قضايا وآراء

مستقبل "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقا)

أيمن خالد
1300x600
1300x600
إشكالية جبهة النصرة هي إشكالية عموم الحركات الإسلامية التي ظهرت من أفغانستان إلى المشرق العربي؛ أنها غرقت منذ لحظاتها الأولى في المعطيات الفقهية والشرعية، وبالتالي في اللحظات التاريخية الحاسمة، هي تعجز عن إدارة الأمور السياسية، لذلك فالانطلاقة الجهادية لهذه الحركات عندما تصطدم بالخطاب السياسي سرعان ما تنتهي بها إلى الانقسامات والاقتتال الداخلي أو الجانبي، وكل هذا يتم تحت مظلة الفتاوى الشرعية المستحدثة.

هل تعي جبهة النصرة فقط حجم الكارثة التي أوقعت فيها الشعب السوري بإصرارها حتى اللحظة الأخيرة أنها جزء من القاعدة؟ وما قامت به مؤخراً من إعلان انفصالها عن القاعدة كان يعكس عمق اصطدامها في المشهد السياسي، وعجزها عن التقاط اللحظة التاريخية المناسبة، التي اقتضت التفكير بحماية الشعب السوري أولاً. فالسؤال الأهم: من هي الدولة التي كان لديها الاستعداد للتدخل (العلني) لحماية الشعب السوري، أمام عناد الفصائل ذات التوجه الأصولي؟

فالحركات الجهادية في سوريا، حرمت أولاً الدول من مساعدة الشعب السوري في الوقت المناسب، وقامت ثانياً بعرض الحالة السورية على أنها مجرد حالة أفغانية. وهنا اريد تذكير أبو محمد الجولاني بـ400 قتيل هم حصيلة صراع دموي بين الفصائل الإسلامية في الغوطة الشرقية بدمشق خلال شهر واحد فقط، بالإضافة إلى مئات الجرحى، وما تبع ذلك من سيطرة النظام السوري على مساحة واسعة من الغوطة الشرقية.

هذه الحركات الجهادية هي عملياً تعيش في عالمٍ نظريٍ من الوعي الفقهي، ولدى محاولة نقلها لهذا الفقه الشرعي إلى الشارع، لا تستطيع أن تسمع ولا ترى ولا تمارس سوى لغة الاستبداد ظناً منها أنها تأتي بالإسلام على حقيقته، وهنا فقط سأكتب بعض الأمور للسيد الجولاني، مع أنني لست فقيها.

هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته سراً في بيت الأرقم بن أبي الأرقم من أجل أن يحمي المسلمين من بطش قريش؟ وهل تعلم أن الرسول عندما عاد من الطائف استجار بـ"عدي بن مطعم" وهو من المشركين، وذلك بعدما رفضت قريش دخوله إلى مكة؟ وهل يعلم الجولاني أن قبيلة "خزاعة" كانت على حلف مع رسول الله ولم تكن على دين الإسلام بعد؟ وهل يعلم الجولاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صلح الحديبية، ومن أجل حقن الدماء، مسح كلمتي "رسول الله" حتى تتم المعاهدة، ولم يقل لقريش إنني رسول الله رغماً عنكم؟ فلماذا تأخرتم خمس سنوات حتى مسحتم اسم القاعدة من صفتكم؟ وبالتالي بعد كم سنة سوف تعلمون ما هو مطلوب الآن لأجل حماية السوريين؟ وكم ستقتلون وكم سيموت من السوريين وأنتم فقط علاقتكم بالعملية السياسية علاقة تجريبية، وأيضاً تجاوزكم لأشياء فعلها الرسول الكريم لحقن الدماء ولم تفكروا بتاتاً بحقن الدماء هذه؟

فهل يستطيع الجولاني التحالف مع الجيش الحر مع أنه ليس من عبدة الأوثان، كما فعل الرسول الكريم مع قبيلة خزاعة؟ وهل يستطيع الجولاني لأجل حقن دماء الأبرياء السوريين أن يتوقف عن تقديم نفسه كحركة أصولية؟ أم أن الأزمة هي في عموم العقل السياسي للحركات الإسلامية العربية والذي سيبقي تحت مستوى الوعي؟ وبتقديري ليست المشكلة في جبهة النصرة فقط، ولكن هو عموم المشهد في المنطقة، حيث قدمت الحركات الإسلامية النموذج الأسوأ عبر التاريخ في إدارتها للصراع، فهل تملك الحركات الجهادية طريقة لكي تتحاور فقط مع بعضها البعض دون الحاجة للدماء؟ فإذا كنتم لا تملكون طريقة للحوار مع بعضكم البعض كإسلاميين، فمن أنتم، وأي دولة ستصنعون؟؟
التعليقات (0)