كتاب عربي 21

محمد محمود.. أسوأ من ارتكاب الجريمة نسيانها

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
لن أكتب هذا العام عن ذكرى أحداث محمد محمود، كتبت عنها في السنوات الثلاث السابقة، قيل كل ما يجب أن يُقال، حللنا ووثقنا وحيّينا ولعنّا وذكّرنا وتذكرنا، سأكتب إذا عن فشل الحكومة، لا عن استبداد دولة السيسي، لا لا الأولى أن أكتب عن المعتقلين، دعك من كل هذا، سأكتب عن الأزمة الاقتصادية التي تزيد المصريين فقرا وتخنقهم في بيوتهم وفي الشوارع.

تتزاحم الأفكار، يتوه الكلام، تتعثر الحروف، فعندما يأتي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر يصبح الكتابة عن محمد محمود فرض عين، فكيف نعتبرها معركة وانتهت بينما تتذكرها السلطة أكثر منا وتناصب كل من شاركوا فيها العداء، بل وما زالت حتى أسابيع مضت تهدم أسوار الشارع وتمسح الجرافيتي المرسوم على حوائطه حتى تمحو ذكراه من العقول والقلوب.

إنهم يتذكروه جيدا ويستخدمون كل ما في أيديهم من أدوات لدفعنا إلى نسيانه، فلماذا نساعدهم وننساه؟

***
تبّت يدا من ساب رفاق المعركة بطولهم

تمن القضية اللى اندفع مبقاش يجوز يرجع

تتعب تبص ف عين.. أصحابك الطايرة.. شوف مين من الآخر دفع.. لو زيهم.. إدفع

تلت الرصاص نحو العدو.. تلتينه للخاين.. الطعنة جاية من هنا مش من هناك

تعب النهاردة غير تعب بكرة.. الوقت مش دايما معاك

تحتك فيه ناس عاوزة الأمل.. مش عاوزه؟.. سيبهولهم

***

تابع أداء السلطات المتتالية ستجدها جميعا تكره أحداث وذكرى محمد محمود وتحاول تشويهها ومحوها من تاريخ الثورة، في حين لا يفعلون ذلك نفسه مع بقية الأحداث مثل مجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية وغيرها، لماذا يكرهون محمد محمود تحديدا؟

لم يحب المجلس العسكري أحداث محمد محمود لأنها أجبرته لأول مرة على اتخاذ قرارات لا يريدها مثل تحديد موعد الانتخابات الرئاسية، أفقدته السيطرة على الأوضاع لأول مرة وجعلته في خانة رد الفعل، أعلنت فشل أساليبه التي اتبعها طوال الأشهر العشرة السابقة كتأليب الرأي العام على المتظاهرين واستخدام القوة لإخافتهم والإيقاع بينهم وبين آخرين في معسكرهم نفسه واستخدام الإعلام لتشويه الثوار ومطالبهم، فعل المجلس العسكري كل ذلك لكنه لم ينجح في تهدئة الاحتجاجات وتصفية المظاهرات، بل كانت تزداد عددا وزخما يوما وراء الآخر، وكانت النتيجة أن رفع العسكر الراية البيضاء واستسلموا ووافقوا على جميع المطالب التي رفعها الثوار تقريبا، ضع ذلك كله بجوار عقيدة القائمين على المجلس العسكري وقتها والقائمة على رفض الهزيمة خاصة إن كانت أمام "شوية عيال"، وستعرف حينها لماذا حاول المجلس في الشهور التالية محو ذكرى محمد محمود من الذاكرة وتشويها إذا لزم الأمر.

لم يكن الإخوان بدورهم يحبون أحداث محمد محمود، ففي الذكرى الأولى للأحداث في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 كان محمد مرسي هو رئيس الجمهورية، وعندما أعلنت القوى الثورية إحياء ذكرى محمد محمود رفضت جماعة الإخوان المشاركة فيها بل ووصفها المستشار أحمد مكي وزير العدل، في حكومة الإخوان، بأنها "ضمن مخطط واسع لإثارة الفوضى وإجهاض الثورة"، كانت أحداث محمد محمود تذكّر الإخوان بخيانتهم للثورة وتفتح عليهم سيلا من الفيديوهات الوقحة التي يحرض فيها قيادات ونواب الجماعة على المتظاهرين ويتهمونهم بالبلطجة ويطالبون الداخلية باستخدام القوة معهم ويصفقون للوزير وهو ينفي استخدام الخرطوش أو وجوده ضمن تسليح الداخلية أساسا.

