كتاب عربي 21

مكاسب الانقلاب التي لا تنتهي

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
لا أريد أن أصدمك بعنوان جذاب، أريد أن أقف معك على حقيقة ما يحدث، أيا كان موقعك من الثورة، فإن أفكارا كبيرة كنت تتمنى أن تصل إلى الناس، ولم تكن تتوقع لهذا أفقا أقل من 50 عاما، أو يزيد، اليوم تشاهدها تتحرك بين الناس أمام عينيك، دون جهد منك، تصل إليهم بقوة الحدث، ومرارة تفاصيله، ولا يلزمك والحال كذلك سوى التأكيد على هذه القيمة، والتأكد من وصولها ورسوخها، وعدم حاجتنا للعودة إلى موالها الذي لم يكن لينتهي مرة أخرى، دون استعراض ماضي معرفتك بالأشياء، ومعايرتك للناس على طريقة "مش قلت لكم".

كم من الوقت كان يلزمنا لنثبت لملايين الشباب ما توصلنا إليه بتحليلاتنا، ووقفنا على الكثير من الشهادات الحية التي تثبته، ورأيناه فيما بعد بأنفسنا، من فساد طبقة شيوخ السلفية التي سمحت لها أجهزة مبارك بالوصول إلى الناس عبر المنابر والنوافذ الإعلامية المختلفة، كم كان يلزمنا من الوقت لنكشف ضعف تكوينهم العلمي على ما يدعونه، وعمالتهم الرخيصة لأجهزة الأمن، وتجارتهم بلحاهم وجلابيبهم، وخراب ذممهم المالية، وطائفيتهم، وعنصريتهم، كم كان يلزمنا من الوقت لنثبت للكثير من المخلصين الطيبين الذين كانت تنحصر آمالهم الدنيوية في تقبيل أيادي هؤلاء أنهم ليسوا سوى حفنة من الدجالين؟!

كم كان يلزمنا من الوقت لنثبت للكثيرين من مثقفينا الشباب أنهم أسرى لوعي وكتابات مثقفي سلطة رخاص، تربوا في حجر الأنظمة القمعية، ورضعوا من سمومها الناقعات ما ينأى بحقيقتهم عن أي انحياز أو إيمان صادق بقيم الحرية والعدالة والديموقراطية التي يتغنون بها، لا تجاوز حلوقهم؟ كم كان يلزمنا من الوقت لنقف على حقيقة أن الحرية عند هؤلاء هي حرية أن استغلال رئيس التحرير لما تيسر من أجساد المحررات اللائي يرغبن في الوصول السريع، وأن الحرية بالنسبة للأديب هي حرية أن يفعل الشيء نفسه مع شواعر وهبن فروجهن لوجه المهرجانات الدولية، وأعمدة مجلات الثقافة في دبي، وبرامج التوك شو، ممثلات عن حقوق المرأة المحرومة من ممارسة الجنس على قارعة الطريق مثل نظيرتها الأوروبية الحرة!!!

كم كان يلزمنا من الوقت لنفهم جميعا كيف تعمل هذه الدولة؟ أجهزتها، عمقها، قذارتها، استعدادها للقتل والتخريب والتدمير، في سبيل الحفاظ على مكتسبات عساكرها وسدنتهم؟

كم كان يلزمنا من الوقت لنكتوي بحرارة تجربة بهذه القسوة والمرارة لندرك أنه ليس كل من زاملنا في حركات مثل كفاية والجمعية الوطنية، وتقلد دور المعارض أيام مبارك، ليس بالضرورة مناضلا حقيقيا عن قيم الحرية، وحقوق ملايين المصريين المنهوبة؟

كم كان يلزمنا من الوقت لنكتشف كيف كان الكثير من الرفاق على استعداد أن يتورطوا في جرائم قتل واعتقالات وسحل وتعذيب وإفقار وتجويع وإذلال للملايين من أهل مصر لقاء تقديم برنامج، أو إعداده بما يمثل زيادة في الدخل تضمن سيارة أفضل وانتقالا للسكن داخل كومباوند فاخر مع الأكابر!!

كم كان يلزمنا من الوقت ليكتشف المسلم العامي العادي كم الفساد الذي يغرق الأزهر، الذي كان شريفا، وعلماؤه، وشيوخه، وصبيانه، وكم كان يلزم المسيحي ليقف على الحقيقة نفسها في كنيسته التي لم تكن يوما، منذ الحكم العسكري، كنيسته، إما هي كنيسة الدولة وذراعها الديني عليه لا له.

