أصبح الصعود المتواصل لسعر
الدولار مقابل
الجنيه المصري في الفترة الأخيرة عامل جذب للكثير من المصريين الذين تحولوا إلى العمل في تجارة
العملة لتحقيق مكاسب سريعة.
ولم يعد الأمر قاصرا على فئة بعينها، حيث أغرت تجارة العملة أفرادا يعملون في وظائف مرموقة، تركوها ليعملوا في تداول الدولار.
وقال "أحمد عمار"، وهو دكتور في إحدى الجامعات الحكومية العريقة منذ سنوات طويلة، إنه بدأ منذ سنتين تقريبا العمل في تجارة العملة، بحثا عن دخل مناسب يمكنه من توفير حياة كريمة لأسرته.
وأضاف عمار، في تصريح لـ "
عربي21"، إنه بعد أكثر من عشر سنوات من التدريس في الجامعة فإن المرتب الهزيل الذي يتقاضاه لم يعد كافيا للوفاء بالاحتياجات الأساسية لأبنائه، مؤكدا أنه اضطر إلى البحث عن عمل آخر لتعويض هذا النقص.
وأوضح أن الأمر بدأ معه بالعمل في تجارة الدولارات بعدما أخذت العملة المحلية في الانخفاض المتواصل عقب انقلاب يوليو 2013، وأصبحت التجارة في العملات الأجنبية تحقق مكاسب جيدة.
ولم يهتم عمار بالانتقادات لكونه أستاذ جامعي ترك وظيفته المرموقة ليعمل في تجارة العملة، قائلا: "ماذا قدمت لي وظيفتي المرموقة؟، فأنا حتى وقت قصير كنت لا أمتلك سيارة تنقلني إلى الجامعة، وما زلت أسكن في شقة بالإيجار لعدم قدرتي على شراء شقة خاصة لأسرتي".
وأوضح أنه بدأ بالتجارة بين معارفه من الأصدقاء والأقارب، قبل أن يتوسع في تجارته مستعينا بمواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن أعين السلطات مثل الآلاف من تجار العملة.
تجارة بعد معاناة
أما "خالد السيد"، والذي يعمل مديرا ماليا في أحد المصانع، فقال لـ "عربي21" إنه اتجه مؤخرا للعمل في تجارة العملة بعدما لمس بنفسه المعاناة التي يكابدها المستثمرون والمستوردون لتدبير احتياجاتهم من الدولار.
وأضاف السيد أنه، بسبب طبيعة عمله، كان مسئولا عن توفير الدولارات التي يحتاجها المصنع لاستيراد المواد الخام التي يحتاجها من الصين، وكان مضطرا لشراء الدولار بأكبر من قيمته الرسمية بكثير بسبب قلة المعروض في السوق، ومن هنا جاءته فكرة الاستقالة من وظيفته، والتفرغ لتجارة الدولار التي تدر أرباحا كبيرة على السماسرة، موضحا أنه أصبح يتاجر أيضا في الريال السعودي خاصة في مواسم الطلب عليه مثل عمرة رمضان والحج.
ومع ازدهار نشاطه، دخل في شراكة مع أحد أصدقاءه، وبدأوا في نشاط آخر وهو تحويل الأموال من الخارج إلى الداخل، أو العكس، مقابل تحصيل عمولة مناسبة.
وأوضح أن الآلاف من المصريين العاملين في دول الخليج أوقفوا تحويل أموالهم إلى داخل البلاد عبر الطرق الرسمية بسبب الفرق الكبير بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء والذي وصل إلى 50% تقريبا، وأصبحوا يحولونها عن طريق تجار متخصصون في هذا المجال مقابل عمولة بسيطة، حسث يتسلم مندوب تابع له الدولارات من العميل في الخارج، ثم يسلم أهله في مصر القيمة بالجنيه المصري وفقا لسعر السوق السوداء.
وأضاف أن كثير من المستوردين يريدون تحويل دولارات من مصر إلى دول أجنبية لاستيراد بضائع من الخارج، لكن القيود الشديدة التي تضعها الدولة على خروج النقد الأجنبي من البلاد يدفعهم إلى اللجوء لتجار يتولون إخراج هذه الأموال بطريقتهم، ويتم تسليمها للتجار في دولة أخرى، وغالبا ما يكون في دبي، حيث يتم تحويل الأموال من هناك إلى المصدرين.
وأكد أنه يمارس عمله بشكل غير رسمي عن طريق الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي وينتقل إلى عملائه بالسيارة، مشيرا إلى أنه تمكن في عام واحد من تحقيق الدخل الذي حققه في وظيفته السابقة في أربع سنوات.
سوق العملة الكبير
وتحولت منطقة وسط القاهرة التي تضم آلاف المحال التجارية والمقاهي والمطاعم في مركزا كبيرا لتجارة العملة بشكل غير رسمي، حيث ترك الكثيرون مهنتهم الأصلية وأصبحوا يتاجرون في العملة، حتى حراس المباني وعمال الجراجات!.
وفي أحد محال الأحذية بوسط القاهرة، حصلت "
عربي21" على سعر جيد للدولار، قبل أن تتوصل إلى سعر أفضل منه في محل مجاور له يعمل في مجال الملابس الجاهزة!.
ومع تواصل النقص في المعروض من الدولارات، بسبب أزمة السياحة المصرية انخفاض الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، يتوقع محللون أن يستمر تدهور الجنيه أمام الدولار لشهور مقبلة.
وخلال مؤتمر "يورومني مصر" الذي بدأ فعالياته اليوم الاثنين بالقاهرة، قال كريستوف جارنيت، مدير عام مؤتمرات يورومني، إن استطلاعا للرأي كشف عن أن 55% من المشاركين توقعوا أنه يصل الدولار الرسمي في مصر إلى 11 جنيها قريبا.
وقال طارق طنطاوي نائب الرئيس التنفيذي لشركة سي آي كابيتل إلى أن انخفاض الجنيه مقابل الدولار سيستمر في المرحلة المقبلة، متوقعا أن يصل سعر الدولار في البنوك الرسمية إلى ما بين 11 و12 جنيها.