قضايا وآراء

سيناريو الثورة المضادة 2 (الحلقة الأولى: باختصار)

1300x600
1300x600
مقدمة

ماذا يحدث في مصر؟ هل يسقط الانقلاب كي تنتصر الثورة، أم هناك من يخططون لطريق آخر؟ ما المقصود بـ"الثورة المضادة 2"، وهل الثورة المضادة على الانقلاب قادمة فعلا؟ من سيقودها، ولماذا نتحدث عن ذلك الأمر في هذا التوقيت تحديدا؟ هل هي أفكار ورؤى وتوقعات، أم هناك حقائق ومعلومات تؤكد وجود تخطيط لثورة مضادة قادمة، ستسعى للخلاص من الانقلاب من ناحية ومن الثورة من ناحية أخرى أيضا؟

هذه الدراسة هي الحلقة الأولى من مجموعة دراسات ومقالات تشرح ملامح "الثورة المضادة 2"، وتحذر من مخاطرها، وتنبه الأحرار عمن يتعاونون مع هذه الثورة المضادة في نسختها المحتملة. كما سنحاول رسم ملامح مقاومة هذه الثورة المضادة القادمة، وضع أسس تمكين الثورة المصرية من الانتصار إن شاء الله. لنبدأ بالإجابة عن سؤال: ماذا سيحدث؟

ملامح "الثورة المضادة 2"

1. القوى الفاعلة (ثلاثية وليست ثنائية):

• يظن كثيرون أن الصراع ثنائي بين ثورة وانقلاب. الحقيقة أن الصراع ثلاثي، وليس ثنائيا، وهو بين ثلاث قوى متباينة ومختلفة:

• 1) الثورة: بكل أجنحتها الإسلامية والليبرالية والقومية والمستقلة.

• 2) الانقلاب (العسكر): السيسي، قيادات فاسدة في المؤسسة العسكرية، والمتقاعدون منها، والمخابرات الحربية.

• 3) الدولة العميقة (الفلول): أصحاب المصالح والفاسدون من بعض رجال الأعمال والقضاء والإعلام والأجهزة الأمنية (أمن دولة ومخابرات)، والفاسدون من كبار رجال الوزرات والمحليات والمصالح الحكومية، وفسدة المؤسسات الدينية.

• هذه القوى الثلاث (ثورة - عسكر - فلول) هي قوى متباينة، ومختلفة، ومتصارعة أيضا، بسبب النظرة المختلفة لكل منهم حول مستقبل مصر.

• لا تتحد هذه القوى المتصارعة بعد الثورة إلا بشكل استثنائي. وقد وقعت الثورة المصرية في هذا الشكل الاستثنائي للأسف كما سيتضح.

• قبل الثورة كان من السهل أن يجتمع العسكر مع الدولة العميقة. أما بعد الثورة فقد أصبح ذلك غير ممكن إلا كاستثناء.

2. حسم الصراع:

• صراعات مصر حسمت طوال الأعوام الخمسة الماضية باتفاق قوتين من القوى الفاعلة، للخلاص أو تحجيم القوة الثالثة. هذه المعادلة التي يمكن اختصارها في عبارة (2 ضد 1) لا تزال تحكم منطق التفكير، وتمهد لـ"الثورة المضادة 2" كما يلي:

• قبل الثورة: استقر نظام (2 ضد 1) عبر تحالف العسكر والدولة العميقة، فتم تحجيم الثورة ما أمكن.

• كانون الثاني/ يناير 2011: انضم العسكر إلى الثورة، فتم تحجيم الدولة العميقة، وجرى تمرير فكرة أن الجيش ساند الثورة.

• حزيران/ يونيو 2012: قبل التيار الإسلامي بفكرة "الجيش والشعب إيد واحدة" من أجل الحكم! وقبل العسكر لحفظ مكانتهم، ولترتيب الانقضاض، وبدأ العمل على تقسيم الثورة (إخوان - ثوار) برعاية العسكر والفلول.

• تموز/ يوليو 2013: انضم العسكر إلى الدولة العميقة، فتم تحجيم الثورة المقسمة في المرحلة السابقة (عبر قمع الإخوان ومن ناصرهم - تهميش البقية)، وقبل الفلول وشاركوا ليعودوا للمشهد.

• عام 2016: قرر الفلول تحجيم العسكر لكي يعودوا للمشهد، وبالعقلية السائدة، فهم يتحركون نحو ترتيب (2 ضد 1) لأنها ما نجحت طوال الفترة السابقة.

