مقابلات

مسؤول جماعة الإخوان الليبية: لا نسعى للحكم ولا نخطط لذلك

مسؤول جماعة الإخوان المسلمين الليبية أحمد عبد الله السوقي ـ أرشيفية
مسؤول جماعة الإخوان المسلمين الليبية أحمد عبد الله السوقي ـ أرشيفية
قال المسؤول العام لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، أحمد عبد الله السوقي، إن الجماعة لا تسعى للوصول إلى الحكم وليس من أهدافها أو خططها ذلك، لافتا إلى أنها نأت بنفسها عن العمل السياسي لتقوم بدورها الدعوي والتربوي، بينما لأفرادها الخيار في الانتظام بالعمل السياسي، فهذا شأنهم كشأن غيرهم من الليبيين.

وشدد في حوار خاص لـ "عربي21" على أن خلط السياسي بالدعوي خطأ فادح في حق العمل الدعوي سيؤول إلى انهياره حتما، خاصة أنه لا تستطيع مؤسسة أن تقوم بكل الأدوار، داعيا إلى إعادة النظر في إدارة الدعوي والسياسي بشكل عام.

وأشار إلى أن الانقلاب العسكري الذي حدث بمصر كان له بالغ الأثر في ليبيا، حيث جعل من وصفهم بأعداء الثورة يتقمصون دور وشكل الانقلاب الذي حصل على ثورة 25 يناير، مضيفا: "بعد فشل مسرحية الانقلاب الواضح بليبيا اتجه الانقلابيون إلى مسرح محاربة الإرهاب، فبذرت بذرة الإرهاب، ورعتها أيادي الثورة المضادة لتستخدمها شماعة لتبرير مشروعها".

ونوه "السوقي" إلى أنه تم الإشراف على استكمال مبادرات الإصلاح للجماعة وفتحت نقاشات موسعة داخلها، سعيا للإعلان عن مرحلة جديدة ستستشرفها الجماعة قريبا، مؤكدا أن عملية المراجعة والتجديد الداخلية باتت في مراحلها الأخيرة، وسيتم الإعلان عن تفاصيلها قريبا.

ورأى أن حكومة الوفاق وُلدت ضعيفة بسبب الانقسام الذي وصفه بالحاد بين الفرقاء في ليبيا، مستدركا :"وهذا طبيعي في نظري، لكن الإشكال أن تستمر على هذا الضعف والانقسام، مما انعكس على قبول الشعب لها ورضاه عنها، فلا زالت المشاكل والأزمات مستمرة، وعلى المسؤولين تدارك الأوضاع والعمل جميعا لإخراج البلاد من أزمتها".

ودعا المسؤول العام لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، الحركة الإسلامية إلى "إجراء مراجعات وتصحيحات داخلية جريئة تعترف بالمثالب وتشخص الأخطاء بموضوعية، بعيدا عن شماعات المؤامرة ولغة التبرير، كي تستطيع العبور لمرحلة جديدة تقود إلى المساهمة في بناء الشعوب وتحقيق الآمال عبر تغيير وتجديد وتطوير جذري".

وفيما يلي نص المقابلة:

الثورة الليبية
كيف ترون ما آلت إليه الأوضاع والثورة الليبية حاليا في ظل استمرار الأزمة والخلافات بين الأطراف المختلفة؟

تطلع الشعب الليبي إلى بناء الدولة التي لم يكن لها وجود طيلة أربعة عقود ونيف من زمن التخلف والاستبداد والفساد، والحقيقة وبعد ثورة 17 شباط/ فبراير المجيدة حاول أبناؤها الانتقال من مرحلة الثورة إلى الدولة، وبدأت مسيرة البناء رغم التحديات الجسام، في الوقت ذاته شرعت الثورة المضادة مدعومة من أطراف محلية ودول إقليمية ودولية في الانقضاض على الثورة وعرقلت مسيرتها وإجهاض مشروع الاستقلال من التبعية والسعي نحو الحرية وبناء دولة مدنية عصرية، واشتدت وتيرتها بعد التغيرات الإقليمية.