لم ينتظر أحد أن يحب نظام السيسي أحداث محمد محمود، فالنظام القادم بأفكار وأساليب ووجوه قديمة طبيعي أن يرى الأحداث نموذجا للفوضى التي قادها شباب مدفوعين من الخارج لإسقاط الدولة، لكن هناك جوانب أخرى تخيف النظام في أحداث محمد محمود، فهذه الأحداث تذكر الثوار بأن قلة عددهم لا تعني أبدا أن فرصهم في النصر معدومة، فعندما نجحوا في إجبار المجلس العسكري على تحقيق مطالبهم كانوا بضعة آلاف يضمهم شارع واحد في مواجهة جيش وشرطة وبرلمان وإعلام وملايين يقولون "إيه اللي وداهم هناك"، كذلك فإن الاتفاق على المشتركات بين القوى المختلفة قد يكون أحد أهم أدوات النصر، ففي محمد محمود سجل السلفيون حضورا لافتا رغم التفاهات التي كان يرددها نوابهم في البرلمان، كما انخفض صوت الخلافات بين الليبراليين واليسار والقوميين والناصريين وبعض الإسلاميين في ظل تواجد صوت أعلى ينادي بإنهاء حكم العسكري، هذه القيم مخيفة لنظام مهترئ ولذلك يعاديها ويعادي ذكراها ويزيل "الجرافيتي" الذي يوثقها.

***

سمى الحاجات دي بإسمها...الكدب... والخوف... والخيانة

سجادة المسامير... تتحط ع الناصية ...غطّيها بالدخان ..ولّع قصادها كاوتش

سد الطريق لورا علشان ما تترددش

سيب باب لجيشهم يهربوا منه

سلّم رايات الحلم لحد من سِنُّه

سلّم قراركوا لأكتر كفّ عرقانة

***

أحداث محمد محمود عصية على النسيان، فلا من مات فيها عاد حقه ممن قتله، ولا من فقدوا أعينهم شعروا بأن تضحيتهم جلبت الوطن الذي كانوا يحلمون به، ولا الدماء جفت من على الأسفلت رغم محاولات التجديد المتتالية.

19 تشرين الثاني/ نوفمبر هو مناسبة سنوية لتجديد العهد ومذاكرة الدروس وشحن بطاريات الأمل، يجب أن نؤكد لهم في كل مرة أننا مازلنا نتذكر الأحداث كأنها جرت بالأمس، وأن صرخات الألم وصيحات التحدي وهتافات "يسقط يسقط حكم العسكر" ما زالت تدوي في الآذان، لا تسقطوا في فخ النسيان وإلا أصبحتم والإخوان سواء، هم خانوا الشباب حين باعوا حلمهم إيثارا للمقاعد، وأنتم خنتوهم حين نسيتم حلمهم إيثارا للسلامة.

عظم شهداءك فإن في ذلك سكن لهم، تذكر من قُتل ومن قُتل، ومن باع ومن ضاع، ومن قصّر بسوء قصد أو بحسن نية، تغلبوا على مخطط النسيان والإلهاء الذي يحاك لكم، فأسوأ من ارتكاب الجريمة نسيانها.

***

الوقفة جنب النار ..بتقلل الدخان

- إهتف هتاف إبن المكان و الظرف

- إضرب بعزمك ... أو ما تضربشى

إرجع بضهرك ... أو ما تهربشى

إمسك عصاية ثورتك م الطرف

التاريخ ضمن الغنايم ..و بيكتبه الكسبان


(الفواصل الشعرية من قصيدة المانيفستو للشاعر مصطفى إبراهيم)

التعليقات (1)
متسائل
الخميس، 19-11-2015 04:45 م
و ماذا بعد الاستمرار فى اتهام بعضكم بعضا ، نعم كان هناك أخطاء من الجانبين و شرب الجميع بمن فيهم من لم يشارك بأى شىء لا سلبا ولا إيجابا فى الاحداث برمتها و تجرع الكل مرارا ما بعده مرار ، و أهم الاخطاء ان اى حد يصدق المجلس العسكرى و من اتى به من انذال ركعوا الكل و خدعوا الكل ، و إذا لم تضعوا أيديكم معا مرة أخرى ، فليبق الكل فى مبكاه و مأساته و لينعم الطرف المستفيد و هو العسكر و الصهيونية بنتائج ما تفعلون ، و الله الهادى إلى سواء السبيل