نبيهاليا... من أنتم حتى تكون لكم حقوق؟

عندما دُعِي جون بيترز همفري للعمل على كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كان العرب حاضرون في الدائرة الضيقة المحيطة بالرجل ممثلين باللبناني شارل مالك. وعندما أنشأت لجنة حقوق الإنسان لصياغة وثيقة الإعلان كان العرب ممثلون بمصر ولبنان. واليوم يقود فيصل بن حسن طراد، سفير المملكة العربية السعودية بجنيف، لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في وقت ترأس فيه الناشطة الحقوقية المغربية حورية إسلامي الفريق الأممي للاختفاء القسري. وبين التاريخين موجات مد وجزر طبعت علاقة الدول العربية بمجال حقوق الإنسان. لكن الثابت أن " رعايا " مماليك "نبيهاليا" العربية ظلوا بلا حقوق.

نبيهاليا هو اسم الدويلة التي تمكن نبيه بيه الأرابوطلي، في فيلم (البداية) المنتج سنة 1986 لمخرجه صلاح أبو سيف، من تأسيسها بواحة في الصحراء سقطت بها طائرة مدنية كانت تقله بمعية من تحولوا إلى "رعايا" وخدم لنزواته التسلطية بدعم من الملاكم المكلف بالأمن، ودكتورة الكيمياء ممثلة للطبقة العالمة المتزلفة للسلطة والصحفية التي تحولت بوقا للحاكم المستبد. ونبيهاليا منتشرة على طول وعرض البقعة الجغرافية المسماة "وطنا عربيا" برضا ومباركة "الرعايا" الخانعين وسلبية المثقفين الحاملين لواء التنظير واستعراض الملكات الخطابية الجوفاء كما حال عادل صدقي (أحمد زكي) في (البداية)..

عادل: إحنا ممكن نبني مجتمع مثالي. كل واحد يشتغل على قد طاقته. كلنا نتعاون سوا. محدش يشغل الثاني ولا يتحكم فيه. مجتمع بسيط مبني ع التفاهم والحب.

آمال (مضيفة الطيران): حلمك جميل قوي.

لكن نبيه بيه، وفي الوقت الذي كان الحقوقي يحلم فيه بمجتمعه المثالي، تمكن من الواحة وأسس دويلته وصار الآمر والناهي والمسيطر على الخيرات/ التمر يوزعها على من يشاء بالقدر الذي يراه مناسبا.

نبيه بيه (غاضبا): هو أنا عرفت أنام من الزفت ايلي بيشخر طول الليل فوق راسنا.

الملاكم: أعمل إيه؟ ما أنا كان حيلي مهدود.

عادل: ما هو لو كنت تعبت زيه كان زمانك شخرت. ثم إن الشخير حق من حقوق الإنسان. المادة ثلاثين بتقول....

هكذا حال النخبة المثقفة العربية تهتم بسفاسف الأمور والغث من القول. يهتمون باستعراض مواد ونظريات حفظوها صما من الكتب دونما فعل ميداني للتوعية والمساهمة المباشرة في تحقيقها للعامة من الناس. هكذا تعيش بلدان "نبيهاليا" إسهالا في عدد المنظمات الحقوقية الرسمية منها و"المستقلة" بل إن كثيرا من هذه النخب تلج خانعة مستسلمة لقدرها إلى هيئات استشارية لحقوق الإنسان تنشئها أنظمة "نبيه بيه" مساحيق تجميل للعالم الخارجي. وقتها يتحول "مناضلو" حقوق الإنسان إلى مجرد أبواق دعائية للحاكم مقابل امتيازات عينية وأدبية زائلة. 

أليست المجالس القومية لحقوق الإنسان هي من تسوق "نبيهاليا" واحة للديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية ولو اضطر أعضاؤها للاشتغال كومبارس في إعادة تمثيل مشاهد رأيناها بسجون فيلمي "البريء" لعاطف الطيب و"ايلي بالي بالك" لوائل إحسان في زيارة لسجن العقرب المصري تبييضا لصفحة نظام مستبد انقلابي، قبل أن ينتشروا في بلاتوهات القنوات الفضائية تأكيدا لعمالة وخسة لا يوازيها غير منع سجناء ذات السجن من الحصول على ملابس تقيهم برد فصل الشتاء إمعانا في الانتقام أمام صمت ورضا "الشعب الذي يريد...". وذاك حال كثير من سجون النظام الرسمي العربي وملاجئ تأوي العرب النازحين في كثير من بقاع وأصقاع الدنيا.

يتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ثلاثين مادة اعتبرتها الجمعية العامة "المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم". ويعتبر في مادته الأولى أن الناس يولدون أحرار متساوين في الكرامة والحقوق قبل أن يختتم مواده بالتأكيد على أن "ليس في الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه". 

لكن الأنظمة الشمولية تفنن في حرمان "مواطنيها" من الحقوق الأساسية كالحق في الحياة والأمن والسكن والتعلم وغيرها، لدرجة أن الحديث عن حقوق الإنسان في الدول المستبدة صار مرادفا للحقوق السياسية والتعبير عن الرأي. وتلك حقوق يمكن للحاكم على الدوام الالتفاف حولها بإجراءات صورية أو خلق معارضات تأتمر بأوامره أو نخبة تسبح بحمده في خلط للأوراق كثيرا ما ينجح فيها لذر الرماد في العيون. 

فالإخفاء القسري يصعب إثباته، والتعذيب يمكن اعتباره ممارسة فردية غير ممنهجة، والمحاكمات صورية، والتجسس والتنصت على الأفراد والجماعات مقننا وفق الأهواء، والتضييق على الممارسة الدينية والحرمان من الجنسية أو المنع من اللجوء مرتبطا باعتبارات أمنية خصوصا إذا نحت دول "العالم الحر" ذات المنحى باستصدارها قوانين على المقاس في ظل إعلانات حالات الطوارئ التي لا تنفك تزداد يوما عن يوم، حتى صار التمرد على الاستبداد والمطالبة بالديمقراطية "كفرا".

نبيه بيه (موجها كلامه للملاكم والفلاح): أنا كنت متأكد أنكم ناس طيبين وعلى نياتكم. متخلوش واحد إبليس زي عادل يسمم أفكاركم ويخليكم تعترضوا على إرادة ربنا. ده ملحد، ده كافر.

الملاكم: أعوذ بالله. حرام عليك. متقولش كده يا أستاذ نبيه.

نبيه بيه: حرام علي أنا برضه. بقولكم ده ملوش ملة. ده ده ... ديمقراطي.
الاثنان: ديمقراطي؟

نبيه بيه: أيوه. أقول لكم إيه أكثر من كده. ده عمره ما يورد على جنة.

الفلاح: يا سلام! أنا سمعت كثير عن الصنف الديمقراطي ده، بس ربك والحق عمري ما شفت واحد منهم في بلدنا.

نبيه بيه: أهو إنت شفت عينة. إن كنت شاكك اسألوا هو نفسه مبينكرش

الفلاح: لا. ده مسألة مينسكتش عليها أبدا.. إلا ديمقراطي ده.

والديمقراطية اختصرت في "نبيهاليا" الوطن العربي في الانتخابات التي تنظر لها "النخبة"، كما عادتها، دون تملك لأدوات خوضها أو لقاعدة شعبية أو برنامج بديل حقيقي.

عادل: الانتخابات مش مؤامرة. ده حق يكفله الدستور وميثاق حقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة الذي ينص في البند 25 من القسم الثالث بشأن الحقوق المدنية والسياسية، فقرة باء، أن من حق كل مواطن أن يَنتخِب ويُنتخَب......

نفس التنظير الذي لا يسد رمق شعب أتعبته لقمة العيش وضنك الحياة والحط من الكرامة في مقابل سيطرة تجار الاقتراع ومعهم السلطة القائمة على المخزون الانتخابي وأدوات التزوير السرية والعلنية، والنتيجة تجار مخدرات ومصاصو دماء وباعة كلام يتبخترون تحت القبة في توزيع أدوار لمسرحية عبثية باقية وتتمدد في الزمان كما المكان.

في العاشر من شهر ديسمبر من كل سنة، احتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في وقت تحولت فيه أمنيات المواطن العربي إلى مجرد البقاء على قيد الحياة على شقائها في زمهرير زنازين السجون أو عراء "الأوطان" أو مخيمات اللجوء. أما "نخبة نبيهاليا" فحقها في "الشخير" محفوظ في كل زمان ومكان.
أوشن طارق