كتاب عربي 21

العالم العربي على مشارف سايكس بيكو 2

إحسان الفقيه
1300x600
1300x600
عام 1957م، أصدر الصحفي الهندي كارنجيا، كتابا بعنوان "خنجر إسرائيل"، الذي عُرف بوثيقة كارنجيا، كان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قد حصل عليها، ثم سلمها للصحافي الهندي الذي صنف ذلك الكتاب.

تضمن الكتاب جملة من المخططات الصهيونية في المنطقة العربية بالأرقام والوثائق، كان أبرزها تقسيم المقسم، أي النسخة الثانية من سايكس بيكو، فكيف لم يتنبه العرب لخطورة تلك الوثيقة؟ هل لأن العرب كما قال موشي ديان: لا يقرأون؟

قطعا لا يعني ديان أن العرب لن يطلعوا عليها، وإنما يُعّبر عن حقيقة برهن عليها الواقع، تجعل العلم بالشيء كعدمه، وهو أن الدول العربية في شُغل عظيم عن التعاطي الجاد مع تلك الوثائق، فالفجوة عميقة بين الشعوب وحكامهم، والخلافات مستعرة بين زعماء الدول، وسوق النخاسة العالمي لا ينفض، حيث تزدهر فيه تجارة العملاء والمأجورين الذين يبيعون أوطانهم ودينهم وأمتهم من أجل العروش.

لم يقف حكام العرب أمام تلك المخططات التي تُترجم إلى واقع عملي عاما بعد عام، فيظن الواحد منهم أنه بالارتماء في أحضان البيت الأبيض أو الكريملين، أنه قد آوى إلى ركن شديد، غير عابئ بمصير الثيران يوم أُكِل الثور الأبيض.

عام 1982، نشرت مجلة كيفونيم التي تُصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، وثيقة تستعرض الاستراتيجية الإسرائيلية لتمزيق الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية ودينية، وجاء في تلك الوثيقة: "إن تفكيك سورية والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل هو هدف الدولة الصهيونية الأسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير، وسوف تتفتت سورية تبعاً لتركيبها العرقي والطائفي إلى دويلات عدة".

ولكن يستمر الصمت العربي الإسلامي، على طريقة "أحْيِني اليوم، وأمتني غدا".

وبعد أن قُسمت السودان، جرى العمل على مشروعات التقسيم على قدم وساق، بتنسيق دولي، في عدة دول عربية، وبخاصة في العراق وسوريا.

في سوريا، عمدت أمريكا إلى إطالة أمد الحرب لتدمير البنى التحتية لسوريا، وسمحت لإيران بالتدخل بقوة، ونسقت مع الروس للدخول على الخط، بحيث يبقى الحل الأوحد بعد هذا الدمار والخراب هو تقسيم سوريا على حساب الأغلبية السنية، حيث تكون هناك دولة كردية يتوزع ولاؤها بين أمريكا وروسيا وتمثل تهديدا لتركيا، ودولة علوية موالية لإيران، ودولة سنية يحكمها نظام علماني موالٍ لأمريكا.

وفي العراق بدت مؤامرة التغيير الديموغرافي وتقسيم العراق واضحة، وأصبح التقسيم حديث الساعة بين الساسة الأمريكان بما يدل على الشروع فيه ودخوله حيز التنفيذ، ومن ثم تدعم أمريكا الحكومة العراقية الطائفية التي جعلت العراق محافظة إيرانية أخرى، ومعها المليشيات الموالية لطهران، التي تمثل عصب القوات العراقية.

وتدعم أمريكا كذلك الأكراد في العراق، وجعلت منها قوة أساسية في معركة الموصل ضد تنظيم الدولة، بما يدعم فكرة التقسيم وإقامة دولة كردية مستقلة.

تقسيم العراق لا يفارق العقلية الأمريكية، وأبرز من دعا إليه هنري كسينجر، الذي تحدث عن تقسيم العراق إلى دولة كردية في الشمال، وشيعية في الجنوب، وسنية في الوسط، والأمر ذاته ذهب إليه السيناتور الأمريكي جوزيف بايدن، وغيرهما من الرموز السياسية والعسكرية بأمريكا.

