مدونات

جمعة الكرامة

ثورة
ثورة
 نضال الباسم، شاب ناجح ومكافح، كان والده قياديا يساريا، وعندما رزق بنضال في بداية نضاله الثوري، أطلق عليه هذا الاسم،والذي يختزل أحداثمرحلة الستينيات والسبعينياتمن القرن الماضي، وما شهدته تلك المرحلة من ثورات عربية، أطاحت بالحكم الاستعماري، والحكم الرجعي الاستبدادي، الذي كان يهيمن على بعض أقطار العالم العربي، اغتيل والد نضال في ظروف غامضة، وهو في العاشرة من عمره، الغياب الدائم والمبكر لأبيه، لم يؤثر عليه كثيرا، في مسيرة حياته، فقد أكمل دراسته الجامعية، ولم يضطر لترك الدراسة من أجل السعي وراء لقمة العيش، فقد كان يعمل موظفا إداريا في مقر الحزب الحاكم، بعد الظهر، كان نضال عكس والده تماما، فقد كان انتهازيا إلي أبعد الحدود، وبرجماتيا يدور مع المصلحة أينما دارت، وكان تفكيره سطحيا، وكان مقتنع بذلك تماما، فليست لديه الرغبة لسبر أغوار ما يدور حوله، وكان شعاره في هذه المسألة دائما ( إن هناك أشياء غير مفهومة تحدث في الحياة، والأفضل أن تظل كذلك )، وعندما اندلعت ثورة 11فبراير الشبابية عام 2011م، لم يكترث لها من قريب أو بعيد.

وعندما أصدرت قوى النظام، تحليلات،وأحكام مسبقة، عن شباب هذه الثورة الأبرياء، تلقفها عقل نضال الباسم، بلا تفكير، ولم يكلف نفسه عناء البحث والتحليل والمقارنة فيما يطرح حول هذه الثورة، ولكنه جعل الآخرين يفكرون بدلا عنه، وسلم عقله لهم، ليسكبوا فيه ماشاؤوا، وعندما جاء إليه صديق، طفولته،ودراسته سيف القادري يطلب، منه الانضمام الي هذه الثورة، قهقه ضاحكا حتى برزت نواجذه، وقال ( كيف أنضم لشباب، دفعتهم القوى المعادية للوطن للخروج على الحاكم، مقابل أثمان بخسة؟ ) سيف القادري (وهل تصدق مزاعم وإدعاءات قوى النظام ؟ ) نضال ( سأكون صادقا معك، كما عهدتني دائما، إذا نالني من الحب جانب، مما حصلتم عليه، فأنا مستعد لأنضم إليكم ) صوب صديق عمره سيف القادري إليه نظرة يملأها الاحتقار، وتركه، ورحل بدون أن ينبس ببنت شفة، بعدها بعدة أيام، طلب مسؤول رفيع يعمل في مقر الحزب الحاكم، الذي يعمل فيه، نضال، منه أن يلتقي به لأمر هام، وفي اللقاء، وجد نضال عدد من زملائه الشباب العاملين في المقر هناك، طلب منهم هذا المسؤول تقديم استقالاتهم بشكل علني من العمل في المقر، والانضمام الي شباب ثورة فبراير، والتوجه الي ساحة الاعتصام ابتداء من صباح اليوم التالي، كما أخبرهم أن هناك نفقات ستصرف لهم، تصل إلي مائة دولار أمريكي يوميا، تهللت أسارير نضال الباسم، فالمال عنده،هو كل شيء، قطع حبل أفكاره المادية الضحلة.

