نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للأكاديمية الألمانية كونستانزي ستلزنمولر، قالت فيه إنه عندما تنضم ألمانيا إلى حملة عسكرية، فإن هذه هي أخبار حقيقية، ولذلك لفتت برلين أنظار العالم، عندما انضمت منذ فترة قريبة للتحالف ضد
تنظيم الدولة، (وهو الأمر الذي كانت قد استبعدته سابقا).
وتقول ستلزنمولر: "يعد استخدام القوة لدفع المخاطر أو لتحقيق المصالح الوطنية بين الدول، مقياسا مساويا لمقياس الرجولة. ولكن تردد ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية ألصق بها سمعة بأنها يمكنك أن تختار بين بلد قيده الندم على الحرب العالمية الثانية والمحرقة، أو بلد ذي أمن ضعيف لديه نظر ثاقب، لعقد صفقات مع الديكتاتوريين، أو مثل شخص نباتي مسالم فيما بعد. ولو وضعت ثقل ألمانيا الاقتصادي جانبا ودبلوماسية العضلات حديثا، فمن ناحية عسكرية ينظر حلفاء ألمانيا إليها على أنها رجل أوروبا الذي يحب التسوق".
وتضيف الكاتبة: "هم محقون بذلك، فكان تحرك ألمانيا بعد انتهاء الحرب الباردة بطيئا وحذرا جدا في نشر قوات في الصومال والبوسنة وكوسوفو، ورفضت ألمانيا أن تنضم للتحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين في العراق وضد القذافي في ليبيا، بالرغم من كون العملية الأخيرة كانت بموجب عقوبات وافق عليها مجلس الأمن والقانون الدولي".
وتتابع ستلزنمولر قائلة: "لكن المعلومات الأقل انتشارا بين الناس هو أن ألمانيا ومنذ عام 1999، التزمت بنشر آلاف الجنود لصالح الناتو، وبعثات الاتحاد الأوروبي في البلقان والكونغو ومالي وأفغانستان (حيث قتل فوق الثلاثين جنديا ألمانيا في القتال). كما تقوم ألمانيا بتسليح الأكراد في شمال العراق، وكرد فعل على الاعتداء الروسي، فإنها تقوم بدورها في عمليات الناتو التطمينية في شرق أوروبا. وتقوم وزارة الدفاع بعملية التحقيق الكاملة الأولى في عشر سنوات. وقد تم تجاوز المحرم الرئيسي فيما بعد الحرب الباردة، عندما أعلن وزير المالية ولفغانغ شآبل، بأن ميزانية الدفاع سترتفع بنسبة 6.2% مع حلول عام 2019، وهو رقم كبير بالمقاييس الألمانية".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه مع هذا، فإن التبرع بطائرات التجسس القديمة وطائرات الإمداد بالوقود وفرقاطة و1200 عسكري، يبقى مشاركة يمكن وصفها على أحسن تقدير بأنها "مشاركة رمزية للتحالف"، بحسب الكاتبة، التي تقول إن ألمانيا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك، مثل أن ترسل قوات خاصة، كما تفعل أمريكا.
وتعتقد ستلزنمولر أن المبادرة تبدو وكأنها "للتضامن مع فرنسا، بعد أن طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتضامن أوروبا بعد هجمات باريس. وهذا ليس سيئا، حيث أثبتت برلين التزامها تجاه أقرب حليف لها في أوروبا، في وقت عانى فيه الاتحاد الأوروبي من أزمة تضامن في قضية اللاجئين. ولكنها تعكس أيضا معضلة أساسية في استخدام القوة، ففي غياب الاستراتيجية، يصبح استخدام القوة العسكرية مجرد أداة تكتيكية لإرسال الرسائل".
وتعلق الصحيفة بأن "ألمانيا ليست الوحيدة في هذا، فالدول الغربية كلها (بما في ذلك أمريكا)، تعاني من عدم وضع استراتيجية أمنية واضحة في مواجهة الترابط المتزايد والمنافسة والتحديات العنيفة. والمثالان الواضحان لذلك هما الشرق الأوسط، حيث يتفكك النظام الإقليمي ما بعد الحرب هناك، وكذلك النظام البعد-سوفييتي في أوراسيا، الذي أصبح معلقا بخيط".
ويلفت التقرير إلى أن "الدعوة لـ(حلول سياسية) كرد فعل لا إرادي للدبلوماسيين الألمان (وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما) تشير إلى اعتراف بأن هناك مشكلات معقدة في النظم البيئية السياسية الهشة. ويظهر كل من أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تشككا صحيا تجاه الحلول العسكرية السريعة. وضعفهما المشترك هو في قلة تقديرهما لأهمية استخدام القوة ونشرها استراتيجيا".
وتستدرك الكاتبة بأنه "مع وجود عدو يرى الحوار علامة للضعف، فإن استخدام الردع وحده يعطي فرصة للمفاوضات. واعتقد كثير من الألمان بأن الردع عفا عليه الزمن مع سقوط جدار برلين، ولكن جاء الوقت الآن لمراجعة هذا المفهوم تماما. فكل من تنظيم الدولة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعيان لمنافسة وإحباط النظام الليبرالي الغربي، عن طريق استغلال نقطة ضعفنا الرئيسة ونقطة قوتنا في الوقت ذاته، وهي مجتمعاتنا المفتوحة".
وتبين الصحيفة أنه من هنا "فإن على الردع الحديث أن يبدأ في الوطن: فيجب أن تكون ديمقراطياتنا أكثر مرونة، ولكن لا يتوقف الأمر هنا، ولكن يجب علينا أيضا ألا نسمح بالمساس بحلفائنا. والهجوم على استقرار الأحياء وحرية المجتمع المدني فيها يسيء لقيمنا، ويؤثر على مصالحنا، وستكون هناك تبعات للمغامرات غير المسؤولة والاستفزازات. وهذه ليست بالضرورة عسكرية، فقد تكون من باب العقوبات، وقد نجحت الدبلوماسية في حالتي إيران وروسيا".
وترى ستلزنمولر أنه "مع ذلك فيجب أن تحتوي جملة الردود التي في جعبتنا على استخدام القوة، وذلك لإعطاء المصداقية، وهذا يتطلب منا الاستثمار الجيد في إمكاناتنا الدفاعية. وعلى الزعماء الغربيين ألا يتخلوا عن الغموض، بأن يلغوا بعض الخيارات المطروحة على الطاولة، وهو الخطأ الجوهري الذي وقع فيه أوباما وميركل".
وتخلص الكاتبة إلى أن "هناك شيئا يبدو أننا نقوم به على وجه صحيح، وهو ليس هامشيا. فقد أفزعت الهجرة الجماعية للسوريين تنظيم الدولة وأغضبته، وكان استقبالهم الجيد من الكثير من الألمان وغيرهم أفضل وسيلة لتجفيف مصادر التجنيد لتنظيم الدولة".