كتاب عربي 21

النهضة التي نريد (1)

لطفي زيتون
1300x600
1300x600
تستشرف حركة النهضة مؤتمرا مفصليا في تاريخها باعتبار حجم القضايا والمراجعات المطروحة للنقاش والحسم خلاله، وذلك تعبيرا على أن الحركة ليست متعالية أو مستغنية عن المراجعات الفكرية وأن الوعي يتزايد داخلها أو في قطاع محترم منها يوما بعد يوم بضرورة هذه المراجعات، تفاعلا مع واقعها ومع تطلعات جمهورها وعموم الناخبين واستجابة لمجمل الرسائل التي تتلقاها، سواء عبر نتائج الانتخابات أو ملاحظات الدارسين والصحفيين والمقيمين لكسبها السياسي والحركي وكلها ملاحظات مرحب بها مهما كانت حدتها وتدخلها في ما يعتبره البعض شأنا داخليا وهو في الحقيقة شأن وطني منذ أن اختارت النهضة الصعود إلى دفة السلطة والمنافسة عليها..

وهذا المقال فاتحة مقالات حول النهضة التي نريد يبدأ بطرح الإصلاحات الفكرية ويتدرج لمعالجة كل قضايا السياسية والهيكلية المؤتمر العاشر في مقالات لاحقة. 

هناك وعي متزايد - رغم جيوب المقاومة السلبية - في صفوف النهضة قيادة وصفا أن المرحلة الجديدة التي أسست لها ثورة الحرية والكرامة تستوجب من كل التشكيلات والأحزاب السياسية التي نشأت في ظل الديكتاتورية أن تقوم بمراجعات جذرية تعيد من خلالها إنتاج نفسها على مستوى البرامج والرؤى والهياكل والسياسات والأهداف وذلك ما تحاول أن تقوم به النهضة أو قطاع منها من خلال المضامين التي ستعرض على مؤتمرها العاشر الذي سيكون هو الفيصل في قبول ذلك أو رفضه، وكلا الموقفين له استتباعاته وتكاليفه التي لا يجب أن يلوم النهضويون أحدا عليها سوى أنفسهم وقرارهم السيادي الحر.

من هنا فإن حركة النهضة التي نشأت في نسختها الأولى جماعة منغلقة سرية حاملة لهمّ الدفاع عن الهوية ومقتصرة عليه وجب عليها أن تواصل التطور الذي ميزها من خلال مسيرتها السياسية الطويلة وتفاعلها مع محيطها الوطني والدولي، لتتشكل بعد مؤتمرها القادم حزبا سياسيا وطنيا يعتبر أن التحول الذي طرأ في العالم وفي بنية الدولة التونسية وطبيعتها يسمح بأن يتحرر الإسلام من أسر الصراع السياسي ليعود إلى مكانته الطبيعية اهم مكون من مكونات الإجماع والاجتماع التونسيين وأهم مرجعية من مرجعيات الدولة التونسية، وهو باعتباره ذلك ملكا لجميع التونسيين بالتساوي سواء أكانوا يؤمنون به عقيدة أم ينتمون له ثقافة وحضارة، ما يمكنهم من توظيف قيمه والاستفادة منها في برامجهم ورؤاهم دون عقد ولا احتكار من جهة ما. 

وهو بهذا الاعتبار فوق النزاعات الحزبية والمنافسة السياسية، ذلك أنّ الأحزاب السياسية تُترجم رؤية إنسانية لتنظيم المجتمع وتطويره وليست ترجمة للرسالات السماوية المقدّسة.

وبهذا الاعتبار وجب على حركة النهضة باعتبار ما رسخ في أذهان الرأي العام الشعبي والنخبوي من احتكارها للصفة الإسلامية واستعمالها شعارا وأداة للصراع السياسي أن تبذل جهدا مضاعفا لتوضيح الصورة في اتجاهين: 

الأول، هو بذل الجهد لترجمة مبادئ الإسلام وقيمه الى برامج عملية تنفع المواطنين وترتقي بدولتهم دون حاجة إلى ما يوهم بتوظيف الدين مع ما يجره ذلك من تحميل الإسلام وزر أخطاء وتقصير وظلم المنتسبين إليه.

والثاني هو الاعتراف بأنّ اعتبار الإسلام أو غيره من الديانات السماوية بمنزلة الإيديولوجية يعكس خلطا غريبا على مستوى المفاهيم واستعمالا اعتباطيا للأنساق الفكرية فالدين عقيدة مُطلقة في الزمان والمكان، فيما الإيديولوجيات هي تصوّر فكراني مُصاحب لزمن معيّن وهي نتاج لسياق تاريخي وديناميكية اجتماعية معيّنة ومحدّدة في الزمان والمكان.