وما حدث في مصر تحديدا كان له بالغ الأثر، مما جعل أعداء الثورة يتقمصون دور وشكل الانقلاب الذي حصل على ثورة 25 يناير، لكن الظروف في ليبيا تختلف عن التي بمصر، وبعد فشل مسرحية الانقلاب الواضح اتجه الانقلابيون إلى مسرح محاربة الإرهاب، فبذرت بذرة الإرهاب واختير للمشروع أن تكون مدينة سرت عاصمة له لظروف لا يسع المقام لتفصيلها، ورعتها أيادي الثورة المضادة لتستخدمها شماعة لتبرير مشروعها.

حدث هذا في غفلة من الثوار الذين وجدوا أنفسهم يصارعون خطري الانقلاب والإرهاب، ودخلت الأطراف صراعا ظاهره سياسي وحقيقته حصار للثورة وإجهاض لمشروع التحرر والنهضة، وعلى الرغم من التدخل الأممي لحل المشكل السياسي غير أن ذلك أيضا قسم المقسم وجزأ المجزأ، فصرنا أطرافا بعضها يدعو للحسم وآخرون ينشدون حلا سياسيا اختلف أيضا في شكله وكيفيته.

وبطبيعة الحال انعكس ذلك كله سلبا على المواطن وكان له بالغ الأثر على توفير سبل العيش والحياة الكريمة، فأصبح الوطن تتقاذفه رياح التقسيم والتدخل الأجنبي، أزمات بعضها بسبب الأوضاع وأخرى مفتعلة تُسخر لها أدوات وأموال، فكان لابد في هذا الظلام الحالك من صوت ينادي بالتقارب والتوافق ولم الشمل والاحتكام إلى العقل من خلال فتح حوارات وتنسيق لقاءات بين الفرقاء بشكل عام ساهمت الجماعة في جانب منه ولازالت تقوم بدورها لتقطع الطريق أمام من يستهدف الوطن والمواطن.

الإخوان المسلمون
هل تسعى جماعة الإخوان في ليبيا للمنافسة على الحكم؟ وكيف ترون تجارب الإخوان الأخرى في الحكم؟

اختارت جماعة الإخوان المسلمين الليبية العمل السياسي من خلال توجيه أفرادها لتشكيل حزب سياسي بالمشاركة مع آخرين فكان حزب العدالة والبناء، الذي له هيكله التنظيمي وله مؤتمره العام، وبالتالي كانت تجربة رائدة أن يشارك أفراد من الإخوان في تأسيس حزب، ويمارسوا العمل السياسي شأنهم شأن أي مواطن ليبي، فيما يبقى الدور الدعوي والتربوي لجماعة الإخوان.

وفي هذا الصدد، سعت الجماعة إلى أن تقوم بدورها الدعوي من خلال تبني استراتيجية الوساطة والعمل على تقريب وجهات النظر والتواصل مع الفرقاء لإيجاد مساحات تلاق يمكن من خلالها تهيئة الأجواء لاستمرار العملية السياسية.

والجماعة كونها دعوية لا تسعى للوصول إلى الحكم وليس من أهدافها أو خططها ذلك. أما عن تجارب الإخوان في الحكم فهي محدودة، حيث أنه لم يفسح لهم المجال، وإن حدث فقد كان في ظروف صعبة في ظل مؤامرات تسعى لإسقاطهم.

توليتم مسؤولية الإخوان منذ حوالي عام.. فما هي أبرز النتائج التي تحققت خلال هذه الفترة؟ وما هي ملامح التغييرات الداخلية التي مرت بها الجماعة؟


لا شك أننا في هذه الفترة نمر بأزمات عميقة تسببت في وجود انقسامات حادة غذيت من مشروع الثورة المضادة ورعتها دول تدخلت ولازالت تتدخل سلبيا في الشأن الليبي وتؤجج الصراع، فكان لنا مساعٍ حثيثة ولا زالت لدعم المصالحة الوطنية من خلال التواصل مع الأطراف الليبية.

