مدونات

يسقط حكم المرباع

سيلين ساري
سيلين ساري
مرباع الغنم هو كبش، يُعزل عن أمه يوم ولادته، ويُسقى حليبها دون أن يراها، ويُوضع مع أنثى حمار حتى يعتقد بأنها أُمه.

وبعد أن يكبر يُخصى، ولا يجز صوفه (للهيبة)، وتنمو قرونه فيبدو ضخماً، وتُعلق حول عنقه الأجراس الطنانة. 

فإذا سار المرباع سار القطيع وراءه، معتقدا أنه يسير خلف زعيمه البطل. لكن المرباع ذا الهيبة المغشوشة، لا يسير إلا إذا سار الحمار ولا يتجاوزه أبدا.

وعلى رغم خوف الخراف من الكلاب كما هو معروف، تنشأ علاقة وطيدة عادة، بين المرباع والكلب، الذي يحفظ أمن القطيع، بحيث يصيران حليفين، لا تنفصم لتعاونهما عرى، في سبيل سير الجميع على خطى الحمار، ومُعاقبة كل من تسول له نفسه الخروج عن وحدة الصف، الأغنام خلف قائدها وقائدها خلف الحمار.

هكذا هو حال الشعوب العربية مع حكامها وقادتها، القائد مهيب الركن عظيم الشأن أمام شعبه ما هو إلا خروف مخصي يسير خلف حمار الصهيونية التي يعتبرها أمه التي أرضعته، ويسير جنبا إلى جنب مع الكلب الأمريكي حارس الصهيونية، وكل من تسول له نفسه من الشعوب أن يخرج بعيدا عن طريق الصهيوأمريكية يُعاقب من المرباع وسادته.

ومصر كمثال فمنذ انقلاب العسكر في 1952 لم يصل لحكمها غير كل مرباع أعِدّ وتربى على لبن الحمار وصداقة الكلاب. 

فلم يكن لعبد الناصر أن يصل لسدة الحكم إلا بعد انقلاب فرضته بريطانيا على المصريين بمباركة أمريكية لكن في الخفاء، فكلا الدولتين كانت لهما أسبابهما التي تجعلهما مؤيدتين لانقلاب عسكري على حكم الملك.

فبريطانيا: كانت تعلم أن خروجها من مصر صار أمرا واقعا لا محالة لأسباب عدة منها معاهدة 1936 التي تقضي بالخروج من مصر سنة 1956. 

- فصل مصر عن السودان، والذي كان عماد المشاريع الإنجليزية في أفريقيا وهذا ما رفضه الملك وتمسك بلقب ملك مصر والسودان، فكان لابد من خلعه ووجود حاكم بالإنابة لتنفيذ ذلك فوقع الاختيار على جمال وزمرته من تربوا على عين الاحتلال.

أما أمريكا: فكان هدفها زراعة محتل بالإنابة لتحقيق أهدافها. 

-  تصفية الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في العالم العربي، وإحلال النفوذ الأمريكي محلهما (صراع الإمبراطوريات).

- حماية إسرائيل وهذا ما رفضه الملك بإقامة صلح مع إسرائيل.

فجمال لم يكن سوى خديعة كبرى، أي مرباع أعدته بريطانيا لكن أرضعته أمريكا ولم تجز صوفه يوما وأحاطت عنقه بالأجراس الطنانة التي كان يسمع صوتها العرب وليس المصريين فقط فيسيرون خلفه، منخدعين بهالة القائد الذي صار رمزا في تاريخ مليء بالأخطاء التي لا تغتفر.

ولكن كيف صنع الأنجلو أمريكان من البكباشي عبد الناصر مرباعا بهذا الحجم؟

أولا، اختياره بعناية كشخص عادي من عامة الشعب الفقير فيظهر كمنقذ لبني طبقته الكادحة من بطش وفساد الملك وحاشيته فيستولي على أموالهم باسم الشعب ولكن يظل الشعب فقيرا بل ويزداد فقرا. 

ثانيا: جعلوا له بطولات أقرب ما تكون للأساطير فهو بطل الإنجازات، الحاكم العادل والعسكري الصنديد وإنه من أعز هذه الأمة المغلوبة على أمرها فكان من أولى قراراته الانفصال بين مصر والسودان رغم أهميتها العظيمة لمصر، وكانت حجته أن مصر كانت تحتلها وهو الراعي للحريات، حلم بريطانيا التي لم تستطع تحقيقه على مدار 60 عاما حققه لها ناصر.

