كتاب عربي 21

في انتظار جلسة البرلمان اللبناني.. وهلأ لوين؟

طارق أوشن
1300x600
1300x600
بالقرية اللبنانية الصغيرة، صوت من أعلى مئذنة الجامع يدوي في المكان ..

إمام الجامع: بسم الله الرحمن الرحيم. إلى أهالي قريتنا الحبيبة.. ندعوكم إلى اجتماع تشاوري بخصوص الأشياء بلا طعمة ايلي بتعملوها وبدناش إياها بالضيعة، وذلك يوم الخميس القادم الساعة السادسة مساء في مقهى الست آمال..

قس الكنيسة: ولكل أبنائنا المسيح الحضور إلزامي لجلسة رص قلوب للخبريات والخبار ايلي عملتوها في بعضكم.. بركي بكرة لما يفلوا الأجانب من ضيعتنا يحكوا كلمتين ملاح عنا من بعد ما حطيتوا لنا راسنا في الأرض ومرغتوا لنا وجهنا في التراب.. استحوا بقا.. استحوا..

الفقيه: الحضور إلزامي.. إلزامي.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ما الفرق بين هذا الخطاب المدثر بالدين والدعوات المتتالية من زعماء الطوائف وهم يدعون النواب إلى الحضور يوم الإثنين القادم (31 أكتوبر) لمقر البرلمان، في ضيافة الرئيس نبيه بري زعيم حركة أمل، لانتخاب رئيس للبلاد بعد سنتين من التعطيل والفراغ الدستوري. والحضور هذه المرة إلزامي، كما يقول شيخ الجامع، لأن العملية كلها مرتبطة بأصوات بقياس ميزان الذهب قد تقلب الكفة في هذا الاتجاه أو ذاك.
سنتان أو ما يزيد من "الأشياء بلا طعمة" ممثلة في تعطيل الوصول إلى النصاب القانوني على أمل أن تتغير موازين القوى المحلية والإقليمية بشكل يسمح بتغليب كفة على أخرى. وفي الأخير، "استسلم" كبير السنة ورضخ لمطلب الحزب الأقوى تنظيما وسلاحا بتعيين ميشال عون رئيسا بعد ربع قرن من انتظار الأخير. سيتحقق حلم عون، على الأرجح، لكن الحلم اللبناني يبقى معرضا لهزات وارتدادات تجد لها في وضع البلاد تربة خصبة وحاضنة مثلى للانتعاش.

أهلا بكم في لبنان..

في خضم مظاهرة تطالب بترميم القلعة وفي وقت ترفع فيه الشعارات في مواجهة ممثل الحكومة الحاضر لطمأنة المحتجين..

أحد المتظاهرين (هامسا في أذن منظم التظاهرة): يا أخي، مطولين هون؟
المنظم: ليه خايو؟ شو عندك؟
المتظاهر: عندي مظاهرة ثانية..
وأمام مطعم مغلق يقف فاروق مندهشا..
فاروق: بعد لهلا ما فهمت ليه مسكرين المطعم؟
موظف المطعم: يا خيي وزارة الصحة سكرت لنا المطعم لأن التشيكن باستا عندنا مش مطابقة للمواصفات.. ع أساس كلشي بالبلد مطابق للمواصفات وقفت ع التشيكن باستا. هايدي ثالث كبسة بيعملوها علينا هيدا الشهر.
فاروق: طب ليه ما بتعملو باستا بلا تشيكن؟
والمشهدان من فيلم (أهلا بكم في لبنان – 2016) للمخرج سيف شيخ نجيب، وفيه أيضا يقف البطل فاروق بجانب المغتربة ماريا، العائدة للوطن في زيارة سريعة، محاولا وضعها في صورة الوضع بالبلد.
فاروق: غريب شعبنا شو طيب بس ما ايلو حظ.
ماريا: واي؟
فاروق: ما بعرف كيف بدي افسر لك إياها. شوفي.. شعبنا مثل سيارة حلوة وغالية ومريحة بس الشخص ايلي عم يسوقها غشيم وكل يوم يخبطها بالمايلة..

