مقابلات

"عربي21" تحاور الفنان المغربي الكبير رشيد غلام

غلام: تأثير الفن في ثورات الربيع العربي لا يزال ضعيفا - تويتر
غلام: تأثير الفن في ثورات الربيع العربي لا يزال ضعيفا - تويتر
أكد الفنان المغربي، رشيد غلام، أنه لا يزال ممنوعا من الغناء في بلده المغرب منذ أكثر من 15 عاما.

وقال غلام، في حوار خاص مع "عربي21"، إن سبب منعه هو أنه ليس مغردا داخل سرب النظام، ولا بوقا من أبواقه، ولأنه ينتمي لجماعة معارضة، ويمثل مواقف يؤكد أنها تنتمي للشعب والحق والحرية والعدالة، بينما الأنظمة التي وصفها بالاستبدادية تتصور الفنانين والمطربين والمثقفين طابورا من المهرجين والمسبحين بحمدها. على حد تعبيره.

ورأى أن تأثير الفن في ثورات الربيع العربي "لا يزال بسيطا وضعيفا"، مبشرا بثورة جديدة في مصر؛ بسبب "غباء" النظام الانقلابي، "الذي لم يستفد من دروس التاريخ".

وأضاف أن الأنظمة "المستبدة" احتكرت كل المجالات الفنية، وضيقت كثيرا على من يغرد خارج سربها، متابعا: "نحن نحفر في الصخر، ونواجه صعوبات لا حصر لها، حتى إن أصحاب الحق من الشعوب المضطهدة نجدهم لا يؤمنون بجدوى وأهمية الفن والثقافة".

وإلى نص المقابلة..

كيف ترى استمرار منعك من الغناء في بلدك المغرب منذ أكثر من 15 عاما وحتى الآن؟

أراه قرارا مجحفا وظالما وباطلا، ولا يراعي حقوق الإنسان المتعارف عليها في جميع الأعراف والديانات، بل إنه قرار أحمق؛ يتصور منه النظام الغاشم أنه بذلك سيخرس أقوال ومواقف الحق التي يساندها أهل الحق. وأرى أيضا أنه يكشف زيف وخداع ما يروجون له بأن هناك حرية وديمقراطية، وينقض هذه الصورة الوردية التي يبثها النظام المغربي عن نفسه.

لماذا كل هذا الإصرار على حجب صوت رشيد غلام؟ ولماذا أنت مُحاصر؟

الأنظمة الاستبدادية هي أنظمة حقودة، ولا تتراجع عن مواقفها الاستبدادية، فقد مُنعت لأنني لست مغردا داخل سرب النظام، ولست بوقا من أبواقه، ولأنني أنتمي إلى جماعة معارضة للنظام المغربي (جماعة العدل والإحسان الإسلامية)، وأمثل مواقف تنتمي إلى الشعب والحق والحرية والعدالة، وأتحدث عن القيم التي تنشدها الإنسانية، كالحق في التعبير، والحرية، والعيش الكريم، بينما الأنظمة الاستبدادية تتصور الفنانين والمطربين والمثقفين طابورا من المهرجين والمسبّحين بحمدها، والنظام المغربي واحد من تلك الأنظمة، التي لا ترضى أن يكون هناك فنان صاحب موقف ورسالة.   

هل كانت هناك محاولات من قبل النظام المغربي لاحتوائك أم لا؟

هناك محاولات كثيرة منذ زمن، فالأنظمة الاستبدادية تتصور أن لكل صوت معارض ثمنا يقبضه في وقت من الأوقات، والنظام المغربي فعل ذلك مع الكثير من المعارضين لدينا، ومع الأحزاب التي كانت تطلق على نفسها أحزابا عتيدة ومعارضة، حيث أصبحت جميعها تحت عباءة الملك ونظامه، بما في ذلك بعض الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي، وهم جربوا معي هذا الأسلوب مرات كثيرة.

وماذا كان رد فعلك؟

بما أنني ما زالت ممنوعا، فبالتالي كان وسيظل ردي هو الرفض؛ لأنني لا أطلب حقي استجداء، فقد طُلب مني أكثر من مرة كتابة استعطاف للملك أو عفو، لكنني لست مجرما أو مخطئا كي أفعل ذلك، وحقي لا يُؤخذ بالاستجداء، بل انتزاعا، فنحن مواطنون، ولسنا رعايا لأي أحد، نريد أن نعيش المواطنة التي نصت عليها القيم الدولية والكونية، ونريد العيش بحرية التعبير تحت سقف القانون.. ولماذا أمنع؟ أنا لم أخرق قانونا، أو أرتكب جرما، بل أمارس فني بشكل طبيعي.