كم كان يلزمنا من الوقت لندرك أن كل من تربينا على كونهم يمثلون قيمة فنية استثنائية، ورفيعة، وأنهم دون غيرهم، الأمل في مستقبل السينما أو المسرح أو الشعر، أو الرواية، أو الفنون التشكيلية، كل هؤلاء وغيرهم، كم كان يلزمنا لنوقن أنهم بدورهم يؤدون خطا مرسوما، لم يسمح السياق إلا به وأنهم لحظة الاختيار لن ينحازوا لشعوبهم التي منحتهم كل شيء، اسما وشهرة ومالا، وسوف ينحازون للأنظمة التي أخرجتهم للناس، وسمحت بهم ولهم؟

أي معتوه هذا الذي كنت ستخبره يوما ما بأن علي جمعة تاجر دين وضيع، أو أن الحبيب علي الجفري دجال، أو أن محمد حسان "أمّنجي"، أو أن منير، وصبحي، وسماح، وبهاء طاهر، والأبنودي، والبابا شنودة، وعبد الحليم قنديل، وعبد الجليل مصطفى، وغيرهم عشرات.. مئات.. وربما آلاف، جميعهم أبناء لقمة عيشهم وليس لهم من أمر هذا البلد سوى مصالحهم، ولتحترق الدنيا بما فيها؟؟؟

أقول لك: لقد كنت أسمع ممن أثق بهم هذا الكلام كله بأذني، يقولونه بيقين العارف بهذا البلد، وبخبرة السنوات، بل أزيدك من الغم أبياتا، لقد كنت أسمعه من بعض هؤلاء أنفسهم عن غيرهم، قبل أن يضم الجميع على الجميع ويصيروا فريقا واحدا، كان كل منهم يتهم الآخر بما ثبت حرفيا أنه فيه، كان كل منهم يقف على حقيقة من سواه، وما كنت أظن في كل هذا سوى غيرة الأكفاء، وما كنت أصدق على أي منهم أي شيء يعيبه، حتى سقطت أوراق التوت وانكشف الجميع أمام الجميع.

إن كل يوم يمر علينا ومصر تحت حكم هذا الجنرال المعتوه يخصم من رصيد فقرائها في العيش الكريم، يخصم من رصيد أبنائها في التربية والتعليم والمعرفة والثقافة والتحقق، يخصم من رصيد ثورتها في العبور إلى المستقبل، لكنه يضيف للجميع وعيا لم تكن ألف ثورة ناجحة لتحصله بسهولة، كان سيستغرق السنوات الطوال، لا لكي يعرفه الناس، ولكن لكي يصدقونه، نحن نكسب على المدى الطويل، ويمكننا أن نحول دفة كل هذا لصالحنا إذا ما وعينا ما تمنحه إيانا التجربة والأيام، وفهمنا أن اللعبة أكبر بكثير من تفاصيلها، وأن الكل أكبر من مجموع أجزائه، يا رب.

للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيسبوك:

https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan
التعليقات (19)
محمد الشيخ
الخميس، 29-10-2015 09:50 م
لقد قالها من لا قول لأحد مع قوله سبحانه.. وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم . ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين .. ليحقق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
waleed
الخميس، 29-10-2015 05:08 م
بارك الله فيك وثبتك الله وثبتنا جميعا علي الحق ، علينا إحترام كل المختلفين في الرآي ووجهة النظر ده مهم جدا وعلينا تفهم المختلفين معنا او مع الثورة كفكرة للتغير من الأساس .إذا كان هناك بارقة آمل في التجمع والتوحد وراء حد أدني من المطالب ، الأقنعة تقع والزيف يتكشف من بداية الثورة وحتي الأن وإن شاء الله رب العالمين ستسقط المزيد من الوجوه والأقنعة ولن يتبقي غير المخلصين للبلاد والعباد ، أخيرا ليس حزب النور فقط هو من تعامل مع الأمن هناك الكثير من الميكافليين وليس معني إنه من كانوا ينسقون معه باعهم او تخلي عنهم إنهم شرفاء او محترمين ، كل القصة إنهم أخطأوا وتوهموا وصدقوا كما توهم حزب النور إنه سيحل محلهم بمجرد أن يلعب لعبتهم . إن شاء الله رب العالمين سيسقط كل تجار الدين وكل تجار الوطنية .
محمد
الثلاثاء، 27-10-2015 09:54 م
أكثر ما تطرقت اليه صحيح ولكن لماذا لم تتطرق لغباء الإخوان السياسي وقياداتهم المقدسة والتي لا تصلح للقيادة الآن
مجدي مرزوق
الإثنين، 26-10-2015 08:55 م
مكاسب هائلة نعم وهي على قدر ااالم بورك قلمك
بسام
السبت، 24-10-2015 09:08 م
كل ماقلته صحيح عن التيار السلفى