 صوت المسؤول وهو يقول لهم، (نريد منكم تقرير يومي عن كل ما يجري هناك، ونريد أسماء المعتصمين، وكل ما يخططون له، في ساحة الاعتصام ) في صباح اليوم التالي، كان نضال الباسم،في مقدمة الحشود، في ساحة الاعتصام، هتف حتى بح صوته، بعبارات نارية وجريئة، تطالب برحيل النظام، وتكشف فساده واستبداده، أصبح يتواجد على المنصة، بشكل شبه يومي،كان يلقي بالخطب الرنانة والأشعار الثورية، وينتحب على الوطن الذي سلبه النظام لأكثر من ربع قرن من الزمان، أصبح ناشطا سياسيا في غمضة عين، واستضافته، القنوات المساندة لثورة الشباب بشكل دائم، كما استضافت زملائه، لقد سيطر نضال الباسم وزملائه، على منصة الاعتصام، وكانت لهم أكثر من ثلاثة وعشرين خيمة اعتصام في الساحة، ونجحت أهداف من زرعوهم في الساحة بين الثوار بامتياز، وفرح سيف القادري،كثيرا، عندما انضم نضال إلي الثورة، وعندما التقى به في ساحة الاعتصام، قال له وهو يسدد إليه هذه المرة نظرة يملأها الإعجاب، والفخر،و يشوبها بعض الشك ( أخيرا،اقتنعت، مرحبا بك، في رياض الخير، والتغيير ) نضال ( لقد وجدت ذاتي، هنا، بينكم )، بعد عدة أيام، اختار شباب الثلاثة والعشرين خيمة الثائر نضال الباسم، مسؤولا إعلاميا عن ساحة التغيير، في العاصمة، ومنسق اللجنة الإعلامية، في الهيئة التنسيقية لمجلس شباب الثورة السلمية، أصبح نضال الباسم، من رموز ثورة الشباب، بينما أقصى سيف القادري وزملائه الثوار، من تنسيقية مجلس شباب الثورة، ومن الاستضافة في كل القنوات المساندة للثورة، و من منصة ساحة الاعتصام، وأقصوا أيضا من الحياة،في يوم جمعة الكرامة، ذلك اليوم الذي تلاشى فيه نضال الباسم،وكل زملائه، من الساحة قبل الهجوم عليها بدقائق معدودة، بعد أن تم إخطارهم بأن يغادروا الساحة، عقب انتهاء صلاة الجمعة مباشرة.

كان خطيب جمعة ذلك اليوم الدامي في ساحة الاعتصام، هو نضال الباسم، الذي ألقى خطبة رنانة، بليغة،و ثورية، حتى النخاع، وكما بدأ خطبته بأبيات شعرية، ثورية،من قصائده،ألهبت حماس الحاضرين، والمشاهدين للخطبة التي كانت تبث على الهواء مباشرة، ختم خطبته، بأبيات شعرية، ثورية، بثت روح الحماسة،والشجاعة،والإقدام، في قلوب شباب الثورة، في كل مكان، وبينما كان نضال الباسم، متواريا عن الأنظار، في منزل قريب، من ساحة التغيير، يكتب قصيدة عصماء أخرى، يرثي فيها شهداء جمعة الكرامة، استعدادا لإلقائها في القنوات المساندة للثورة، وفي ساحة التغيير، يوم غد، كان سيف القادري، وزملائه، يواجهون،رصاصات الغدر، بصدورهم العارية، إلا من الحب الطاهر لهذا الوطن الأسير، والمخدوع، كانوا يتساقطون، الواحد تلو، الأخر، كأوراق الخريف، لم يخشوا الموت في ذلك اليوم، ولكن الموت كان يخشاهم، ولم يخطف أرواحهم، إلا على استحياء، وخوف، ورهبة، خطف الموت أرواحهم، وهو يؤمن، أنه، يحررهم، من الخيانة، والغدر،والمكر، والخداع، لقد تمنى الموت فقط في ذلك اليوم،أن يعصي الأوامر، وأن يتمرد، وينزع روح نضال الباسم،ورفاقه، القابعون في المنازل المجاورة للساحة،وأن ينزع روح القتلة، ومن يقف ورائهم،لقد تمنى الموت في ذلك اليوم أن يقاتل في صف سيف القادري ورفاقه الأحرار، لقد روت دماء سيف القادري ورفاقه، شجرة الحرية، والكرامة، والتغيير، فنمت،وتعاظم نموها، وأطبقت بأفرعها و بأغصانها، وأوراقها الذهبية،على أعناق الطغاة والمستبدين والجبابرة، فأجبرتهم على الرحيل، في الذكرى الأولى لجمعة الكرامة، وقف الوزير الشاب نضال الباسم،الذي جاءت به ثورة فبراير الشبابية الي الوزارة ممثلا عن الثلاثة والعشرين خيمة ،أمام الحشود الشبابية في ساحة التغيير، وألقى خطابا ثوريا بليغا كعادته، ورثى شهداء جمعة الكرامة، حتى تساقطت دموع الحاضرين،وعلا نحيبهم، وقبل أن يسترسل في رثائه، غارت عيناه من هول ما رأت، وعقدت المفاجأة لسانه، فتلعثم، وتأتأ،فلقد كان "سيف القادري " يقف هناك بين الحشود، يرمقه بنظرة يملأها الاحتقار.

0
التعليقات (0)