نظمت وقفات احتجاجية رفضا لاستمرار منعك من الغناء.. فهل هناك وسائل ضغط جديدة تنوي القيام بها؟

أعتزم تصعيد احتجاجاتي على المستوى الدولي خلال الفترة المقبلة، وسأقوم برفع دعاوى قضائية أمام هيئات وجهات دولية، والتواصل مع منظمات حقوقية دولية، حتى إن كانت لن تأتي بنتيجة ملموسة، لكن يكفي أن تعري وتفضح هذا النظام الذي نرجو منه أن يتعقل.

هل هناك جهات دولية بعينها تعتزم التواصل معها؟

سأتواصل مع منظمتي العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والمنظمات التي ترعى حقوق الفنانين والمبدعين الدوليين، والمحكمة الدولية، ومجلس حقوق الإنسان الأوروبي، كل هذه الجهات وغيرها سأطرق أبوابها، وأضع بين أيديها حقيقة ما أتعرض له، فلا يمكن أن نصمت أو نتنازل عن حقوقنا.

البعض يقول إن رشيد غلام فنان حقيقي، لكنّ "تسيّسه" ينتقص منه، ويخصم من رصيده الفني، وكأن لسان حالهم يقول (لا سياسة في الفن، ولا فن في السياسة).. ما قولك؟

المشكلة أنه انطبع في ذهن المواطن العربي -بفعل التكلسات الاستبدادية- أن الفن ما هو إلا ترف وترفيه ومتعة ولهو، ولا يتصورون أن الفنان يجب أن يكون صاحب موقف ومبدأ ورسالة، فهم فقط يرون أن الفنانين كلهم في عباءة الأنظمة، ودورهم تزييف الواقع، ومعظم الشعوب العربية للأسف تقبل أن يكون الفنان بوقا للاستبداد، ولا تقبل أن يكون صوتا للحرية، وتقبل أن يغني الفنانون للمستبدين والرفاهية الكاذبة، وترفض الغناء للشعوب ولمعاناة المظلومين، وهذا منطق خاطئ جدا، لكني لا أمُيل إلا إلى الحق منذ عرفته، والرسالة التي أحملها عبر انتمائي الديني والجغرافي في المنطقة العربية المشتعلة والملتهبة والضائعة وسط لعبة الأمم، ولذلك يجب أن نصنع بالفن لأمتنا غدا مشرقا وجيدا ومبهرا، دون أن نجعله ملهاة للشعوب عن واقعها وحقيقتها ورفعتها.

الفن الذي تحاول تقديمه تصفه بـ"الملتزم" و"ذي الرسالة والقيمة والجمالية".. ما هي الصعوبات والتحديات التي تواجه هذا النوع من الفن؟

الاستبداد احتكر كل الوسائط والمجالات الفنية، وضيّق المسالك كثيرا على من يغرد خارج سربه، فنحن نحفر في الصخر، ونواجه صعوبات لا حصر لها، ولا أحد في العالم العربي يمكنه أن ينتج لك أعمالا فنية تكشف زيف الاستبداد، ولا يمكن لك المشاركة في المهرجانات التي تنظمها الدول الاستبدادية، فهم لا يسمحون لنا بالعمل، حتى وصل الأمر إلى منعي من دخول دول عربية، إلا تلك التي زارها الربيع العربي، أو تلك التي تغض الطرف عن ذلك، وأصبحنا غرباء في هذا الزمن.  

ومن الصعوبات أيضا أن أصحاب الحق -الذين يحملون قضية الشعوب المضطهدة- نجدهم لا يؤمنون بجدوى الفن والثقافة، ولا بأهمية وقيمة الفن في توصيل الرسالة، رغم أنهم جربوا كيف تم استخدام الفن والإعلام بطريقة أكثر من سيئة؛ كانت رأس حربة في الانقلاب عليهم، كما جرى في مصر، ومع ذلك هم ما زالوا لا يدركون أهمية الفن في التأثير على الوعي وتوصيل الرسالة، وهم يعقدون الندوات والمؤتمرات، لكن كل ذلك يتبخر في لحظة واحدة، بينما الفن الآخر الذي يتضاد معك يبلغ مسامع كل الناس، بمن فيهم أبناء قضيتك، عبر منافذ تكنولوجية هائلة، ويجب عليك أن تدخل عليهم من كل باب، كما قال الله عز وجل، فالفن مرتبط بالشعور الإنساني؛ ولذلك يبقى راسخا ومخلدا للقضية أكثر من أي شيء آخر.