• هذا يعني (ثورة - فلول) ضد (عسكر)، وإن كان صعبا فقد يكفي استمالة أو خداع "عناصر من الثورة" للتعاون معهم من أجل تحجيم العسكر! وهذا سيؤدي إلى "الثورة المضادة 2".

• عقلية (2 ضد 1) عقلية فاسدة لن تنجح في تحقيق انتصار الثورة. الثورة لن تنتصر إلا بعقلية جديدة تنص ببساطة على (1 ضد 2) أو الثورة مقابل (عسكر فاسد - دولة عميقة).

3. القوى الإقليمية والدولية:

• كانت هذه القوى تفضل التعامل مع الدولة العميقة طوال 60 عاما مضت. الثورة في نظرهم كانت مفاجأة، ويجب أن تكون أيضا - حسب تقديراتهم - ليس أكثر من "حدث عابر".

• لذلك تم تشجيع الانقلاب. لكن أثبت العسكر والانقلاب فشلا ذريعا وسرقات لا نهاية لها، وغباء لا حد له، فأصبح ينظر لهم أنهم مرحلة انتقالية غير مستقرة.

• العودة للاستقرار في نظر تلك القوى الإقليمية والدولية تقتضي عودة الدولة العميقة (نموذج رومانيا) مع التضحية ببعض رموز الفلول من أجل العودة. ولننظر إلى المراحل:

• جاءت الثورة المصرية لتهدد استقرار الملكيات والدول القمعية في الوطن العربي (ثورة يناير).

• القوى الدولية لم تجد بديلا في لحظتها سوى الاستجابة لحراك الشعوب، ولكن المصالح الدولية سرعان ما اكتشفت أن الربيع العربي يريد استقلالا وتقدما وقوة، وليس مجرد حكم. انقلبت تلك القوى فورا، وبدأت تخطط لبدائل.

• تم استيعاب الثورة أولا بالتماهي معها، بشكل مرحلي، ثم محاولة تطويعها وتوظيفها (حكم الإخوان).

• أثبت عام الحكم للإخوان للقوى الإقليمية والدولية، بشكل عملي، أن طريق التعامل مع الثوار مزعج، وقد يكون خطيرا أيضا.

• تلا ذلك محاولة الخلاص المسلح من الثورة، ومن حكمها عبر الانقلاب (بتأييد ومشاركة إقليمية ودولية في التخطيط له، وفي التنفيذ كذلك، وسرعة تكوين القبول الدولي له).

• انفراد السيسي، مع ضعفه وهشاشته وعجزه عن إنهاء الثورة، واستمرار عدم الاستقرار، هي أمور تؤكد للجميع الحاجة لبديل عنه، والترتيب لشكل جديد يمهد للخلاص منه.

• الخيار المنطقي إقليميا ودوليا للبعض هو استعادة الدولة العميقة. لذلك التخطيط جار للخلاص من العسكر لاستعادة الدولة العميقة مرة أخرى عبر "الثورة المضادة 2"، لأنها الخيار الأسلم لتلك القوى الإقليمية والدولية أيضا، وللخلاص من شبح عودة الثورة أيضا (راجع نموذج رومانيا).

• التردد في دعم السيسي حاليا (إقليميا ودوليا)، وإيقاف أو تعطيل المساعدات له، مع رفع درجة الحديث عن الانتهاكات لحقوق الإنسان (إيطاليا وغيرها)، هو تمهيد للانتقال نحو استعادة الدولة العميقة للحكم، بناء على فشل العسكر، وضعف الثورة. يخطئ من يظن أن القوى الدولية أو الإقليمية في هذه المرحلة تنتظر عودة الثورة المصرية، أو ستختارها. الثورة المصرية يفرضها الشعب المصري فقط، وغير ذلك وهم كبير.

• يمكن في ظل ما سبق فهم الموقف الأوروبي، والأمريكي، وكذلك الموقف السعودي، وغير ذلك من المواقف التي قد تبدو غير مفهومة في ظل الفكر الثنائي (ثورة - انقلاب)، بينما تتضح بسهولة عندما نفكر عمليا في النموذج الفعلي الثلاثي (ثورة - عسكر - فلول).