حاولنا قدر الإمكان تجنيب الجماعة الخوض في العملية السياسية سعيا منا لإعادة توجيه مسار الجماعة لتقوم بوظيفتها الدعوية والعمل مع الآخرين لإصلاح المجتمع ونشر القيم النبيلة ومحاربة الرذيلة.

كان لنا تركيز على تفعيل المؤسسات وتطوير عملها والسعي لإيجاد شراكات حقيقية، والتي كان لها دور بارز في تنفيذ حملات دعوية ومشاريع توعوية وأنشطة ثقافية، إضافة إلى الإشراف على استكمال مبادرات الإصلاح للجماعة وفتح نقاشات موسعة داخلها سعيا للإعلان عن مرحلة جديدة ستستشرفها الجماعة قريبا بإذن الله.

المؤتمر العاشر للجماعة اتخذ جملة من القرارات استهدفت تطوير أداء "الإخوان"، فما الذي وصل إليه ملف التطوير والمراجعة؟


عملية المراجعة والتجديد التي انطلقت منذ سنة 2013 باتت في مراحلها الأخيرة بعد إجراء لقاءات ونقاشات قيادية أو على مستوى قواعدها، وسيتم الإعلان عن تفاصيل ذلك قريبا بإذن الله.

الدعوي والسياسي
كيف ترون إشكالية فصل الدعوي عن السياسي في ظل قول بعض قادة الإخوان في ليبيا إنكم جماعة دعوية بامتياز؟


نؤمن بشمولية الدين كونه احتوى على قواعد عامة ومنظومة قيم ونصوص موجهة يمكن أن يؤسس عليها نظام شامل ينظم جميع مناحي الحياة، ونؤمن أيضا بالتخصص، فلا تستطيع مؤسسة أن تقوم بكل الأدوار، لأن لكل دور أو تخصص طبيعته ورؤاه التي قد تتقاطع مع بعضها البعض.

فعلى سبيل المثال، الأداء الدعوي مبني على التمسك بالمبادئ ما أمكن، لكن السياسي يحرص على تحقيق المصلحة ما أمكن في إطار تحقيق المبادئ عامة، ومن ثم سيكون خلط السياسي بالدعوي خطأ فادحا في حق العمل الدعوي سيؤول إلى انهياره حتما.

وعلى هذا نعتقد أن الأصلح هو أن تتخصص الجماعة في عملها الدعوي ولأفرادها الخيار في الانتظام بالعمل السياسي، فهذا شأنهم كشأن غيرهم من الليبيين، وعلى هذا نرى أن يُعاد النظر في إدارة الدعوي والسياسي بشكل عام.

هناك من يتهم الإخوان بأنهم يتحكمون في الأوضاع الداخلية بليبيا من وراء الكواليس.. ما ردكم؟

هذا اتهام يعوزه الدليل، وأظن أنه مقصود ويُغذى من قبل أطراف لها مصلحة في إقصاء الجماعة ومن ثم تيار الثورة بالعموم، والحقيقة أن آلة إعلامية تُدار بغرف محترفة توجه الرأي العام وتنسب كل شر يحدث في البلاد للإخوان دون أدلة، مصورة للمواطن أن الإخوان أخطبوط له أذرع في كل مكان.

وقد تصل المسألة إلى ضخ معلومات متناقضة أو متضاربة في سياقات مختلفة لا يتفطن لها المتابع بشكل عام ولا يجهد نفسه لعملية الربط بين هذه الأحداث وتلك الوقائع، ونظرية التزييف هذه ستسقط مباشرة بعد مناقشة التفاصيل وطلب الأدلة الأمر الذي دائما لا يحدث، ويبقى الموطن أسيرا أمام هذا الكم الهائل من الكذب والافتراء والتدجيل، وهذه الحالة إلى زوال بإذن الله بعد الانتصار في معركة الوعي التي نخوضها اليوم.