غير أنه برزت أطروحة أخرى بأمريكا تقضي بتقسيم العراق إلى شيعية وكردية فقط، ومن ذلك ما صرح به سابقا رئيس الأركان جوزيف دنفور، حيث قال "العراق يمكن تقسيمه لدولتين فقط: للشيعة والأكراد"، مشيرا إلى عدم إمكانية قيام دولة للسنة إن تم تقسيم العراق، وبرر دنفور ذلك بقوله إن السنة لا يملكون الموارد الكافية لتشكيل دولة، وأوضح أن الشيعة والأكراد أكثر تجهيزا بكثير من السنة إن كانت لهم دول مستقلة.

الحضور القوي والبارز للقوات الموالية لإيران والقوات الكردية في معركة الموصل مع تعمد تغييب الحضور السني (إقصاء العشائر السنية والإصرار على استبعاد تركيا) ربما يخدم هذه الأطروحة ويدعمها.

تجري هذه المؤامرة على ظهر مطية تسمى داعش، التي صنعتها أمريكا وإيران، التي تستخدم كستائر الدخان في تدمير الشعوب المسلمة، ومهمتها تهيئة المظلة المناسبة لإلحاق الدمار والخراب في البلاد الإسلامية.

التقسيم دخل حيز التنفيذ، وقطعا سيأتي على حساب المكون السني الذي لا يجد راعيا، ولا يجد من ينوب عنه بعد أن تركناه وحيدا، وأعطينا الفرصة لتنظيم داعش لأن ينوب عن ذلك المكون.

سيكون من الخطأ البيّن توصيف الحرب على أنها موجهة ضد المسلمين بصفة عامة، فهي تستهدف بلا شك المكون السني، الذي صار فريسة للتحالفات الدولية والإقليمية، فإلى متى ينأى حكام العرب عن التحدث باسم المسلمين السنة؟

إلى متى ستظل فزاعة الطائفية سدا منيعا يحول بيننا وبين نصرة أهل السنة والدفاع عن حقوقهم، والتي سوف تُلتهم التهاما إذا ما تم مشروع التقسيم.

مؤخرا، كتب الأستاذ جمال خاشقجي مقالا بعنوان "دافع عن السنة ولا تبالِ"، ينادي فيه برفع راية أهل السنة والدفاع عن حقوقهم، ونزع ربقة الخوف من الاتهام بالطائفية، في وقت كشفت فيه إيران وحلفاؤها عن وجهها الطائفي في سوريا والعراق، هذا الطرح أنشأتُ على إثره (هاشتاج) يحمل ذات العنوان، وتمنيت لو تبنَّته الأقلام والنخب، فإننا في كل الأحوال متهمون بأننا أصحاب نَفس طائفي.

سنكون طائفيين إذا قمنا كغيرنا بالقتل والقمع على الهوية، سنكون طائفيين إذا لم نقبل التعايش السلمي مع الآخرين، أما التمايز فليس مرادفا للطائفية.