5. إنهاك وتقسيم وتنازل الثورة المصرية:

• لكي تستطيع الدولة العميقة أن تعود إلى الحكم، لا يكفي الخلاص من الانقلاب، لكن المهم أيضا إضعاف قدرة الثورة المصرية على أن تكون بديلا.

• الأهم والأخطر أيضا، هو استخدام عناصر من الثورة المصرية، كي تساعد في كسر الانقلاب من ناحية، والتمهيد لعودة الفلول من ناحية أخرى. يستلزم ذلك ما يحدث حاليا من:

• الانشقاق الطولي داخل الثورة المصرية: بتقسيم الثورة، وتشجيع تقسيم الثوار إلى ليبراليين منفصلين عن إسلاميين متناحرين عن ثوار محبطين، بدون أي أدوات تغيير لأي منهم. كما يتم إشغال الجميع بفظائع وجرائم الانقلاب - وهي حقا فظائع - بحيث يصبح الخلاص من تلك الجرائم والفظائع انتصارا، حتى لو تم على يد مشكوك في انتمائها للثورة. هذا الانشقاق الطولي تجري تغذيته وتأكيده وتقوية مفاهيمه طوال الوقت من خصوم الثورة.

• الانشقاق الطولي داخل أهم القوى الثورية: ويعني ذلك تقسيم التيار الإسلامي، وتحويله إلى كيانات متباغضة متباعدة متناحرة، ومشكوك في ولائها للثورة، وتوريطها في طرفي نقيض: إما في تنازلات، أو في عنف وتسلح وغلو. مثال ذلك الواضح هو ثنائيات (حزب النور - مقابل إرهاب) (شق جماعة الإخوان - وتبادل الاتهامات)، (تيار الاصطفاف - تيار سب العسكر) إلخ. ويتم الانشقاق الطولي دائما بتكوين فريق يتم وصفه بالمسالم أو المتحضر أو "الوطني"، وهو الفريق المجهز لقبول التنازلات، وغالبا يقوده رجال لهم صلات سابقة مع الدولة العميقة، مقابل فريق آخر يتم وصفه بالتفلت، وعدم الانضباط، ويجري استخدامه لإضعاف الانقلاب، وصورته وهيبته، ومن ثم سيتم اتهامه لاحقا بسهولة بالإرهاب أو بالعمل المسلح، ليتم إخراجه من المشهد فور نجاح "الثورة المضادة 2"، وسيتم ذلك بقبول الجميع، وعلى رأسهم فريق التنازلات. لا نشكك مطلقا في وطنية العاملين للثورة من النخب والقيادات والمفكرين، ولكن نحذر من خداعهم، أو توريطهم، ونرى جميعا شواهد واضحة تشير إلى الخداع والتوريط.

• تكوين ثقافة تقبل بالتنازل ضمن الكيان الثوري: تأكيد أفكار الواقعية مبررا للتنازل، وتحويل المقاومة للانقلاب إلى معارضة له، واستحداث كيانات ومصطلحات تهون من شأن الثورة مقابل التعاون مع الجميع، والوصول إلى حلول "واقعية"، والتأكيد على فكرة أن الخلاص من "السيسي" هو الانتصار، وليس غير ذلك. ويجري في ظل ذلك اتهام كل من يرفض "الواقعية" أنه لا يشعر بمعاناة المعتقلين، ولا يريد لمصر الاستقرار، ويميل نحو الإرهاب، ويسعى إلى هدم الدولة المصرية. هكذا يتم تخفيض الحديث الثوري إلى أدنى درجة ممكنة.

• التركيز على "التنازل عن ماذا" لتمرير "التنازل لمن": هناك حراك كبير داخل الساحة الثورية حول منع التنازل عن الثوابت (القصاص، الشرعية، الاستحقاقات.. إلخ)، وكلها أمور هامة ومحورية، ويجري حقيقة إشعالها باستمرار لهدف محدد لا ينتبه له الكثيرون ضمن حالة الحماس مع أو ضد تلك الثوابت. يستخدم كثرة الحديث عن الثوابت مع أهميتها لإخفاء السؤال الأهم والمطلوب إخفاؤه، وهو: لمن يتم إعداد التنازل؟ يظن الجميع تقريبا أن التنازل هو تنازل للانقلاب أو للسيسي أو للعسكر، ولذلك لا يستطيعون فهم أن من يمكن أن يتنازلوا، هم أيضا يهاجمون الانقلاب بضراوة، فكيف يمكن فهم ذلك؟ الحقيقة أن التنازل الجاري الإعداد له، هو التنازل للدولة العميقة، وليس التنازل للانقلاب. هذا سيفسر للكثيرين العديد من الظواهر الموجودة داخل الكيان الثوري حاليا، ويصعب فهمها ضمن إطار التفكير الثنائي (ثورة - انقلاب) بينما الحقيقة أن حل المشكلة يكمن في التفكير الثلاثي (ثورة - عسكر - فلول)، وبالتالي يمكن أن يفهم لمن يتم التنازل فعليا، بين بعض المحسوبين على الثورة، وكيف يتم إخفاء ملامح هذا التنازل، بالتركيز على الفكر الثنائي مقابل الواقع الثلاثي للصراع.