كيف هي علاقتكم بالتنظيم الدولي للإخوان؟ وما موقفكم من المطالب التي تدعو لحله؟

أعلى سلطة في الجماعة هو المؤتمر العام الذي يجمع كل الإخوان العاملين، وبه توضع السياسات وتقرر التوجهات العامة وتصنع القرارات الاستراتيجية وبه أيضا تتم الرقابة على مجلس شورى الجماعة وكذلك المسؤول العام إضافة إلى انتخابات القيادة، ويشرح ذلك كله ويوضحه وينظمه نظام الجماعة الأساسي ولوائحه التفصيلية المعلنة والمنشورة.

وبالتالي خلاف هذه اللائحة ليس لنا لائحة أخرى، وخلاف هذه السلطة العليا ليس لنا سلطة عليا، وهذا الكلام واضح جدا في لوائحنا، وبالطبع لنا علاقات تعاون مع جميع من يؤمن بمبادئنا وأفكارنا، فالعالم أصبح قرية صغيرة، تقاربت فيه الدول وانصهرت فيه مجموعات وقامت فيه اتحادات، فمبدأ التعاون مبدأ أصيل، أما من الناحية التنظيمية فلا علاقة لنا بطرف خلاف ما حددته اللائحة.

تحدثتم عن استراتيجية الوساطة والعمل على تحقيق التوافق بين جميع القوى السياسية.. فما هي الخطوات التي اتخذتموها في هذا الصدد؟

استراتيجية الوساطة تعني احتواء الخلافات وتخفيف الصراعات وتعزيز التقارب والتوافق، وهذا هو الدور الذي حاولت الجماعة القيام به في المدة الماضية من خلال التواصل مع جميع الفرقاء ومحاولة التقريب بين وجهات النظر بالإضافة إلى دعم مشروع المصالحة الوطنية الشاملة بالتنسيق مع كثير من الخيرين من أبناء الوطن.

العلاقات المستقبلية
هل هناك خطوات مستقبلية تعتزم الجماعة اتخاذها خلال المرحلة المقبلة؟

نحن بصدد الإعلان عن تصحيحات وتطويرات بالجماعة تتعلق بشأنها الداخلي وكذلك بتفاعلها مع الواقع، يأتي ذلك بعد سلسلة من المبادرات وجولات من المساجلات والنقاشات الداخلية العميقة الموسعة بدأت في سنة 2013، وهي الآن في مراحلها الأخيرة، وهذه التجديدات جاءت استجابة للتصورات التي قُدمت من قبل الأعضاء أو من غيرهم من خارج أطر الجماعة ومن الغيورين على مصلحة الوطن الناصحين الذين دائما نثمن نصحهم ونحترمه ونقدره.

مؤخرا، كانت هناك رسالة للشيخ ربيع المدخلي، شيخ ما يعرف بالتيار "المدخلي"، يحرض فيها على قتال "الإخوان المسلمين" في ليبيا.. ما ردكم على ما جاء في هذه الرسالة؟

فتوى "ربيع المدخلي" دليل واضح وجلي على أن الصراع في ليبيا تؤججه أطراف خارجية، لمصالح سياسية وتستخدم فيه أدوات داخلية وخارجية. فربيع المدخلي لا يتابع مجريات الأحداث ولا يعلم حقيقتها، ثم إنها ليست من شأنه، والخطير في الأمر أن الفتوى بقتال طرف ما لن تجلب إلا الدمار وسفك الدماء، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار".

في آذار/ مارس الماضي، طالب المفتي الصادق الغرياني المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بالخروج من طرابلس و"تجنيب البلاد إراقة الدماء"، بل توعد داعمي حكومة الوفاق بـ"عذاب من الله".. فكيف ترون مواقف "الغرياني"وفتاواه؟ وهل ينتمي للإخوان كما يقول البعض؟

الشأن السياسي فيه اجتهادات كثيرة، ومن اجتهد لصالح حكومة الوفاق إنما أراد حقن الدماء واستتباب الأمن والجلوس على مائدة الحوار.