سايكس بيكو 2 تقرع الأبواب، وسيدفع المسلمون السنة الثمن باهظا، الجميع سيخرج رابحا عداهم، فإلى متى سيبقى حكام الأمة نائمين حيال مؤامرات التقسيم؟
التعليقات (8)
محمود حمانه
الأحد، 30-10-2016 09:14 م
تقسيم الوطن العربي ساهم فيه الحكام العر ب بتواطؤئهم مع اليهود والصليب د شعوبهم التى حكموها بالحديد والنار وطمسوا مفهوم الوحدة الوطنية فى وجدان الشعوب كما ساهمت فيه الشعوب الغربية نفسها بوضع ذات الحكام فى مرتبة القداسة وضلت تتغنى بالشعارات الواهية على حساب مصالح الوطن والأمة،اكثر مما يتصور الكثير.فاليهود والصليب لم يفعلوا اكثر من أنهم أجهزوا على بناء آئل للسقوط اساسا.وما حصل فى البلاد العربية ليس فى الواقع بفعل قوة الغرب واليهود وذكائهم بقدر ما هو بسبب إستعداد الشعوب العربية نفسها للتقسيم،وهذا نظرا للقصور والعطب الذى اصاب العقل العربي.وإذا كان التقسيم يستهدف الدول الإسلامية كما يمكن أن يتبادر الى الذهان،لماذا لم نقرأ يوما ان باكستان او افغانستان او أندونسيا مثلا واردة فى مشروع التقسيم.ليس من العسير تقسيم دول كان حكامها سببا فى سقوط الخلافة وضلوا لعقود طويلة وما زالوا يمارسون الحكم الفاشي ضد شعوبهم...لو كان الدهاء اليهودى او قوة الصليب كاف لتنفيذ المشروع ما سلطوا علينا حكاما أدهى الف مرة من اليهود والصليب لدرجة أن الخصام بات بين الحكام والشعوب بدلا من أن يكون ضد أعداء الله ورسوله..
احمد المعلا
الثلاثاء، 25-10-2016 06:09 م
أنا قرأت ما نشرتم واعتقد انه أنتم تبالغون بالموضوع وتنشرون الرواية الصهيوامريكية للعرب حتى يصدقوا بها وتعيش في عقلهم الباطن والواقع غير ذلك في البلدين والمثال على من دعم هذه الاطروحة الحكومة السعودية بتدخلها في إليمن وقتل اَهلها وأطفالها ومحاولات إسقاط النظام في سوريا والعراق
مجدي علي
الإثنين، 24-10-2016 07:38 م
"سيكون من الخطأ البيّن توصيف الحرب على أنها موجهة ضد المسلمين بصفة عامة، فهي تستهدف بلا شك المكون السني".. وهل تعتقدين أن الشيعة يدخلون في وصف المسلمين.. نعم انها حرب موجهة ضد المسلمين.. وتعريف المسلمين لا يشمل الشيعة بلاريب.. لأن التشيع دين بني على أسس عقائدية وشرائعية مختلفة كلية عن الإسلام.. فالشيعة لهم قرآنهم الذي يختلف عن قرآننا، ولهم إيمانهم الذي يشمل أصلين لم يردا في إيمان المسلمين ألا وهما (التقية) و(عصمة الأئمة) ولهم شرائعهم وشعائرهم التي لا تمت للإسلام بصلة مثل الحج الى مراقد ومقامات يقدسونها أكثر من تقديس الكعبة المشرفة، ومثل الاحتفال بعاشوراء والذي جعلوه كشعيرة الحج لدى المسلمين.. وهم يكفرون عامة الصحابة باستثناء سبعة فقط ولذلك فهم ألغوا السنة لأنها منقولة عن هؤلاء الصحابة ولا يحتجون بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب.. وطعنوا في القرآن بحجة أنه ناقص عن قرآن فاطمة الذي يدعونه كذبا وبهتانا.. واجمالا بعد تفصيل فإن التشيع دين مختلف تماما عن الإسلام
fellah morad
الإثنين، 24-10-2016 12:37 م
لوكانو مسلمين لسلم المسلمون منهم حالهم حال عصيب والمئاسى بزدياد والمة تتحطم وتنحط الى درجة تحت الصفر هذو ليس مسلمين بل مدمرين لي المسلمين
محمد الدمرداش
الأحد، 23-10-2016 09:29 م
فلنكن مسلمون ................ إذا أسلمنا وجوهنا لله تعالى وحده لا شريك له و عملنا بصحيح ديننا و أخذنا بالعرف فالقتال يكون للفئة الباغية و القتل يكون للخائنين و المالين لغير المسلمين و لن يضرنا هؤلاء الذين اجتمعوا علينا و أرادو بنا ما يشتهون أو ما يخططون لأن النصر من عند الله العزيز الحكيم و ليس بكثرة عدد أو كثير عتاد بل قبل هذا و ذاك ثقة بالله ثم بالنفس و قوة إيمان بصحيح الاعتقاد و لكن حقيقة أمرنا أننا خوارين متخاذلين و متواكلين نرمى على بعضنا البعض تبعت ما نحن فيه و خسرنا الأراضي و الدول و الأموال و الأنفس في حين أن غيرنا من الشعوب خسر أقل مننا بكثير و متمسك بتلابيب سيادته و عزته و قراره و حرية بلاده و لنا في البوسناهرسوجوبيا مثال كما أن الأفغان على الطريق و قد واجهوا أعتى قوى عسكرية و نووية في العالم أن عالمنا عالم غاب و عدالته انتقائية و شريعته مائلة لمعتدين فما الحرية و السيادة و امتلاك القرار إلا لمنْ يفرضها فرضاً على كل منْ ينظر إليه أو يتعامل معه و مخطأ منْ يظن أنها تمنح أو تأتى عن طريق راعى و على هذا النحو لابد أن تتبلور أفكار نضج وعى شعوب العرب و المسلمين لمنْ أراد أن يكون له مكان مشرق تحت الشمس .