6. دور الفاسدين من رجال الأعمال:

• تعتمد الدولة العميقة بشكل كبير على رجال أعمال فاسدين يستطيعون توفير المال والعلاقات اللازمة للتحكم في المجتمع، وضمان نهب ثروات مصر بشكل منظم ودائم.

• اختلت المنظومة بشكل يستدعي أن يقف رجال الأعمال الفاسدين ضد السيسي وضد الثورة أيضا، من أجل استعادة فرصتهم وقدرتهم على استمرار امتصاص خيرات الوطن. القصة ببساطة كالتالي:

• كانت المعادلة غير المكتوبة خلال فترة حكم الدولة العميقة (6 عقود متتالية)، هو تقريبا ثلث النهب للدولة العميقة، وثلث النهب لفاسدي المؤسسة العسكرية، وثلث النهب لرجال الأعمال الفاسدين. كان جميع الفاسدين متصالحون على هذا. كان رجال الأعمال الفاسدين قادرون على توفير الرشاوى الكافية لفسدة القطاع الحكومي والإعلام والقضاء أيضا. لذلك كانت دورة الفساد شبه مكتملة وشبه مستقرة.

• جاءت الثورة لتفسد تركيبة توزيع النهب في مصر، ثم جاءت الانتخابات لتؤكد أن الإخوان غير قادرين من ناحية، وغير راغبين من ناحية أخرى على فهم طبيعة تقسيم الغنيمة التي تسمى مصر. كان لا بد من الخلاص منهم، حتى تعود الأمور لطبيعتها في النهب! تعاون رجال الأعمال الفاسدين مع الدولة العميقة من أجل الخلاص من الثورة، ومن أجل الخلاص من حكم لا يفهم مطالبهم، ولن يستجيب لها بالشكل المطلوب. وافق هذا طموحات إقليمية تخشى من تصدير المزاج الثوري، مع قيادات عسكرية خائنة للوطن، وحدث الانقلاب.

• ظن رجال الأعمال الفاسدين أن الانقلاب سيعيد منظومة "الثلث" للجميع (دولة عميقة - قادة عسكر فاسدون - رجال أعمال فاسدون)، ولكن غباء السيسي وطمعه في الاستئثار بكل الكعكة بدا واضحا، وكذلك دخول وإدخال الجيش في كل مناطق النفوذ المالي داخل مصر لينافس الدولة العميقة، وينافس رجال الأعمال الفسدة استنفر الجميع. ليس البديل بالقطع - في نظر هؤلاء - أن تنتصر الثورة، ولكن أن تنتصر الدولة العميقة من جديد، ولذلك نشأت الحاجة إلى "الثورة المضادة 2"، مع أهمية تمريرها للقضاء الكامل على الثورة المصرية أيضا.

• يمكن في ظل ما سبق فهم لماذا يتحدث رجال أعمال بقوة ضد السيسي مؤخرا، ولماذا تتحول الأجهزة الإعلامية التابعة لهم إلى الهجوم على الانقلاب داخليا، مع استمرار الهجوم عل الثورة، رغم أن هذه الوسائل الإعلامية كانت مناصرة للانقلاب من قبل.

7. القضاء والإعلام والأجهزة الأمنية والمؤسسات الدينية:

• تعتمد الدولة العميقة على منظومة متكاملة من البيروقراطية الفاسدة، مع الإعلام المجرم، مع الأجهزة الأمنية القمعية، والمؤسسات الدينية المغيبة للجماهير. هذه المنظومة استقرت طوال العقود الستة الماضية، وجاءت الثورة المصرية لتوجه لها ضربة قوية ولكنها لم تكن ضربة قاصمة. وحدث ما يلي:

• تلقت أجهزة الدولة العميقة ضربات الثورة المصرية، ولكنها بدأت فور سقوط مبارك في الالتفاف على الثورة لإجهاضها داخليا.

