحادة استعدادا للانقضاض على المتحرش المعتدي.

يعرض كهل جالس على الفتاة كرسيه للجلوس بدله لكنها ترفض بدعوى أنها ستنزل في المحطة القادمة. أسقط في يد فايزة وسقط سلاحها أرضا. غادرت الأتوبيس بعيون دامعة مسمرة على عيني الفتاة التي استلذت الوضعية وتناغمت مع "المتحرش بها". التقت نظرات الفتاتين بما حملته من دلالات.

ولأن الواقع أعقد من أي خيال، عاد زوجها إلى البيت محمولا على الأكتاف ومنزوع السروال. وبين موضع الضربة التي تلقاها داخل أتوبيس، والليمونة الصغيرة التي استخرجتها زوجته من جيب سرواله انكشفت الحكاية، فهي أعلم الناس بالمتحرشين وبألاعيبهم.

الخلاصة، ما قاله ضابط الشرطة وهو يطلق سراح صبا المتهمة بالاعتداء على متحرش لم يكن غير زوج صاحبتها فايزة.

الضابط: طالما معنديش بلاغ رسمي يبقى ماليش دعوة بحاجة!!!
8.7.6 أو 3.2.1 ... لا يهم العد، فحفلة التحرش الجماعي بالدول العربية مستمرة.... وبتواطئ من الجميع.
التعليقات (0)