قضايا وآراء

ماذا لو أكمل مرسي ولايته؟

قطب العربي
1300x600
1300x600
في مثل هذه الأيام منذ أربع سنوات، كانت مصر في عرس ديمقراطي حقيقي تشهده لأول مرة في تاريخها القديم والحديث والمعاصر، فقد كان المصريون الذين احتشدوا أمام صناديق الاقتراع لانتخاب أول رئيس مدني يحبسون أنفاسهم انتظارا لنتيجة طال انتظارها على غير المتوقع.

وبلا مبرر حقيقي، كان هناك فسطاطان يحلم كل منهما بفوز مرشحه، ومع تصاعد المخاوف وقتها من تدخل عسكري يعلن نتيجة زائفة بفوز شفيق سارعت الحملة الانتخابية المركزية للرئيس مرسي بإعلان نتيجة أولية بعد أن تجمعت لديها بيانات الفرز الرسمية من داخل اللجان الفرعية.

كنت عضوا بالحملة الانتخابية ضمن فريق المستشارين الإعلاميين، وكانت البيانات تأتينا تباعا من اللجان الفرعية في المحافظات المختلفة، وحين جاوزت نسبة اللجان التي تم فرزها 95% من اللجان تشاورنا في فكرة إعلان النتيجة من طرفنا، وكانت تقديراتنا كفريق إعلامي أن منافسينا الإعلاميين في حملة شفيق يستعدون لعقد مؤتمر صحفي صباح اليوم التالي لإعلان فوز شفيق من طرف واحد.

قررنا التمهل لبعض الوقت حتى تجاوزت بيانات اللجان التي وصلتنا 12 ألفا و793 لجنة فرعية بنسبة 97%، وكانت تقديراتنا أن النسبة المتبقية وهي 3% لو ذهبت جميع أصواتها لشفيق فلن تؤثر على تقدم مرشحنا الدكتور محمد مرسي، فأوصينا بعقد مؤتمر صحفي على الفور الساعة الرابعة فجرا يوم 18 حزيران/ يونيو 2012 لإعلان النتيجة بدون حضور الدكتور مرسي، وراقت الفكرة لبقية قيادات الحملة، وقد شاركنا الرأي الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وقتها الذي وعدنا بأنه سيطلب من الدكتور مرسي المشاركة بنفسه في المؤتمر الصحفي، وقد جاء معه أيضا الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب وقتها، وكان الصحفيون يبيتون بمقر الحزب بعد أن خصصنا لهم مكانا يمارسون من خلاله عملهم، وبمجرد أن علم غيرهم من الصحفيين نيتنا لعقد مؤتمر صحفي اكتظت القاعة بالمصورين والصحفيين، وأعلنا ما لدينا من نتائج.

ولتأكيد مصداقيتنا قمنا بعد ذلك بجمع كل بيانات الفرز الرسمية في كتاب ضخم وفرناه لمن يريد من الصحفيين والمتابعين، كما قمنا بوضع كل البيانات وصور من استمارات الفرز على موقع خاص على الإنترنت حتى يتمكن كل من يريد أن يحسب الأرقام بنفسه، ووفرناها أيضا على إسطوانة مدمجة لمن شاء.

كان ذلك حصارا إعلاميا قويا من قبلنا وأد الفتنة في مهدها، إذ ظهر لاحقا أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ماطلت بشكل مريب في إعلان النتيجة، وذهبت الظنون بعيدا بالجميع بان هناك نية لـ"تضبيط" الأرقام لإعلان فوز الفريق أحمد شفيق، لكن اللجنة وجدت نفسها محاصرة بإعلاننا البيانات كاملة وموثقة وميسرة للجميع، وقد زاد ذاك الحصار على اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية بعقد مؤتمر صحفي لحركة قضاة من أجل مصر، وكانت حركة وليدة، وتتمتع بمصداقية عالية، حيث أعلنت نتيجة مشابهة لما أعلناه في مقر حزب الحرية والعدالة.

بعد أسبوع كامل من إعلاننا النتيجة بشكل غير رسمي اضطرت اللجنة العليا للإنتخابات لإعلان النتيجة رسميا ولم تخرج عما أعلناه من قبل، لكن الشكوك والمخاوف ظلت تراودنا حتى أعلن المستشار فاروق سلطان الأرقام التي تؤكد فوز مرسي، ذلك أن الرجل ظل يعيد ويزيد في كلام طويل يبدو فيه الحزن والأسى من النتيجة وكان مما قاله وقتها جملة "ليس كل ما يتمناه المرء يدركه" وقد كانت جملة فاضحة لنواياه ومن يقف خلفه، وبمجرد أن خرجت الأرقام من فمه عمت الفرحة ميدان التحرير الذي كان مكتظا بالثوار انتظارا لإعلان النتيجة، كما عمت الأفراح ربوع الوطن المصري بكل مدنه وقراه (باستثناء الفلول وأنصار شفيق)، فقد كانت كل قرية تشعر أن محمد مرسي واحد من أبنائها، واضطر المرشح المنافس أحمد شفيق لإعلان قبوله النتيجة وتهنئته محمد مرسي، قبل أن تأتيه التوجيهات من جهات عليا وإقليمية لاحقا للتشكيك في النتيجة رغم أن اللجنة العليا ردت على كل الشكوك التي أوردها أنصار شفيق في بيانها.