- تأميم قناة السويس التي شارف عقدها على الانتهاء فعليا فكانت عملية إعلامية أكثر منها عملية وطنية. 

- صار رمزا لمساندة الشعوب في المطالبة باستقلالها وهذه أكبر أكذوبة تم خداع المصريين والعرب بها، فلم يدخل جمال جنود مصر بأي حرب إلا لصالح أعداء البلاد وأعداء الدين، ومنها حرب اليمن التي راح ضحيتها 120 ألف جندي مصري ما كانت إلا لمساندة المشير عبد الله السلال للقيام بانقلاب عسكري على ملك اليمن، وكذا كان الحال بحرب الكونغو. 

ولكن أهم ما قدمه عبد الناصر لسادته الجدد الأمريكان الذين أوصلوه للحكم وهذا ما أعلنه روزفلت بأنهم مولوا الانقلاب للتخلص من الملك ومن بريطانيا، وعلى ألا تحتل قضية فلسطين صدارة أولويات الدولة المصرية الجديدة، هو سعيه (جمال) لتهجير اليهود العرب لإسرائيل حتى يكون للدولة العبرية شعب وليس مجرد عصابات هاجانا.

ثم توالت هزائمه لكي تكسب إسرائيل مزيدا من الأرض وذلك من العدوان الثلاثي إلى هزيمة 1976.

هذا جزء من السياسة الخارجية لمرباع أتى به الغرب ليحكم، أما على الصعيد الداخلي فبعد أن حطم جمال مصر على كل الأصعدة زراعيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا وثقافيا حطم شعبها نفسيا، نصّب نفسه مخلصا المصريين ومحررهم من ذل عبودية الملك والإقطاعيين، كان يعتبر مصر عزبة أهله وأن ذاك الشعب قطيع من العبيد فمثل بجثت أحيائه وأمواته.

فإعدام واعتقال أصحاب الفكر والرأي المخالف له كان سمة عصره، وليس أقرب للأذهان من إعدام سيد قطب والشيخ محمد فرغلي وعبد القادر عودة وحبس زينب الغزالي وحميدة قطب وإهانة الكرامة وفظائع التعذيب التي أفقدت الكثير عقولهم، وما مذابح طرة وكمشيش وكرداسة بخفية عن أحد، كل هذا ليس بغريب عمن تربى بحارة اليهود وصادقهم منذ نعومة أظفاره وظل على علاقته بهم وهو يحاربهم في 1948 فكان صديقه ايجال يادين رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي في حرب 48 عندما كان جمال محاصرا في الفلوجة يرسل له عدة مرات أقفاصا من البرتقال وعلبا من الشكولاتة كما يروى حسن التهامي.

ومن المرباع عبد الناصر، إلى المرباع السادات صاحب معاهدة الذل، إلى المرباع مبارك الذي ترك مصر مرتع لليهود، إلى أكبر مرباع وصل لحكم مصر السيسي الذي باع البلاد بالعباد، ليست مصر وحدها من حكمها مرباع للغرب فسوريا والعراق واليمن وكل دول العرب والإسلام كانت تحكم من خلال مرباع الغرب.

ولكن آن لنا أن نستفيق فعندما يكتب التاريخ بهدف إخفاء جريمة صار تزويرا في أوراق وطنية ولابد من تصحيحه حتى نستطيع أن نصحح حاضرنا ومستقبلنا.
4
التعليقات (4)
ماجد قصاب
الإثنين، 15-08-2022 02:35 م
كل حكام الشرق الأوسخ هم حقيقة خونة بلدانهم لصالح الغرب وخيرات بلدانهم لدول أخرى كما يحصل في العراق تسرق مليارات الدولارات وتودع في بنوك أيران وتركيا ولبنان المفلسة أقتصاديا وماليًا
عثمان الأهدل
السبت، 06-06-2020 08:40 م
مقالة رائعة. وصفت الأكباش على حقيقتهم. وعدرا على قراءة مقال بعد أربع سنوات. مقالة لا تنضب أبدا حتى نتخلص المرابع لعنهم الله وأخزاهم.
Sam
الجمعة، 02-12-2016 06:29 م
اعتقد ان مقدمة المقال بمعظمها مسروقة من مقال آخر للكاتب ماجد عبد الهادي بعنوان المرياع أو الخروف الرئيس. أما ما تبقى منه عن الزعيم الراحل عبدالناصر فلا أعرف إن كان مسروقاً هو الآخر أم هو من بنات خيال الكاتبة.
جمال
الأربعاء، 05-10-2016 08:55 م
تحليل رائع و صادق و محتوى عال الثقافه