مقالات مختارة

أول الغيث..!

أسامة عجاج
1300x600
1300x600
كتب أسامة عجاج: من جديد يكشف الغرب عن سياسة «ازدواجية المعايير»، وأنه لا يتحرك سوى في البحث عن مصالحه، أو إذا كان الأمر يخصه ويمسه مباشرة. منظمات حقوق الإنسان في العالم تعمل منذ سنوات على «الملف الأسود لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر»، خاصة بعد 3 يوليو، تصدر التقارير عن حالات التعذيب، عن سوء المعاملة في السجون، عن اعتقال الآلاف خارج إطار القانون، عن تنامي ظاهرة الاختفاء القسري، ولا حياة لمن تنادي!! حكومات الغرب في واد، وتلك المنظمات في وادٍ آخر، فالأمر تحكمه المصالح، وطالما النظام في مصر يضمن لها مصالحها، فليس من شأنها كيف جاء إلى الحكم، أو كيف يحافظ عليه. لم يتغير الأمر سوى بعد حادث مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وتعذيبه في مصر.

 فجأة، دب النشاط في الملف، وبدأ الحديث عن أن ما جرى للباحث الشاب يجسد ظاهرة الاختفاء القسري، ويكشف عن الممارسات القمعية لأجهزة الأمن المصرية، بعدها بدأ البرلمان الأوروبي في مناقشة الظاهرة، في مطالبة الحكومات بفرض عقوبات على الحكومة المصرية، من نوعية وقف تصدير الأسلحة، وتقديم المساعدات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة. وأقدمت إيطاليا على خطوة استدعاء السفير الإيطالي في القاهرة للتشاور، مع التلويح بإجراءات عقابية متعددة، ونحن هنا لا نلوم حكومات الغرب على ذلك الاهتمام المفاجئ، بالكشف عن جريمة مقتل ريجيني بعد تعذيبه، فهو أمر محمود يحسب لها، وفي القلب منها إيطاليا، ولكن عليها أن تدرك أن انتهاكات حقوق الإنسان واحدة، إذا استهدفت رعايا دولهم، أو أياً من مواطني المنطقة، فالمبادئ لا تتجزأ.

أما أزمة ريجيني فقد أثمرت في كشف عورات النظام المصري الحالي، وتخلف طريقة تفكيره، وقدراته المحدودة على الكذب المقنع، ونحن لن ننجر إلى اتهام هذا الطرف أو ذاك، في التورط لأسبابه الخاصة، والتي لا نعرفها في هذه الجريمة، دون أن يعني ذلك عدم وجودها، أو وجوب أن تقوم الأجهزة الأمنية المصرية بالكشف عن الحقيقة، ومحاكمة المتهم أو تسليمه إلى إيطاليا، وهو ما لم تفعله الأجهزة المعنية حتى الآن، بل لجأت إلى أساليب المخادعة والتملص من المسؤوليات، تارة بمحاولة التشويش على القضية، والإيحاء بأنها تمت لأسباب تتعلق بعلاقات جنسية شاذة مرة، ومرة أخرى جنس جماعي.

وكانت كذبة لم تنطلِ على أحد، وسعت في فترة تالية إلى السير بالقضية في مسارات مختلفة، بعد تصفية خمسة أشخاص، قالت عنهم الأجهزة الأمنية إنهم متخصصون في استهداف الأجانب وسرقتهم، وعثرت معهم على الأغراض الخاصة بالقتيل، وهو ما لم يقنع الجانب الإيطالي فتراجعت الرواية، وكانت الكوميديا السوداء في «شاهد الزور»، الذي تقدم بنفسه أو مدفوعا من أي جهة، بشهادة لم تصمد سوى ساعات، عن مشاهدته لمشادة بين اثنين أجنبيين عند القنصلية الإيطالية، قبل اختفاء ريجيني بساعات، فكشفت الكاميرات أمام القنصلية عن عدم صحة تلك الرواية الساذجة، كما كشفت تحقيقات النيابة عن أن الرجل كان في منزله في مدينة 6 أكتوبر، ولم يغادرها في التوقيت الذي حدده للمشادة المزعومة، وأفرج عن الرجل الذي قال إن الوازع الوطني وراء كذبته البيضاء التي أثارت سخرية العالم إلى ما وصلت إليه إدارة الأمور في مصر. وآخر ما تفتق عنه الذهن المصري هو العمل بمنطق «واحدة بواحدة»، وتذكرت الحكومة المصرية أن أحد رعاياها قد اختفى من إيطاليا منذ أشهر.

ولأن القضية تحت سمع وبصر ومشاركة الجانب الإيطالي أمنيا وقضائيا كان من الصعب تمرير ترهلات اعتادت عليها الأجهزة الأمنية المصرية، بتعليق كل الجرائم السياسية في رقبة جماعة الإخوان المسلمين، أو أنه يعمل لصالح أجهزة أمنية أجنبية، فتمت تصفيته من جهات أخرى منافسة.

على النظام المصري أن يدرك أن الأمر جدي، وأن قرار سحب السفير الإيطالي من القاهرة هو «أول الغيث»، وأن هناك خطوات أخرى في الطريق لن تقتصر على إيطاليا، ولكن على دول أوروبا كلها، والمطلوب فقط الحقيقة في تلك الجريمة، وتقديم مرتكبيها للعدالة.

(عن العرب القطرية)
0
التعليقات (0)