كان الرئيس مرسي في أيام حكمه الأولى مدعوما بإرادة شعبية وثورية قوية، ولكن الثورة المضادة ظهرت أيضا في تلك الأيام الأولى، ولعلنا نتذكر دعوة النائب محمد أبو حامد لثورة شعبية جديدة على مرسي يوم 24 آب/ أغسطس 2012 أي بعد مرور أقل من شهرين على دخوله القصر، وتواصلت بل وتصاعدت بعد ذلك، وشاركت فيها أجهزة الدولة العميقة حيث أعلن الكثيرون من ضباط الشرطة أنهم في إجازة مفتوحة لمدة 4 سنوات حتى تنتهي ولاية مرسي، كما ظهر لاحقا من تصريحات لقادة جهاز المخابرات أنهم كانوا يمنعون عن مرسي التقارير والمعلومات بل ويقدمون له معلومات مضللة، لكن مرسي والمخلصين له تمكنوا من الصمود أمام تلك الثورة المضادة لمدة سنة كاملة، ولم تفلح التحركات الظاهرية السياسية في إسقاطه فاضطرت المؤسسة العسكرية أن تكشر عن أنيابها، وأن تقوم هي بالضربة القاضية يوم 3 تموز/ يوليو 2013.

مرت السنوات الأربع التي كانت مقررة كفترة ولاية للرئيس، ومع الإقرار بعدم إكمال الرئيس لولايته بصورة طبيعية، لكن المعنى الذي أود الإشارة إليه هنا بعد مرور أربع سنوات، أننا كمصريين كنا سنحتفل مجددا بعرس ديمقراطي هذه الأيام سواء ترشح فيه مرسي وفاز أو لم يفز، أو حتى امتنع عن الترشيح، كانت الديمقراطية الوليدة ستكبر أربع سنوات، وتصحح أخطاء الولاية الأولى، كان المرشحون المنافسون سيصبحون أكثر خبرة واستعدادا لخوض المعركة، وكان رجال الأعمال سيصبحون أكثر سخاء في دعم مرشحيهم المفضلين، وكانت الأحزاب السياسية ستقوى، وكانت مراكز قياس الرأي العام ستنشط، والأهم من كل ذلك كانت ثقة المجتمع الدولي في مصر الديمقراطية ستتعزز، وبالتالي تتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة لتفتح مصانع وشركات جديدة توفر آلاف بل ربما ملايين فرص العمل، وكانت السياحة ستزدهر لتوفر مليارات الدولارات وكذا آلاف فرص العمل، وكانت الحالة الإقتصادية بشكل عام ستتحسن وينعكس ذلك إيجابا على المواطن البسيط، كانت مصر ستحتل مكانها اللائق بين الأمم، وكانت ستمنع بأي طريقة بناء سد النهضة الذي أصبح يمثل كابوسا مخيفا لنا، وكانت ستحصل على حقوقها كاملة من حقول الغاز والبترول في مياه البحر المتوسط، وكانت ستقيم مشروعا تنمويا حقيقيا على ضفاف قناة السويس يدر مليارات الدولارات بدلا من المشروع الوهمي الذي استنزف مدخرات البسطاء ولم يدخل مليما جديدا للخزانة المصرية، وكانت ستحافظ على جزرنا وحدودنا التي تنازل عنها قائد الإنقلاب الآن نظير دعمه ماليا وسياسيا.

كانت المصانع والشركات ستعمل بكل طاقتها، وكان العمال سيتقاضون مكافآت وحوافز إنتاج إضافية، كانت الجامعات المصرية ستأخذ مكانها بين أفضل الجامعات العالمية، وكانت الممارسة الديمقراطية ستصبح منهجا راسخا في اختيار عمداها ورؤساها واتحاداتها الطلابية، وكانت النقابات ستصبح أكثر تأثيرا في المجتمع وأكثر دعما لأعضائها، كما كانت الجمعيات الأهلية ستصبح أكثر عطاء لتغطي غياب الدولة في الكثير من الحالات، وكانت ستزدهر أكثر بإصدار قانون الوقف الخيري الذي اقره دستور الثورة في 2012.

كانت الثورة السورية قد حسمت المعركة لصالحها، ووضعت بشار في قفص الحكمة أو علقته على أعواد المشانق، وكانت الثورة اليمنية أيضا قد حسمت معركتها، وتفرغت للبناء والتنمية، وكانت الثورة الليبية أعادت بناء ما خربته عصابات القذافي مستفيدة من عوائد النفط، ولكانت رياح الديمقراطية هبت على مشيخات وإمارات الخليج والبلدان العربية الأخرى التي لاتزال تعيش تحت قمع الحكم العسكري أو العائلي، ولكانت غزة بلا أسوار حاجزة وبلا معابر مغلقة وبلا حصار خانق.

جاء الانقلاب المبكر على التجربة الديمقراطية الوليدة كفرا بنعمة الله على الشعب، وكانت العاقبة خوفا وجوعا، وانهيارا إقتصاديا، وقهرا سياسيا، وتخلفا علميا، وانتقاصا سياديا، وترجعا لمكانة مصر بين الأمم، فهل أدرك الذين حركهم الجيش للتظاهر في 30 يونيو 2013 متخذا منهم غطاء لانقلابه العسكري حجم جريمتهم بحق مصر وبحق ثورتها وبحق شهدائها، وهل يتوقفون عن المكابرة ويسارعون بالإعتذار عن تلك الجريمة ويعودوا إلى صفوف الثورة؟ نأمل ذلك.

التعليقات (0)