هل كان للربيع العربي تأثير عليك أم لا؟

بالطبع؛ كان هو الحلم والأمل الذي بدأ يظهر في أمتنا، وكنت أتمنى أن تكون أعمالي الفنية حوله أكثر مما ظهر، لكن للأسف أصحاب القضية ليس لهم إيمان قوي بأهمية الفن وتمويله، فكثير من أعمالي الفنية التي أنتجتها، والمتعلقة بالربيع العربي، كانت بشكل فردي، وعلى نفقاتي الشخصية، وكانت حفرا في الصخر.

وبعد الربيع العربي، ضُيق عليّ أكثر، خاصة بعد أغنية "طالع" التي تحدثت فيها عما جرى في مجزرة رابعة بمصر، وأغلب الأنظمة التي ما زالت تدعم انقلاب السيسي تمنع دخولي إلى بلدانها، بل وتمنع أعمالي أيضا فيها.

كيف تنظر لدور الفن في ثورات الربيع العربي؟

تأثيره لا يزال بسيطا وضعيفا، فالفن المتوازي مع الربيع العربي لم يكن به زخم كبير بالشكل المطلوب، وحتى إن كان موجودا فليس هناك إعلام مواز يبث ذلك ويروج له، خاصة أنه لا توجد سياسة فنية وإعلامية موازية للحركة على الأرض، مع الأسف.

هل تتوقع ثورة جديدة بمصر؟

نرقب انتفاضة شعبية جديدة في مصر تكون أقوى من الأولى، فغباء المستبدين جند من جنود الله، وقد كنت أخشى أن يحسّن نظام الانقلاب في مصر الأوضاع المعيشية للشعب، فيقبل به، ولكن الواقع يقول إن المستبدين لا يستفيدون من التاريخ، ويكررون الأخطاء نفسها، لتدور العجلة عليهم، وتقوم الشعوب عليهم مرة أخرى.

ما رأيك بفوز حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" في الانتخابات المغربية الأخيرة؟

"العدالة والتنمية" ليس حزبا إسلاميا، بحسب ما يقوله عن نفسه في خطاباته الرسمية، ونحن نعتبره حزبا ملكيا، وهذا أيضا ما يقوله عن نفسه، حيث يقول إنه يحكم مع الملك ويؤيده. وكنت من المقاطعين لتلك الانتخابات غير الدستورية، والنظام في المغرب يجعل من الانتخابات والبرلمانات والحكومات شكلا من الديكور لتزييف المشهد، على اعتبار أننا دولة ديمقراطية تتمتع بالحرية، والوزير الأول قال قبل الانتخابات-كما يقول دائما- إن الملك هو الذي يفعل ويحكم وو... وبالتالي، فلماذا الانتخابات؟ وما هي قيمتها؟ وهناك دستور كاذب، وحكومة لا تحكم، وبرلمان لا يشرع، وهذا لا يؤدي إلا إلى الانفجار.

والنظام المغربي جاء بالإسلاميين للحكم ليزعم بأن تغييرا ما حدث، لكن هذه كذبة كبرى لم تنطلِ على كثيرين، والجميع يعرف أن كل شيء جيد يُنسب للملك، وكل شيء قبيح يُنسب للحكومة، وهذه مهزلة من المهازل.

بيد أن كثيرين في المشرق العربي لا يتابعون الواقع المغربي، ويدّعون أن "العدالة والتنمية" هم من الإخوان المسلمين، لكنهم ليسوا إخوانا وليسوا إسلاميين، فهم يلعبون مع النظام لعبة حزب النور مع عسكر مصر.

وأنا ضُيّق عليّ في ظل وجود "العدالة والتنمية" بالحكومة أكثر مما ضيِّق عليّ قبل ذلك، وهم يكذبون على الله، ويدّعون أنه لا يوجد أحد ممنوعا، وأن هناك حرية وديمقراطية، وهذا تنقضه الحقيقة والواقع.
1
التعليقات (1)
Sara Ngm
الخميس، 27-10-2016 03:20 م
كل التحية والتقدير والتضامن مع فنان الحرية والإنسانية الكبير/ رشيد غلام .. فنان الرسالة والقضية بحق ، وصوت الأحرار الأول بالوطن العربي كله ... حفظه الله وثبته بالحق ونصره وأكثر من أمثاله بأوطاننا العربية .

خبر عاجل