ومن هنا وجب التأكيد أنّ حزب حركة النهضة لا يعتبر الدين الإسلامي إيديولوجية بل يعتبره رسالة من الله عزّ وجلّ إلى العالمين وليس الى امة بعينها أو شعب أو فئة.. لتنظيم الكون ومنح دِلالة ومعنى وقيمة سامية للوجود الإنساني ولإخراج هذا الوجود من دائرة العبث والعدم واللامعنى.

وفي هذا السياق فان الحديث عن الفصل بين السياسي والدّعوي الذي يردده للأسف قطاع من النهضويين تجاوزا لا يعكس بدقّة حقيقة الديناميكية الحواريّة الفكرية والسياسية التي يجب أن يندرج فيها حزب حركة النهضة في سعيها إلى تطوير كفاءاتها البشرية الفكرية والتنظيمية لمعاينة متطلّبات النهوض بمجتمعنا والارتقاء بمؤسسات دولتنا.

فالمراجعة والتخصص والتعديل عنصر من عناصر استمرارية الأحزاب السياسية وشرط رئيسي لتطوّرها الذي يجب أن يكون عماده المحو العملي من خلال سلوكنا وليس اللفظي فقط أن النهضة لا تدافع عن تصوّر خاصّ بها للدولة وإنّما تدافع عن الاندراج في عملية بناء دولتنا التونسية الوطنية وتقويتها بما يؤهلها لتكون مُنظِّمة لمختلف التصوّرات السياسية وضامنة للتعايش الديمقراطي ويقتضي ذلك الاعتراف بكسب مؤسسيها وفهم مجالها الاستراتيجي ودعم عقيدتها العسكرية والأمنية والعمل على مصالحتها مع محيطها وشعبها ..

ومن هنا فالمجموعة الداعية الى الإصلاح داخل الحركة تأمل في أن تنتهي هذه المراجعات والإصلاحات إلى بلورة رؤية سياسية تنبني على التخصص وتفسح المجال أمام إبداع اليات جديدة مدنية تتولى حمل أعباء الانشطة المجتمعية التي وفرت لها النهضة حاضنة ومظلة وحماية في ظل تغول الديكتاتورية والتي لم يعد ينفع لا الحركة ولا المجتمع ولا البلاد أن تبقى ملتصقة بها بما يعطي صورة شمولية مضخمة وضبابية ومخيفة للحركة. 

والمستقر الآن بعد التجربة التاريخية أن الخلط الذي وقع في الماضي لم يكن مبررا حتى في أجواء الديكتاتورية فقد كان يسعنا أن لا نجاري الديكتاتورية في شموليتها وأن نصر على تحرر المجتمعي من السياسي في كل الأحوال وأن لا نحول الحركة إلى دولة موازية أو ما يشبه الطائفة المنغلقة.

وفي بعد آخر، يهمنا التأكيد أن حزب النهضة يجب أن يبذل الجهد في توضيح ما التبس في الأذهان من ارتباطه العضوي بتنظيمات خارجية من خلال التأكيد الواضح والنهائي والعملي أن النهضة لا ترتبط تنظيميا ولا سياسيا بحركة الإخوان المسلمين بالرّغم من الاستناد المشترك إلى الحضارة الإسلامية وإلى القيم الإسلامية الإنسانية التي نعتقد أنها أسّست لتحرير الإنسان من العبودية منذ فجر الإسلام، وساهمت في بناء الحضارة الإنسانية ولم تدعُ إلى هدم ما سبقها من فعل حضاري وأثر إبداعي بل حافظت عليه وأضافت إليه على عكس بعض الإيديولوجيات التي بلغت حدّ تحنيط البشر وعبادتهم في تاريخنا المُعاصر.. 

ذلك أنّنا نرى من الواجب ترسيخ أن الفكر الإسلامي الخلاّق تقدّمي بالضرورة ومُنحاز إلى الإنسان وإلى المساواة التامة بين سائر البشر وليس منحازا إلى طبقة أو جهة أو فئة أو عرق أو لون أو لغة.

إنّ التقاء حركة النهضة مع الإخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب والتجارب السياسية العربية حول مجموعة من القيم العامّة التي يتضمّنها ديننا الحنيف لا يعني ارتباطا تنظيميا أو هيكليا أو سياسيا بهذه الأحزاب والتجارب.

لقد نشأت في نهاية الستينات حركة النهضة تعبيرة بسيطة تحمل شعار الدفاع عن الهوية ثم تطورت بالتفاعل مع محيطها الوطني التونسي ونهلت من التراث الإصلاحي الوطني وكانت ولا تزال تعبيرة سياسية وثقافية متأصّلة في تربتها التونسية وعنوانا من عناوين النضال من أجل حياة أفضل لشعبها ومن أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتطوّر. 

