قضايا وآراء

محنة حرية الصحافة في تصاعد مستمر

محمد مالكي
1300x600
1300x600
لم يكن مفاجئا لكثير من المشتغلين في حقل الإعلام أن يصدر تقرير حرية الصحافة لعام 2016 صادما في نتائجه، ومُخيفا في توقعاته وآفاقه. فالتقرير، الذي دأبت منظمة "مراسلون بلا حدود" منذ سنة 2002، شاملا 180 دولة من بلاد المعمور، وقف عند المصادر المسئولة عن التراجع التدريجي لحرية الصحافة، وقسوة أوضاع اشتغال الصحفيين في جُل مناطق العالم.

من المعروف أن بناء التقرير، وصياغة متنه، وتحديد مواقع الدول في سلم مراتبه، من الأمور التي يحرص القيّمون في منظمة "مراسلون بلا حدود" على تأسيسها على مصفوفة من المؤشرات ذات القيمة المنهجية والعلمية، خلافا لما تظن دول كثيرة، ممن تشكُّ في صِدقية التقرير، وتنعت نتائجه بالإجحاف وضعف الموضوعية. فتصنيف المنظمة يستند  على قياس حرية الصحافة انطلاق من تقييم "مدى التعددية واستقلال وسائل الإعلام، ونوعية الإطار القانوني والتشريعي، وسلامة الصحفيين في 180  بلدا المشمولة بالمسح بغية الترتيب".

من النتائج اللاّفِتة للانتباه في تقرير  منظمة  "مراسلون بلا حدود"  لعام 2016  التدهور المتزايد لحرية الصحافة، قياسا لما كان عليه الحال سنة 2013، حيث سجل المؤشر العالمي 3719 نقطة عام 2015، ليرتفع سنة 2016 إلى 3857 نقطة، مُسجلا بذلك ارتفاعاً في التدهور بنسبة  3,71  بالمائة مقارنة مع العام الماضي و 13,6  بالمائة قياساً  مع سنة 2013. أما أسباب ذلك، فحددها التقرير في جملة من المتغيرات أهمها: ارتفاع درجات القمع لدى الكثير من النظم السياسية، واستماتة هذه الأخيرة في الإقدام على تشريعات وسياسات قامِعَة للحريات، يُضاف إليها جنوح السيطرة على وسائل الإعلام العامة، بما فيها البلدان الأكثر عراقةً في أوروبا، كما هو حال " بولندا" على سبيل المثال.

يعرف متابعو التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" اهتمامَه بمستويين من ترتيب الدول في سلم احترام حرية الصحافة، حيث يميز بين الترتيب العالمي، وتصنيف الدول بحسب المناطق. كما يسعى واضعوه إلى تشخيص المصادر المسئولة عن  انتعاش حرية الصحافة أو تراجعها  في المستويين معا. ففي تقرير عام 2016، حيث اعتُمِدت 2013 تاريخاً مرجعيا للقياس، لوحِظ حصول تدهور واضح على العديد من المستويات، من قبيل البنية التحتية، حيث أقدمت بلاد كثيرة على إيقاف خدمات الإنترنيت، أو التحكم في مصادر انسيابها، وفي أحيان أخرى تدمير مبانيها ومكاتبها، وتعطيل أجهزة البث، وتدمير آلات الطباعة التابعة لوسائل الإعلام، تحديدا تلك التي تقدِّر حكومات الدول أنه غدت مُزعِجة لها، أو مناوِئةً لسياساتها وتوجهاتها. لذلك، كانت خلاصة ما توصل إليه التقرير أن حرية الصحافة انخفضت ب 16 بالمائة ما بين 2013 و2016.

جدير بالإشارة أن مُنحنى التدهور جاء مُعمماً وشاملاً لمختلف مناطق العالم، ولم ينحصر في بُقعة أو دائرة معينة من المعمور. فعلى سبيل المثال، واعتماداً على نتائج تقرير 2016، تراجعت منطقة الأمريكيتين ب 20,5، نتيجة موجات القمع التي تعرض إليها الصحافيون في المكسيك وأمريكا الوسطى، ولم تنجُ من هذا أوروبا والبلقان، حيث تدهورت حرية الصحافة بما يعادل 6,5  بالمائة بسبب هيمنة الحكومات المحافِظة، واعتمادها  سياسات التطرف والاستئصال. والملاحظة نفسُها تنسحب على دول وسط آسيا وأوروبا الشرقية.

لننظر في واقع المنطقة العربية ونصيبها من التدهور الحاصل لحرية الصحافة عام 2016، ونتساءل كيف جاء ترتيب البلاد العربية في مقياس حرية الإعلام والصحافة؟. 

لابد من التذكير بأن نصيب المنطقة العربية من مقياس حرية الصحافة ليس في أحسن حال منذ بداية إصدار التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود" عام 2002، لأسباب تاريخية وثقافية، أبرزها هيمنة نظم التحكم والشمولية، وضيق فضاءات الحرية والتداول  والحوار، وضعف ثقافة المساءلة والمحاسبة، ومحدودية استقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادِلة، وكل ما من شأنه حماية حرية الصحافة وتحصين ممارستها.

ففي التقرير السنوي لهذا العام، الصادر في 20 أبريل/ نيسان 2016، تبرز المكانة جد المتدهورة لمجمل البلاد العربية، إذ باستثناء تونس، وإلى حد ما موريتانيا، وجزر القمر، ظلت جل الدول العربية في ذيل القائمة، واستمر أوضاع الصحافيين في تدهور متزايد، بسبب الأوضاع المتأزمة في ما سُمي  دول " الربيع العربي". فهكذا، جاءت "موريتانيا" في الدرجة 48 عالمياً متصدرة قائمة الدول العربية، على الرغم مما يؤخذ من النظام السياسي من هيمنة وتضييق على حرية المعارضة السياسية بكل مكوناتها، تليها "جزر القمر" في المركز 50، ليقفز الترتيب إلى 96 (تونس)، ولبنان (98)، وبعدها ترتبت كل البلاد العربية ما بعد الدرجة 100، كما هو حال: الكويت (103)، وقطر (117)، والجزائر (129)، والمغرب (130)، أما مصر فترتبت في الدرجة  159، تليها البحرين 163، وليبيا 164، والسعودية 165، لتنتهي القائمة بدول في صدارة الأزمة الحالية في المنطقة العربية، كاليمن (168)، والسودان (174)، وسوريا (177).

لاشك أن الصورة غير مُرضية عن حرية الصحافة في مختلف دول العالم، إذ باستثناء وضعية الدول الاسكندنافية، وبلاد محدودة في  غرب أوروبا، وأمريكا الشمالية، تئن الصحافة ومعها المشتغلون في حقلها من ضغوطات خانِقة لحرية الكتابة والكلام والتحقيق..بل يؤدي الكثيرون أرواحهم كلفةً من أجل استقلال حقل الإعلام. وإذا فهمنا الأهمية الإستراتيجية للإعلام في تأطير الرأي العام، و"تعليب الوعي"، نُدرك حجم محنة حرية الصحافة في واقعنا الراهن. 
0
التعليقات (0)