فضيلة المفتي الشيخ الصادق الغرياني ليس من الإخوان كما بينا في مواطن كثيرة، ونحرص دائما على أن تكون لنا علاقة طيبة معه ومع دار الإفتاء عموما ونحترم علمه ونقدر منزلته فهو من علماء ليبيا الأفذاذ دون منازع، غير أننا نعتقد وننصح في ظل اتسام القضايا الفقهية المعاصرة بالتعقيد وكثرة التشابك وصعوبة الإلمام أن تصدر الفتوى، وخاصة في الأمور المعقدة، عن لجنة شرعية تستشير متخصصين في جوانب الحياة المختلفة حتى تكون الفتوى مبنية على علم بالواقع فتخرج بعد نقاش وتمحيص وتسديد.

كيف ترون حكومة الوفاق الوطني؟ وهل تعتقدون أن الشعب راض عنها؟

حكومة الوفاق ولدت ضعيفة بسبب الانقسام الحاد بين الفرقاء في ليبيا، وهذا طبيعي في نظري، لكن الإشكال أن تستمر على هذا الضعف والانقسام الذي أدى إلى دنو الفاعلية، مما انعكس على قبول الشعب لها ورضاه عنها في نظري، فلا زالت المشاكل والأزمات مستمرة ولا زال المواطن يعاني من مشاكل أمنية واقتصادية ومالية وخدمية، وعلى المسؤولين تدارك الأوضاع والعمل جميعا لإخراج البلاد من أزمتها من خلال السعي الحثيث لتلبية احتياجات المواطن الأساسية ودعم الاستقرار وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

ما موقفكم من الضربات الجوية الأمريكية ضد مواقع "داعش" في سرت، وما تم الكشف عنه سابقا من وجود قوات فرنسية خاصة داعمة لخليفة حفتر؟

أظن أن السؤال الذي يطرح نفسه ابتداء هو من أين حصل كل طرف على طلب التدخل في الشأن الليبي؟ وعلى هذا السؤال سينبني الموقف، فعندما يتم الطلب من الدولة الليبية فهذا تدخل قانوني بالرغم من الاختلاف حوله وهل نحن بصدده؟ أما إذا كان التدخل بدون إذن من الدولة الليبية، فهذا انتهاك لسيادة الدولة.

وداعش تنظيم إرهابي خرج علينا في الساحة الليبية بقوة واستعداد تدعو للريبة والشك والتساؤل: من وراءه؟ ومن يدعمه؟ ومن صاحب المصلحة في وجوده؟ ومن يغطي تحركاته؟.. ولقد رأينا كيف تمت مطاردة التنظيم والقضاء عليه في كل من درنة وصبراتة وأخيرا سرت.

وما يتعلق بالتدخل الأمريكي، فقد تم بطلب واضح ومعلن من قبل الدولة الليبية، وكان مقتصرا على تنفيذ ضربات جوية، وهذا يختلف تماما عن التدخل الفرنسي في شرق البلاد الذي كان بغير إذن وأن قوات أجنبية سمح لها بالتواجد على الأراضي الليبية الأمر الذي نرفضه وندينه بشدة.

الحركة الإسلامية والتغيير

كيف ترون تجربة الحركة الإسلامية منذ الربيع العربي؟

تجربة الحركة الإسلامية في دول الربيع العربي اختلفت من دولة إلى أخرى، نتيجة لطبيعة الدول وأشكال الصراع واختلاف التحديات، ولكن الواضح أنه لم يكن هنالك تنسيق مناسب ومكافئ بين دول الربيع المختلفة، إضافة إلى قلة خبرة أبناء الثورة ومن بينهم أبناء الحركة الإسلامية على قيادة الانتقال من مرحلة الثورة إلى الدولة.

وحتى لا نضع اللوم على رموز الثورة وقياداتها وحدهم نعتقد أن الثورات المضادة كان لها أثر بالغ في إعاقة مسيرة الربيع العربي والحيلولة دون تحقيق أهداف الثورات والتصدي لأبناء الحركة الإسلامية وشيطنتهم وإبعادهم من مواقع التأثير حتى يسهل القضاء على الثورات ووأدها في مهدها.

