مقالات مختارة

لو كان أوباما خليفة المسيح

فايز الفايز
1300x600
1300x600
كتب فايز الفايز: آخر ما نطق به السيد الرئيس الأعظم باراك أوباما قبل يومين هو النتيجة النهائية لصراع السنوات الخمس العجاف في سوريا، وأنا أترجم باللغة السياسية ما كان السيد أوباما يريد قوله دون تلاعب دبلوماسي بالجمل والمعاني، والترجمة النهائية لرؤية سيد أمريكا فيما يخص الصراع في سوريا هو "لا حرب ولا سلام" بالعربي الشامي: "اصطفلوا"، فمصالحنا لم يعد لها مكان بينكم، فإسرائيل باتت أقوى وقادرة على الدفاع عن نفسها بقوتها العسكرية الثقيلة، وإيران خيار الشر الذي لا بد منه، ونحن -أي الإدارة الأمريكية- انتقلنا إلى مرحلة الكارت الأصفر، والحرب الدبلوماسية الباردة مع روسيا وإيران.

هذا ملخص ما قد يفهمه السياسي البسيط من رؤية السيد الأمريكي الأول التي طرحها بعجالة عبر المقابلة التي أجراها مع محطة هيئة الإذاعة البريطانية وبثتها أمس الأول، فقد جزّ عنق الأمل بتغيير حقيقي على مستقبل سوريا، بعد ما أكد مجددا أنه سيكون "من الخطأ إرسال قوات برية إلى سوريا وقلب نظام الأسد"، مشيرًا إلى أنه لا الولايات المتحدة أو بريطانيا ولا كل الدول الغربية المشاركة في التحالف العسكري في سوريا سترسل قواتها العسكرية البرية إلى سوريا، مضيفا أيضا أن هزيمة تنظيم الدولة لن يكتمل في الأشهر التسعة المتبقية من فترة رئاسته الأخيرة.

وزاد أوباما من قراءته كتاب تفسير الأحلام السياسية التي أدمنها بما يلي: "لكني أعتقد حقا أن بوسعنا ممارسة ضغوط على المستوى الدولي على كل الأطراف الموجودة (في الساحة السورية) لكي تجلس حول الطاولة وتعمل على التفاوض من أجل مرحلة انتقالية، وهنا نجد أن أوباما يحث "المجتمع الدولي"، الذي يترأسه فخامته، على المضي قدما في ممارسة الضغط على جميع الأطراف، بما فيهم روسيا وإيران وجماعات المعارضة المعتدلة "كي يجلسوا على مائدة المفاوضات، ويحاولوا تحديد معالم الفترة الانتقالية"، التي وصفها بأنها عملية صعبة. وكرر أوباما القول بأن "الحل العسكري وحده" لن يسمح بحل المشكلات على المدى البعيد في سوريا، فيا للخسارة بعد خمس سنوات من القتل والقتال والنار والدمار، يفسر أوباما الماء بعد الجهد بالماء.

أوباما الذي كان عائدا إلى لندن من قلب الخليج العربي، مدينة الرياض، حيث كانت القمة الخليجية الأمريكية بحضوره، وكان قد أطلق الوعود بإعادة بناء جسور الثقة والأمل فيما يخص العلاقات الأمريكية مع الدول الخليجية التي تركتها إدارته ولحقت بالجمهورية الفارسية لاستكمال أدوار البناء الأمريكي خلف شواطئ الخليج العربي، قد قال مجددا خلال المقابلة: "في هذه الوقت، سنواصل ضرب أهداف تابعة لتنظيم داعش في مواقع مثل الرقة" في سوريا، موضحا أن القوات الأمريكية تعمل على "تطويق المناطق التي يتم منها إرسال مقاتلين أجانب إلى أوروبا".

حسنا، ولكن ألم يسأل أحد في الخليج أو في لندن السيد أوباما، كيف ستساعد نظرياتك الشعب السوري والمدنيين من جرائم الطيران السوري والروسي والبراميل المتفجرة، ومقاتلي الميليشيات الإيرانية، خارج المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش الذي تقاتلونه حسبما تقولون لا لتدميره والخلاص منه للأبد، ولكن لإبقاء النوافذ مفتوحة للنظام السوري، ليطل برأسه على العالم من خلال شرفة الأمم المتحدة تارة، ومن خلال انتخابات مزورة تارة أخرى، ومن خلال تصريحات الأسد ومعاونيه ثالثة، بينما لا يطلّ على الشعب السوري في مناطق السنة إلا بالطيران والمدفعية والبراميل، ولا يحترم أي هدنة، ولا يتعامل بإنسانية مع السكان المدنيين المحاصرين في المناطق هناك من قبل جيشه وميليشياته.

ينقل الكاتب البريطاني الشهير "ديفيد هيرست" عن "ميشيل كيلو" المعارض السوري البارز، موضحا دور الكنيسة في الصراع مع النظام السوري، أن كيلو ومن خلال علاقته الوثيقة بالبطريرك الأرثوذكسي، حاول إقناعه بتغيير موقفه من النظام. وحينما تم اعتقال ميشيل، اتصل البطرك ببشار الأسد وطلب منه إطلاق سراح ميشيل، وحينها قال البطريرك لزوجة كيلو: "الحزب الواحد لا يرى أحدًا سوى ذاته، وجميعنا سجناء عند بشار".

هناك سأل كيلو غبطة البطريرك، حسب هيرست الذي لا يزال الاقتباس عنه، قلت له: "يا صاحب العطوفة، لو أن يسوع المسيح كان هنا الآن، ففي أي جانب سيقف؟ هل سيكون داخل الدبابة يطلق النار على الناس ويقتلهم أم سيكون منخرطا في صفوف المتظاهرين يطالب بالحرية؟ إذا كنت لا تستطيع الدفاع عن حرية السوريين، فإن عليك التنحي، لكن من المحزن أن قيادة الكنيسة لم تتجاوب".

سؤال كيلو لغبطة البطريرك الأرثوذكس السوري، ممكن استنساخه ليوجه إلى الرئيس باراك أوباما:

يا صاحب الفخامة، لو كنت خليفة السيد المسيح على هذه الأرض الآن، في أي جانب ستقف؟ هل مع المدنيين العزل وعطشى الحرية وضحايا الموت السريع بالصواريخ والبطيء بالحصار، أم إلى جانب إرهاب الأنظمة في سوريا وإيران والدعم الروسي؟ بل من الممكن أن نسأله يا ذا القلب الطيب: هل أنت مع إسرائيل أم مع العرب أم مع إيران، أم إنك تخادع الجميع، ولم تندم على ما فعلتموه في العالم العربي من ويلات الحروب والحصار في العراق وليبيا والسودان وغزة؟ إن السيد المسيح بريء منكم جميعا فخامة الرئيس.

(عن صحيفة الشرق القطرية)
التعليقات (0)

خبر عاجل