مقالات مختارة

سلع ترتفع كل ساعتين

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600
المنطقي أن السلع يمكن أن ترتفع كل سنتين، وليس كل ساعتين كما يحدث الآن في مصر.

مثال عملي على ذلك، فإن الذرة والفول الصويا مثلا يرتفعان كل ساعة أو ساعتين، وليس كل أسبوعين أو شهرين أو سنتين. منذ 18 شهرا كان سعر طن الذرة الرفيعة -المخصصة أساسا للعلف، وكان يستخدمها أجدادنا لصنع «البتاو»- 1700 جنيه، الآن ارتفع سعرها إلى 4200 جنيه، كما أخبرني أحد كبار رجال الأعمال الذين يتابعون أحوال السوق بدقة.

هل نلوم البائع أم المشتري أم السمسار والمضارب أم الحكومة؟

كل هؤلاء يتحملون نسبة صغيرة من مشكلة ارتفاعات الأسعار، ليس بالنسبة للذرة فقط، ولكن لكل السلع.


السبب الأساسي هو الحكومة، التي عجزت عن إيجاد سياسة اقتصادية ونقدية مبدعة. 


جوهر المشكلة الذي لا يريد كثيرون أن يتوقفوا عنده هو نقص المعروض من الدولار وليس أي سبب آخر.


اختفى الدولار؛ لأن مصادره اختفت أو تقلصت، خصوصا السياحة والتصدير وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات المباشرة، والأهم الثقة في الحكومة والمستقبل.

حل مشكلة الدولار ليس بحبس أصحاب الصرافات أو مطاردة قهوجي يحمل عشرة كيلو سكر، أو حتى صاحب مصنع يخزن 2000 طن لزوم صناعته.

الحل البحث عن سياسة تعيد ضخ الدولار للسوق.

البعض يتحدث عن حلول خيالية مثل ربط الجنيه باليوان الصيني أو أي عملة أخرى غير الدولار، هؤلاء -وبتعبير مهذب جدا- غارقون في الأوهام. فالأصل أن يكون لديك إنتاج واستثمارات وتصدير أولا، وبعدها فإن بقية العوامل ثانوية.

كثيرون لا يدركون أنه حتى تعويم الجنيه بمفرده لن يحل جوهر المشكلة. لأن صندوق النقد الدولي يشترط على الحكومة ألا تقترب من الاحتياطي النقدي، لتصرف مرتبات الموظفين مثلا، بل هو يظل ضمانا لاستقرار الاقتصاد وبمثابة معادل لحجم استيراد السلع الأساسية لمدة معينة.

المتوقع أن الحكومة وبعد أن تخفض قيمة الجنيه وتخفف دعم الطاقة، وتوقع الاتفاق مع الصندوق ستقوم برفع سعر الفائدة على الجنيه المصري، وتخفضها لأقل قدر ممكن على الدولار، وبالتالي فالمنطقي أن يقوم كل من يحوز الدولار كسلعة أن يضعه في البنك ويغيره إلى الجنيه، ليضمن الحصول على سعر الفائدة المرتفع. ويكون هذا الأمر بالطبع في إطار سياسة متكاملة جوهرها ثقة الناس ورضاهم عن الحكومة وبرامحها الإصلاحي.

إذا هناك سؤال جوهري: ماذا سيحدث إذا اتبعت الحكومة كل ما هو موجود في كتاب صندوق النقد وشروطه، لكن الناس لم تتجاوب وتتفاعل، وظلت محتفظة بالدولار تحت البلاطة أو تاجرت به في السوق السوداء فقط؟

للأسف الشديد، سيكون ذلك خبرا وخيارا سيئا؛ لأن ترجمة ذلك على الأرض هو استمرار ارتفاع الأسعار؛ بسبب استمرار المضاربة على سعر الدولار.

ما هو المطلوب إذا من الحكومة؟

طبقا لخبراء اقتصاد ورجال أعمال تحدثت معهم، فإن المطلوب هو تحسين مناخ الاستثمار بسرعة، وأن تصل إلى الناس قناعة بأن الحكومة جادة في الإصلاح، وأنها سوف تتقشف هي قبل أن تطالب الناس بالتقشف. وما لم يتوفر الدولار، وظل سعره «في العلالي» كل ساعة، فإن السكر سيظل مختفيا، وكذلك غالبية السلع، حتى يتم حل المشكلة الجوهرية. وبالتالي فلا ينفع الإكثار من الحديث عن المؤامرة والطابور الخامس.

مطلوب من الحكومة أن تكون رؤيتها واضحة وتوقيتات اتخاذ القرار أكثر وضوحا وأكثر تحديدا. وإذا اكتشفت أنها أخطأت، سواء في سياسة معينة أو شخص محدد، فعليها أن تسارع في تصحيح الخطأ، حتى لا يكون الثمن المدفوع فادحا.

مرة أخرى يفترض أن الحكومة تدرك تماما أن استمرار التشوه الكبير في سعر الصرف يعني بوضوح انفلات الأسعار.. بالأمس كانت الأزمة في أسعار السيارات، واليوم نشهدها في السكر، وغدا ربما في الدقيق.. كل الأسعار ارتفعت تقريبا سواء كانت سلعا رئيسية أو ترفيهية أو «بين بين»، والأخطر أن التخفيض الرسمي لقيمة الجنيه وتخفيف دعم الطاقة سوف يقود ربما لارتفاعات أخرى.. فماذا سنفعل وقتها؟

المطلوب إعادة النظر في سياسات كثيرة وأشخاص أكثر.

الشروق المصرية
1
التعليقات (1)
شادي علي
الأربعاء، 02-11-2016 02:07 ص
السلام عليكم ل?سف سوف أتوقف عن قراءة وإطلاع صحيفتكم ال?كترونية الرائدة وصوت الحق في الوطن العربي، ما دام يكتب بها عماد الدين حسين، فهو كاتب ممن صفقوا لسافكي الدماء، وا?نقلابيين. وموقفي ليس حجرا على حرية الصحافة، أو خطاب كراهية، بل هو ثبات على المبدأ والذي يجب أن تتبعوه أنتم أيضا كما عودتونا. وبأي حال مجهودكم مشكور