ما هي أبرز الإيجابيات والإخفاقات التي وقعت فيها الحركة الإسلامية برأيك؟

كان للحركة الإسلامية بالعموم إيجابيات حين انحازت للشعوب ودعمت ثورات الربيع العربي، بل تحملت تبعات معارضة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة حتى تُوج النضال باندلاع هذه الثورات وتحملت تبعات تلك الخيارات ولا زالت تبذل كل طاقاتها وتسخر جهد أبنائها لمقارعة الثورة المضادة التي تلقت دعما منقطع النظير من أطراف محلية تساندها دول إقليمية تحت رعاية دول غربية كان تدخلها العسكري المباشر معلنا وواضحا في ليبيا بعد أن كنّا نسمع عن غرف أمنية وأخرى إعلامية تستهدف ثورات المنطقة.

وعلى الرغم من التوافق والتنسيق عالي المستوى بين الدول التي تكالبت على محاربة الثورات ومنع تحرر الشعوب، فإننا لا نرى الأمر ذاته يحدث في صف أصحاب الثورات، تشرذم ووقوع تحت طائلة ردود الأفعال بدل صناعتها، الوقوع في فخ الاستنزاف من خلال إطالة أمد الصراع، فصار أصحاب الثورات يديرون الصراع غير مستبطنين المراحل القادمة أو ساعين لاستشرافها من خلال الإعداد لمرحلة البناء التي تلي حالة الصراع، بل هي من سيجعل له نهاية وشيكة لو أحسنا إدارة الموارد وتقسيم الأدوار وتحديد الأولويات والتصالح مع المجتمعات وعقد التحالفات والشراكات، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بعد حدوث مراجعات وتصحيحات داخلية جريئة تعترف بالمثالب وتشخص الأخطاء بموضوعية بعيدا شماعات المؤامرة ولغة التبرير.

هل الحركة الإسلامية بحاجة لتغييرات ضرورية لمواكبة المرحلة؟ وكيف يمكن للحركة الإسلامية أن تصحح مسارها وتعيد تموضعها بالشكل المناسب في ظل الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية؟


نعم، الجميع يحتاج إلى أن تكون له قدرة ورغبة أكيدة في تغيير وتجديد وتطوير جذري، وذلك يستوجب شجاعة ومصالحة مع الذات، أولا بالاعتراف بالخطأ وضعف الأداء وقلة الخبرة والبحث عن مكامن الخلل والعمل على الاستدراك والتصحيح، ونذكر هنا بعض الجوانب المهمة إلى تحتاج إلى تطوير أو على الأقل إلى نقاش مستفيض يؤسس لحالة صحية تواكب الواقع الجديد والمتجدد الذي حدث بالمنطقة.

وأول مسألة نؤكد عليها هي أن الإسلام يمكن أن يؤسس على قيمه نظام شامل، لكن هذا الفهم لا يجب أن ينقلك إلى أن المؤسسة هي الإسلام وأن نظامه الشامل لابد أن يجسد في ثنايا التنظيم ومناحيه.. وحالة التطابق هذه ستؤدي إلى فهم مغلوط مفاده أن التنظيم هو الوحيد القادر على قيادة المجتمع، ثم إن ذلك سيدعونا إلى الاشتغال بكل شيء ويبعدنا عن التخصص الذي سيؤول إلى دنو فاعلية التنفيذ والقدرة على النجاح، فمن يفعل كل شيء لن يظفر في أحسن الأحوال إلا بنجاحات مجتزأة غير كافية ولا مناسبة لحجم التحديات والاحتياجات، والصواب في نظرنا أن تبنى المؤسسة بثقافة أنها إضافة نوعية للمكونات المجتمعية الأخرى بغية سعي الجميع لتمكين المجتمع لا التمكن منه.

وجب أيضا الاهتمام بالعقلية الإبداعية وصناعة الإبداع وتهيئة المناخ الذي يحيا فيه ليحدث التميز بعيدا عن قولبة الجنود التي صِيغت عقولهم لتشرب نمط محدد من العمل ودوائر محدودة من التفكير.