• ساهم فسدة العسكر مع القضاء الفاسد، في حماية وتأمين الإعلام والأجهزة الأمنية الفاسدة من السقوط التام، وتم توفير فرص استعادة التوازن لتعود تلك القوى إلى المشهد دون انكسار تام.

• جرى تشجيع الخلافات الدينية، وتنميتها بأكبر قدر ممكن، لتشجيع ثقافة أن الثورة ستؤدي إلى عدم الاستقرار، واستخدمت الكنيسة والأزهر عبر الفاسدين في الكيانين من أجل تمرير ذلك. كما جرى إشعال فتيل الصراع والخلاف بين الإسلاميين والإسلاميين، وبين الإسلاميين والثوار، ووقع الكثيرون في الفخ، وكانت المحصلة إضعاف الجميع للجميع، وإتاحة الفرصة للدولة العميقة لكي تستعيد سيطرتها تدريجيا.

• جرى توجيه كل تلك الأجهزة، لإضعاف حكم الإخوان بكل طريق ممكن، وكذلك التمهيد للانقلاب، ومساندته للخلاص من الثورة، ومن الإسلاميين في ضربة واحدة قاصمة، على اعتبار أن السيسي سوف ينصاع للدولة العميقة ويعمل وفق برنامجها.

• استفاد الانقلاب من كل هذا، وحركه أيضا، مع انصياع تلك الأجهزة السيادية والإعلامية والقضائية والأمنية ظاهريا لطلبات الانقلاب، رغم أن الولاء الحقيقي لها مرتبط برجال الدولة العميقة، الذين كان كثير منهم في السجون حتى تلك اللحظة، وجرى إخراجهم جميعا تدريجيا عبر القضاء مع الأمن.

• التزمت الأجهزة الأمنية (الداخلية - الأمن الوطني - المخابرات) بأن تصطف مع السيسي ومع الانقلاب، رغم أن ولاءها الحقيقي مرتبط بالدولة العميقة بشكل عضوي كامل. اقتضت ضرورة اللحظة، وحماية الضباط من أية محاكمات، أن يلتزم الجميع بالولاء المؤقت للسيسي وللانقلاب.

• أمضت تلك المؤسسات العام الأول والثاني للانقلاب في مظهر مساند للانقلاب (بشكل مظهري وليس حقيقيا)، مع استكمال إخراج كل قيادات الدولة العميقة من السجون. واتضح كذلك خلال تلك الفترة أن السيسي والانقلاب يسعى للسيطرة الكاملة، وليس لتقاسم الكعكة مع أحد.

• مع العام الثالث، بدأ تدريجيا تحريك تلك المؤسسات الأمنية والإعلامية والقضائية والدينية كاملة من قبل الدولة العميقة، لكي تبدأ تدريجيا في إضعاف هيبة الانقلاب، وإظهاره بمظهر العاجز بشكل مستمر، مع استمرار الهجوم على الثورة والثوار.

• كل ذلك يعني بوضوح، أو هناك ترتيب يجري لخيار ثالث، وهو "الثورة المضادة 2"، وهو ما يجري على قدم وساق حاليا، ويدرك السيسي ذلك بوضوح، ولذلك بدأ في محاولة إنشاء جهاز سيادي جديد سري، ليسمح له بالسيطرة "الاتحادية"، وبدأ في توجيه ضربات جديدة للدولة العميقة من ناحية، ومحاولة استمالتها من ناحية أخرى، كما ظهر في التغيير الوزاري الأخير.

هذا باختصار شديد، رفع للواقع الذي ترتسم من خلاله ملامح "الثورة المضادة2"، وتبقى العديد من الأسئلة الحائرة والهامة، يجب الإشارة لها هنا، ومن أهمها:

ماذا عن الشرعية ود. مرسي والاصطفاف!

هذه الثورة المضادة سوف تتخلص من السيسي إن استطاعت، ومن الانقلاب بأكمله. والأهم أنها سوف تحاول الخلاص من الثورة المصرية أيضا عبر إعطائها شكلا صوريا لانتصار الثورة. سوف يتم استخدام عناصر من المنتمين إلى الثورة المصرية للمشاركة في الخلاص من الانقلاب بحيث يبدو الأمر، وكأن "القوى الوطنية" كلها شاركت في الخلاص من الانقلاب، بينما الحقيقة أنه يجري أيضاً الخلاص من الثورة، بشكل تام ونهائي أيضا، أو هكذا يحسبون.