كثيرا ما يشتكي اللبنانيون من "زعمائهم" ومن سياسييهم بدعوى كونهم سبب الأزمات التي تتخبط فيها البلد. لكن نفس المشتكين يصطفون دوما وراء نفس الزعامات في مواجهة الآخر، وفي التاريخ المشترك يجدون المبررات. والأكيد أن ساسة البلد لا يبخلون بالمقابل على "الرعايا" بالشحن الطائفي وإشعال فتيل الصراعات المذهبية ولو وصل الأمر إلى استخدام السلاح بالرغم من أوجاع ذاكرة الحرب الأهلية التي لا تزال مخيمة على الحاضر اللبناني وترسم له مستقبله القريب والبعيد. وعندما تضيق الدائرة على هؤلاء وتبدأ الضغوط الخارجية تشتد من الحلفاء والرعاة، لا يجد المتنابزون بالألقاب غير الجلوس إلى طاولة تسويات تبقى في الغالب سرية وغير واضحة المعالم بما يهدد بالعودة إلى المربع الصفري من جديد.
وهلأ لوين؟

يجلس القس المسيحي على كرسيه داخل غرفة الاعتراف بكنيسة القرية اللبنانية مسرح أحداث فيلم المخرجة نادين لبكي. يفتح النافذة الصغيرة فيفاجأ بإمام الجامع المجاور لكنيسته على الجانب الآخر.
الإمام: تخنت يا بونا.. ما عاد فيك تهدي حدا.
الكاهن: يا شيخنا، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.
الإمام: ليش نحنا ندرون ماذا نفعلون؟ القتيل بالأرض والدم بيصير ميه. نشكر الله بعد ما حدا عرف أنه نسيم مات. بكره إذا عرفوا أنه مات وقتل ولو برات الضيعة مش راح نقدر نهدي حدا أنا وإياك. بدهم يطربقوا الدنيا على راسنا..
الكاهن: يا شيخنا.. أي جهنم بعد تستقبلنا؟
الإمام: شفت هاودي النسوان.. (ينظر الكاهن من النافذة فيجد عددا من نساء القرية من الطائفتين المسيحية والمسلمة جالسات على كراسي الكنيسة).. إذا مشينا وراهم وعملنا مثل ما هنا بيقولوا لنا مليون جنة بتتمنى علينا.

والخطة المقترحة من النساء كانت اجتماعا عاجلا لأبناء القرية من الطائفتين لحل المشاكل. وعلى الطاولة أكلات وشراب بخلطة حشيش وحبوب هلوسة وراقصات أجنبيات لإلهاء الرجال على أمل الاستيلاء على الأسلحة المخزنة وتغيير مكانها في غفلة منهم منعا لأية أحداث عنف طائفية وقتلى جدد من الطرفين. لم تجد النسوة غير هذه المكيدة لتحقيق "السلم الأهلي" بالقرية الذي صار مهددا منذ وصل أول جهاز تلفزيون، يجتمع القرويون حوله ولا ينقل غير أحداث الصراعات المذهبية والاشتباكات المتكررة غير بعيد عنها. وصول جهاز التلفزيون حوّل العلاقات الطيبة بين الطائفتين بالقرية إلى "حرب" مفتوحة لم تعد تستثني أماكن العبادة أو تحيّد الأطفال.. انتقلت صراعات الخارج إلى الداخل كما هو واقع لبنان اليوم والأمس الذي تحول لمسرح تصفية حسابات وخلافات الأشقاء والجيران ومختلف القوى الإقليمية والدولية بلا استثناء.

في الفيلم استولت النساء على مخزن السلاح. لكن الواقع أصعب من أن يغيره "كيد النساء" فلا زال في البلد حزب يمتلك السلاح ويستخدمه في الداخل كلما احتاج استعراضا لعضلاته، وفي الخارج بشكل أدخل البلد في أتون حروب إقليمية ولو ضد شعب لم يطالب بغير الحرية شعارا. وعندما أعلن سعد الحريري عن مساندته للمرشح ميشال عون رئيسا، وأسهب في الحديث عن مبررات اختياره غابت الإشكالات الحقيقية وحلت محلها صيغ إنشائية تحتمل التأويل كما الإفشال وبنفس أسلحة الترتيبات الطائفية التي أفضت لاتفاق "الزعيمين"، بما يعنيه ذلك من عودة لمربع الصفر حال انتهاء مفاعيل المسكنات وشعارات مصلحة الوطن والسلم الأهلي تأثرا بتغيرات موازين القوى الإقليمية والمحلية التي لا تنفك عن التأرجح وإن مالت في اللحظة الآنية لمصلحة الداعمين للجنرال.

كان هدف الأمهات في فيلم "وهلأ لوين؟" تشييع جنازة الشاب المقتول سليم دون حوادث ومشاحنات. لكن الشباب المشيّع وبعد الوصول لمكان الدفن احتاروا بين مقبرتين؛ إحداهما مسيحية، والأخرى مسلمة، لا يفرق بينهما غير ممر ضيق، فلكل طائفته ولكل مقبرته، فاستداروا في اتجاه الأمهات، باعتبارهن صاحبات الشأن، متسائلين:
 وهلأ لوين؟.. 

ذاك لبنان في مفترق الطرق، حيث يقبع منذ عقود..

0
التعليقات (0)