قضايا وآراء

المسيحيون العرب في قلب تاريخ العرب

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
ما كانت المسيحية أبدا نبتة غريبة في الشرق ولا دخيلة ولا طارئة أو عابرة أو مؤقتة. هي بنت ونتاج أصيل لهذا الشرق. هنا جغرافيتها وتاريخها ومن هنا جرى الانطلاق لتبشير الأمم الوثنية بها في العالم بأسره.. للأسف الشديد الكنيسة الغربية لا تذكر جذورها العربية. سنقرأ عن مملكة الأنباط  المسيحية (بولس الرسول اختبأ وبشر عندهم) مملكة تدمر في سوريا. مملكة المناذرة مملكة الغساسنة (المملكة العربية المسيحية الأولى والأكبر والأكثر تمدناً وحضارة وأيضاً المبادرة لتنصير قبائل عربية وثنية أو بطون لها جاورتها أو سكنت ضمن مناطقها) والتي حاربتها روما المسيحية طويلا لتقضي على الدولة العربية المسيحية الأولى.. متهمة لها  بالهرطقة لاعتقادهم بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح علية السلام وعلى فكرة ..الإمبراطور قسطنطين لم يكن أول إمبراطور اعتنق المسيحية (عام 312) إذ اعتنقها قبله سرا الإمبراطور (فيليبوس) فيليب العربي (244- 249).
 
لم يضمر العرب المسيحيون العداء للإسلام دعوة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد.. وإنما ساندوها وفي يثرب استقبلتهم قبيلة الازد النصرانية وبملك الحبشة النجاشي المسيحي احتموا واستجاروا. ليكتب التاريخ أن العرب المسيحيون دعموا النهضة الإيمانية والحضارية التي أتى بها الإسلام لمجتمع جاهلي عاداه في بدايات انتشار دعوته.

عاش العرب المسيحيون أكرم عيش في ظل حكم الخلافة الإسلامية ما يقارب الـ 14 قرنا بدءا بالخلافة الراشدة ثم الأموية والعباسية وأثناء حكم المماليك وإنتهاء بالخلافة العثمانية التي اعتمدت دستور عام 1876 إبان خلافة السلطان عبد الحميد الثاني باعتبار الشريعة الإسلامية أساس ملزم للتشريع وللقضاء بحق المسيحيين.. وأعفتهم من دفع الجزية وضريبة الخراج وسمحت بخدمتهم في الجيش أو دفع البدل كمواطنين مكتملى الحقوق والواجبات.

.............

عروبة المسيحيين العرب لا يستطيع ان يجادل حولها احد أيا ما كان فهم من ساند الفتح الإسلامي ضد الروم معتبرين الفاتحين العرب أبناء قوميتهم وهم من قاوم الغزو الصليبي في العصور الوسطي. وهم من وقف ضد الاستعمارالأوروبي.

العرب المسيحيون كانوا الرواد والطليعة الأبرز في التنظير والدعوة للعروبة  وللاستقلال الوطني ولوحدة الأمة ورفضوا نظام المحاصصة الطائفية وإعطاء مراكز ومواقع في الدولة للمسيحيين العرب بصفتهم مسيحيون. لم يدعوا كا يشاع _عنهم _وإنما تصدوا لدعوات إقامة دولة قبطية أو فرعونية في مصر وبابلية في العراق وفينيقية في بلاد الشام او مسيحية في سوريا ولبنان. ورأوا في الحضارة العربية الإسلامية وتمدنها في زمن الخلافة حضارة لهم ساهم أجدادهم الأوائل في صناعتها ومنها انطلقوا.

وحين شنّت أوروبا (المسيحية) من سنة 1096 إلى سنة 1270 حملات لاحتلال الشرق العربي حارب العرب المسيحيون إلى جانب المسلمين ضد ها وضد بابويتها وكنيستها الداعية والراعية للحملات. هكذا تصرفوا أيضا في التاريخ الحديث مع  الاستعمار الغربي(المسيحي) للشرق الأوسط .

كان المسيحيون العرب من أوائل المفكرين والمنظرين للفكر العروبي الجامع فى ظلال الإسلام.. كون الإسلام من مكونات الهوية القومية العربية بالإضافة إلى اللغة والتراث والتاريخ المشترك والجغرافيا.
كونك عربيا يعني أن الإسلام وثقافته من مقومات هويتك القومية إذ في ظل تاريخه وحضارته وتراثه وُلِدت وعشت وشاركت وتثقفت وأصبحت أمه.

وإذا أعتبرنا الإنتاج الادبى والثقافى هو العمق الأمين لمكنونات وثوابت الحضارات سنرى إسهام المسيحيون العرب  يحضرون بقوة في (ألف ليلة وليلة) التي تحتوي على شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة وتتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة.

سنرى جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وشفيق معلوف وإلياس فرحات وإيليا أبو ماضي وخليل مطران جرجي ويعقوب الصروف وسليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا مؤسسي جريدة الأهرام.

سنرى ناصيف اليازجي و إبراهيم اليازجي وبطرس البستاني - أول من ابتدأ بمشروع دائرة معارف باللغة العربية كانوا يعتبرون اللغة العربية الفصحى وعاء وأداة الثقافة... ولتخطي التفرقة والتجزئة الجغرافية والقبلية بلهجاتها المحلية ولغتها العامية وأيضا لتحدبث اللغة وللتأسيس للغة الصحافة.

هذا إلى جانب إحياء التراث العربي القديم... لم يفعلوا ذلك انطلاقا من كونهم مسيحيين وإنما من منطلق عروبتهم ووطنيتهم وانتمائهم للوطن الواحد والجامع. إذ الدين بالنسبة لهم قيم وأخلاق وبين الأديان المختلفة من المشترك والجامع أكثر بما لا يقاس من الاختلاف في الجزيئات والطقوس والمعتقدات وتاريخياً لم يتنكر القوميون العرب المسيحيون يوما للحضارة العربية الإسلامية ولا للإسلام عموماً كمكون مركزي من مكونات الهوية القومية العربية هم بدأوا أصلا حركتهم الناهضة بإعادة إحياء تلك الحضارة ولغتها وتراثها وآدابها وتاريخها. وسعوا دوما للربط بين الهوية العربية(على اختلاف ديانات العرب) وبين الإسلام. الذي يتنكر لهذه الحقيقة يفتري ويتجنى ليس على المسيحيين العرب فقط، وإنما على العروبة عموماُ بمسلميها ومسيحييها.

لقد فشلت الحضارة اليونانية والرومانية في الشرق الأوسط.. ونجح الإسلام.. لأنه بدا لشعوب المنطقة بمثابة الشقيق الشبيه الذي يحمل في طياته الثقافة الاجتماعية المترسخة في أعماق العرب.
 
0
التعليقات (0)