سيتم حل مشكلة "عودة الدكتور مرسي" بالخداع. لا نشك في وطنية الدكتور مرسي، ولا غيره من الأحرار. لذلك نقول إنه سيتم خداعهم خدعة كبرى يجري التجهيز والإعداد لها على قدم وساق. سيتم استخدام عودة مؤقته "ظاهرية" له، لمدة قصيرة للغاية، يسلم بعدها الحكم لمجلس رئاسي أو استشاري أو غير ذلك، وفق ضمانات دولية وإقليمية، وللأسف "إخوانية" أيضا، إن استطاعوا تمرير ذلك، عبر أحد الفريقين المتنازعين من الإخوان. هذه ستكون الخطوة الأولى في عودة الدولة العميقة للحكم!

سيظن البعض أن هذا هو انتصار الشرعية وانتصار الثورة، فقد عاد د. مرسي، وسيحارب ذلك فريق آخر من الثوار سيكون لحظتها منشغلا بعدم عودة د. مرسي، وسيسمح لهم بالتعبير عن ذلك أيضا، بل سيتم تأجيج تلك المشاعر والمواقف والتركيز عليها. ما يتم في الحقيقة هو استخدام د. مرسي "قنطرة" من أجل استعادة الدولة العميقة للسيطرة الكاملة على مصر، بالتوافق مع ما سيتم تسميته "القوى الثورية"، وتكوين مجلس يضم الجميع من أجل "وهم الانتصار"، وهو ما سيتضح في الفقرات التالية.

سينخدع البعض أن ما يحدث هو توافق واصطفاف وطني، وأن مجلسا مدنيا أو رئاسيا هو خطوة انتقالية، ولكن الحقيقة ستكون أنه قد تم استخدام د. مرسي وأنصاره قنطرة كي تعود الدولة العميقة لقمع جميع الثوار أو تدجينهم أو الاثنين معا. هل سيقبل د. مرسي هذا الدور؟ أتمنى لا. لكن تجري محاولة خداع كبرى له وللإخوان ولتيار الاصطفاف كذلك، وقد يجد الجميع أنفسهم في نهاية الأمر مجرد وسيلة انتقال، استخدمتها الدولة العميقة للخلاص من الثورة ومن العسكر أيضا، وتحجيم الجميع إلى الحجم المناسب للدولة العميقة لحظتها. وماذا عن الفريق المعترض على عودة د. مرسي؟

سوف تستجيب الثورة المضادة له، لأن الأمر مقرر مسبقا، أنها ستكون فترة قصيرة للعودة. سيسمح للشارع بالانفجار ضد عودة د. مرسي، وهنا سيتأكد الجميع من أهمية تنفيذ الاتفاق، وهو أن يتنازل د. مرسي للمجلس المدني. هنا سيشعر الفريق الثاني من الثورة المصرية، أنه قد انتصر أيضا بعدم عودة د. مرسي. هكذا يتم تدجين الفريقين داخل الثورة المصرية، وإقناع كل فريق منهم أنه قد حقق ما يريد. بالطبع سيتم استخدام كافة الأدوات الإعلامية، وفرق التدخل السريع من النخب المتخصصة لتمرير ذلك على الشباب الثائر في الطرفين. من سيعترض بعد هذه "الانتصارات" للجميع - أو وهم الانتصارات - سيتم وصفه بسهولة أنه ليس إلا محبا للإرهاب وكارها للاستقرار! وهي التهمة الأسهل يومها.

من سيقود "الثورة المضادة 2"؟

سيقود الثورة المضادة ظاهريا في البداية "مجلس مدني" أو "مجلس استشاري". سيتم تمرير فكرة أنه لا بد أن يحتوي على جميع فصائل العمل الوطني من أجل أن تنتصر الثورة المصرية! ومن أجل الخلاص من حكم العسكر. بالتالي سيقبل الثوار على مضض بوجود شخصيات غير ثورية من أجل الاصطفاف والتعاون. هكذا سيبدو الأمر للجميع. وسيتم الاحتفال بهذا. ثم سيقوم هذا المجلس، وسيبدو الأمر أنه حدث تلقائيا، باختيار شخصية عامة من رجال الدولة العميقة لكي تتولى المرحلة الانتقالية. قد تكون تلك الشخصية ذات ماض عسكري، وسيتم تمرير ذلك مسبقا على الجميع أنه فقط خيار من الخيارات. ستكون غالبا شخصية عسكرية سابقة ترضى عنها أولا السعودية، ثم أمريكا ثم أوروبا، وسيتم تمرير ذلك على أنها مجرد مرحلة انتقالية لانتصار الثورة، وللحفاظ على مؤسسات الدولة.