مسألة أخرى بالغة الأهمية، وهي العمل المؤسسي الذي نؤمن بضرورته ونعتقد أن أحد معايير نجاح أي مؤسسة هو قدرتها على صياغة مشاريعها من خلال عقد شراكات حقيقة، واعتبار وجود الآخر ليس ظاهرة صحية فحسب بل ضرورة مجتمعية لا يمكن النهوض بدونها، لكن ذلك يجب أن يتم بعيدا عن ثقافة وأسلوب الاستخدام، ووجب كذلك الانتقال من مفهوم الاستحواذ على المؤسسة إلى حالة الحرص على نجاحها حتى وإن كنا في المقاعد الخلفية.

لابد أيضا في هذا السياق من التأكيد على أهمية وجود قنوات تواصل سليمة ومصارحة ومكاشفة حقيقية بين أبناء المؤسسة توفره وتحرص عليه قيادتها بعيدا عن الإرهاب التنظيمي، وكذلك دعم وتذكية ثقافة ومعاني التداول الحقيقي في الحركة الإسلامية، فلا يجدر بنا أن نرفع شعارات في تكوين المجتمعات والأمم ونحن أول من ينقضها.

ومن الأهمية التأكيد على أن العبرة ليست بحجم الموارد البشرية والمادية على أهميتها، ولكن العبرة بإدارة تلك الموارد وحسن تدبيرها وأننا نحتاج دائما لفهم واقعنا فهما عميقا لا يتم بالانطباعات الشخصية، بل يجب تسخير لغة الأرقام وتوظيف المراكز البحثية وغيرها من الآليات لمعرفة واقع مجتمعاتنا، حتى تكون رؤيتنا متصالحة مع واقعنا وخطتنا وأهدافنا تتحقق بفاعلية في محيطنا.

لابد كذلك أن يطال التطوير أنماط العمل وأشكاله، حيث أن البعض اعتبر أن بعض تلك الأشكال والأنماط الإدارية ثوابت لا يتزحزح عنها قيد أنملة، فهيكليات هرمية وأنماط عمل قديمة وبيروقراطية مخلة تجعل المؤسسة تبتعد عن المرونة والخفة فتذهب الفرصة تلو الأخرى ولا يبقى لنا منها إلا التحسر عليها وعقد العزم على الاستفادة المستقبلية التي تعودنا أنها لن تحدث.

هذه بعض إضاءات حتما تحتاج إلى من يضيف عليها، والموضوع لازال قيد التداول والإنضاج وهي حالة ضرورية لاستشراف مرحلة جديدة تقود إلى المساهمة في بناء الشعوب وتحقيق الآمال.

دعوتم أبناء ليبيا إلى الاستفادة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا.. فما هي تداعيات ما حدث في تركيا على الربيع العربي وليبيا على وجه الخصوص؟


الحقيقة أن محاولة الانقلاب الفاشلة على الديمقراطية في تركيا أبانت بما لا يدع مجالا للشك بأن بناء الإنسان وتوعيته والرهان على نضج الشعوب ووعيهم هو الرهان الناجح، فالشعب التركي بمكوناته ونخبه وشرائحه كانوا مثالا للأمة التي تاقت إلى الحرية ورفضت حكم العسكر الذي لم يجلب للدول التي كان على رأسها إلا التخلف والاستبداد والفساد.

وعلى الشعوب العربية وقادتها ونخبها ومكوناتها أن يستفيدوا من الدرس التركي الذي خرج فيه الشعب ليدافع عن حريته وكرامته واستقلاله، وأن التجاذب والاستقطاب السياسي لا يجب أن يصل بالأطراف إلى حالة العمالة وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة الوطن، بل يجب على الفرقاء أن تكون بينهم مساحات تلاقٍ ينعم فيها الجميع بقيم الحرية والدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة والتصدي لكل المؤامرات التي تستهدف استقرار بل وجود الوطن.
التعليقات (0)