 في هذا الصدد يجب الاعتراف أنّ حركة النهضة ما زالت لم تتشكل هويتها السياسية بالكامل حزبا ليبراليا مُحافظا كما يصفها البعض إنما هي حزب ديمقراطي يضمّ صلبه أطيافا فكرية وسياسية، منها من يميل إلى المحافظة، ومنها من يميل إلى التجاوزية والتقدّمية ومنها من ينحاز إلى مدارس الدفاع الاجتماعي والتخطيط المركزي للاقتصاد، ومنها من ينحاز إلى الاقتصاد الحرّ ولكن العنصر التجميعي بين جميع هؤلاء هو الإطار الديمقراطي للتفكير والنقاش والتفاعل والآليات المعقدة لإدارة الديموقراطية الحزبية وصنع القرار، سعيا إلى اختيار أفضل التصوّرات وأنجعها لخدمة الشأن العام وهذا ما نأمل أن يطلق المؤتمر العاشر حركة التدافع الفكري والسياسي حوله.

مما ترسخ أيضا لدى جزء من الرأي العام والنخبة الإعلامية والسياسية في بلادنا، تهمة ازدواجية الخطاب لدى حركة النهضة فوجب ان تتسم قرارات المؤتمر العاشر وما يليها من ممارسة بصدقية عالية وبتناسق بين الأقوال والأفعال يقنع الناس أن حركة النهضة لم تعد تحمل خطابا مزدوجا.
التعليقات (2)
عماد
الأربعاء، 02-03-2016 07:06 م
ما ذكرت من الجهد الذي بذلته النهضة في دفع تهمة احتكار صفة الإسلام "لترجمة مبادئ الإسلام وقيمه الى برامج عملية تنفع المواطنين وترتقي بدولتهم" يجب تجاوزها سياسيا لوهنها. لأنه وقع استعمالها من طرف نظامين مستبدين لا يعرفان من الإسلام إلا إسمه ولا من القران إلا رسمه. ادركا أن من الحركات التي بإمكانها سحب البساط من تحت اقدامهما حركة ألإتجاه الإسلامي. وان استعملا احتكار الدين ضد حركتك فقد استعملا محاولة قلب النظام ضد الخصم الآخر، أو استعمال العنف، ثم الإرهاب ضد كل معارض، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا من يريد حجب الشمس بالغربال. واستغرب ما تردفه محاولا تبرير ما ترنو اليه -في آخر مقالك - من فصل العمل الحزبي عن العمل الدعوي فتقول : "دون حاجة إلى ما يوهم بتوظيف الدين مع ما يجره ذلك من تحميل الإسلام وزر أخطاء وتقصير وظلم المنتسبين إليه." ! أرى تتحزلق وكأنك بصدد اشتراء ود المنبتين والمتطفلين على ديننا وحضارتنا. رأيك هذا ينطبق على رجال الدين الكنسي ولا على اسلامنا، لانه من اجتهد واصاب له أجران وان وقع توضيف أو محاولات توضيف الدين عبر تاريخنا بما في ذلك النظامين السابقين المحسوبين على ألائكيه لم يرجع هذا التوضيف الا على مقترفيه. أذكر على سبيل المثال من تاريخنا الدولة الموحديه. كما تلاحض حتى الإسم فيه ما فيه من توضيف للدين وديننا منه بريء. مقالتك كأنها محاولة للوقوف على الربوة بقولك : "وفي هذا السياق فان الحديث عن الفصل بين السياسي والدّعوي الذي يردده للأسف قطاع من النهضويين تجاوزا لا يعكس بدقّة حقيقة الديناميكية الحواريّة الفكرية والسياسية التي يجب أن يندرج فيها حزب حركة النهضة في سعيها إلى تطوير كفاءاتها البشرية الفكرية والتنظيمية لمعاينة متطلّبات النهوض بمجتمعنا والارتقاء بمؤسسات دولتنا." مدعما إياه ب" إنما هي [النهضة] حزب ديمقراطي يضمّ صلبه أطيافا فكرية وسياسية،" متناسيا أن الديمقراطيه ما هي الى عصارة تفكير العقل الغربي اذ أن الديمقراطيه كان يصفها أفلاطون نفسه "بحكم الفوضى" ! فعلينا صياغة مفهوم على النهج الإسلامي يقوض حكم الفوضى هذا !
hassan
الثلاثاء، 01-03-2016 12:58 م
والله لا تريدون الا المناصب .کفاگم خداعا.والدين منکم براي