الحقيقة أن هذا الأمر يتم ترتيبه الآن. الخيار الآخر في حال رفض واضح للشخصي العسكرية هو شخصية مدنية ضعيفة، مضمون ولاؤها، أي "عدلي منصور 2"، لفترة تكفي كي تتمكن الدولة العميقة من استعادة كامل السيطرة على كل الدولة، وكل الخصوم، وإيقاف المقاومة من الخارج للانقلاب، وإخراج والتحكم في المعتقلين، وغير ذلك من الملفات الانتقالية، التي يمكن أن تلصق لاحقا بتلك الشخصية المدنية الضعيفة.

بين الخيارين هناك أمور متفق عليها ضمنيا بين الجميع وهي:

• القضاء على الثورة المصرية.

• عودة الدولة العميقة لحكم مصر بشكل كامل.

• رجوع العسكر إلى المكان السابق لهم (نهب ثلث الثروة والوطن من قبل قلة من الفاسدين).

• إنهاء طموح الإسلاميين في المشاركة الحقيقية في أي حكم (مشاركة صورية كالسابق).

• استعادة رجال الأعمال الفاسدين لمصالحهم ومكانتهم وفرصهم في النهب.

• عودة مصر إلى لعب الدور الدولي الخادم للغرب وللكيان الصهيوني بشكل أكثر استقرارا.

• إغلاق ملفات المعتقلين والشهداء وغيرهم بتمثيلية وطنية يتم إخراجها بشكل احترافي، وبتعاون من بعض المحسوبين على الثورة.

• أن يعطى انتصار واضح للدول الإقليمية تحديدا لأنها هي من ستتحمل فاتورة الانتقال، والخلاص من الثورة، وأن يظهر أن هذه الدول الإقليمية كانت مصدر سعادة ونجاة للشعب المصري من السيسي. من يتابع الزيارات القادمة، وتركيز الدول الإقليمية على "الشعب" وليس "السيسي" سيدرك لاحقا سبب هذا التركيز.

هل ستنجح "الثورة المضادة 2"؟

على المدى القصير، قد تنجح "الثورة المضادة 2"، وخصوصا إن تم تجاهل مثل هذه الدراسة، والتعامل معها بشكل جدي.

نوصي بأهمية التفكير فيما تم طرحه هنا. سبق أن تم التحذير عام 2013 بوضوح من انقلاب قادم، وشرح مراحله كاملة، في يوم 8 آذار/ مارس 2013م، ورابط المقال هو: https://sir.ag/inklab01 . للأسف وقتها لم تهتم القوى الثورية بأخذ الأمر على محمل الجد. هذه المرة نحن نحذر بوضوح أكثر تفصيلا حول السيناريو القادم، ونأمل أن يكون لهذه الدراسة فرصة أكبر في الفهم والوعي واتخاذ ما يلزم نحو منع حدوث "الثورة المضادة 2".

في النهاية نقول: حتى لو حدثت تلك الثورة المضادة، فسوف تكون حدثا عابرا في مسيرة الحرية، وسيعود الشعب المصري ليثور من جديد ثورة هادرة تمسح عار تلك الثورة المضادة، وتعيد لمصر حريتها، وتضعها على طريق التقدم من جديد. لهذا حديث يطول في الحلقات القادمة، والتي ستتضمن مقترحات حول الخروج من هذه الأزمة القادمة، وآليات الحفاظ على الثورة المصرية وانتصارها بحول الله.
التعليقات (2)
شعبان كامل
السبت، 09-04-2016 10:26 م
تحليا جميل جدا
أحمد
الأربعاء، 06-04-2016 09:02 م
ممتاز تحليل قوى ياااا دكتور ولو تعمل فيديوهات قصيره أفضل خمس دقايق تشرح فيها مخاطر الانقلاب سد النهضة والحل