كتاب عربي 21

عندما يحاول حكام الأمس مصالحة حركة النهضة

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
لا تزال شهادات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تونس تفعل فعلها على أكثر من صعيد. والاعتذار الذي قدمه وزير العدل في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي لهؤلاء الضحايا، خاصة الإسلاميين منهم، مثال على ذلك.

قال الصادق شعبان إن أغلب القيادات في "حزب التجمع الديمقراطي" المنحل، لم تكن على علم بفظاعة الانتهاكات المرتكبة ضد هؤلاء المواطنين"، ولم يتردد في تقديم اعتذاراته الشخصية للضحايا "لأني كنت جزءا من النظام السابق"، والمعلوم أن شعبان هو مسؤول حالي في حزب "مشروع تونس" المنشق عن حزب نداء تونس، وقد كان أحد الذين نظروا للمرحلة السابقة من خلال أحد مؤلفاته التي دافع فيها عن حكم بن علي ووصفه بكونه نموذجي في مجال بناء تجربة ديمقراطية نجحت في مواجهة الإسلام السياسي.

كما تعتبر الزيارة التي أداها وزير الداخلية السابق عبد الله القلال إلى مقر حركة النهضة مثال آخر، حيث كانت له جلسة مفاجئة ولافتة مع الشيخ راشد الغنوشي. وقد كان القلال أهم وزير داخلية في عهد بن علي الذي خاض تحت رايته معركة شرسة ضد حزب النهضة، وقد مات في عهده العديد من الإسلاميين تحت التعذيب، وقد أثار هذا اللقاء تململا في صفوف قواعد النهضة ولم يستسغه حتى بعض التجمعيين.

كذلك حدثت مفاجأة أخرى لا تقل أهمية من حيث رمزيتها السياسية، فقد كشف مدير الأمن الوطني السابق في عهد بن علي أن عملية باب سويقة الشهيرة التي قامت بها مجموعة تابعة لحركة النهضة وأدت إلى موت حارس المقر المحلي للحزب الحاكم يومها متأثرا بحروقه.

قال محمد علي الكنزوعي إن هذه العملية التي نفذ بسببها حكم الإعدام في عضوين من الإسلاميين "لم تكن العملية ضمن خطة حركة النهضة أو بتعليمات من قيادتها".

وتكتسب هذه الشهادة أهمية خاصة نظرا لكونها صادرة عن شخص كان يعتبر من أهم الخصوم الأمنيين للإسلاميين، وثانيا لأن هذه العملية العنيفة كانت منطلقا لشن حملة قمعية واسعة النطاق ضد الحركة، كما كان النظام يستند عليها دائما لمحاولة إقناع الحكومات الغربية بأن حركة النهضة إرهابية، وأن ذلك يقتضي توقف هذه الحكومات عن منح كوادرها من حق اللجوء السياسي ووجوب تسليمهم إلى الأمن التونسي.

وسبق أن قدم آخر أمين عام للحزب الحاكم المنحل اعتذاراته للشعب التونسي، الذي جدد محمد الغرياني اعترافه بخطورة ما تم ارتكابه من انتهاكات في العهد السابق، ودعا إلى ضرورة طي صفحة الماضي والعمل تجنيب البلاد منطق الانتقام، كما لم يتردد عن حضور الحفل الذي نظمته حركة النهضة لتكريم رئيسها بمناسبة حصوله على جائزة غاندي.

هذه ليست سوى مؤشرات دالة على حصول تحول ملحوظ في مواقف عديد المسؤولين السابقين من الصفوف الأولى لرجال بن علي، غير أن ذلك لا يعكس بالضرورة إجماعا في أوساط الحرس القديم، إذ لا يزال هناك من يصر على عدائه للإسلاميين، ويعتقد دون أن يصرح بذلك علنا أن النظام السابق كان في حالة "دفاع شرعي" ضد خصوم سياسيين كانوا "يضمرون شرا" له وللبلاد، وهو ما يدل على الانقسام الحاد الذي لا يزال يستفحل في صفوف حكام الأمس، إذ يوجد من بينهم من يعتقد حتى اليوم أن فرصة العودة إلى السلطة ممكنة، وإن بطرق متعددة.

هؤلاء يرفضون الإقرار بأن ما حدث يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011، ليس ثورة وإنما مؤامرة أنجزتها أطراف غربية وإقليمية. كما تصر فلول من هؤلاء على القول بأن تونس كانت أفضل تحت حكم الجنرال ولو كره "الكارهون".

ليس مستبعدا أن تستمر حالة الانقسام والاضطراب في صفوف التجمعيين السابقين إلى أن يستقر الوضع السياسي في البلاد، وتتأهل النخب الجديدة والقديمة أيضا لقيادة التونسيين بشكل جدي وفعال.

فالأزمة التي يعاني منها أعضاء الحزب الحاكم السابق هيكلية وليست ظرفية، لأن التاريخ لا يعود إلى الخلف، خاصة وأن حجم المتغيرات التي حصلت خلال السنوات الستة الماضية أفقدت قدرة هؤلاء على استعادة مواقعهم السابقة. لهذا لم يبق أمام هؤلاء سوى التوجه نحو الاندماج في الحراك السياسي الجديد، وهذا ما يجري على الأرض منذ حصول الثورة. فالكثير من الكوادر التجمعية توزعت على الأحزاب القائمة، ولم تنجح جميع محاولات إعادة بناء الحزب المنحل أو أن تستمد نفس المقومات التي كانت قائمة من قبل، ويعود ذلك إلى أن الكيان القديم فقد شرعيته نهائيا رغم تعثر مرحلة ما بعد الثورة، ورغم تصاعد درجات الحنين للمرحلة السابقة. فالحزب الذي كان يستمد قوته من موقعه في الحكم واحتكاره للدولة ينهار مباشرة بعد مغادرته السلطة عبر انتفاضة شعبية واسعة.

وإذ يستمر البعض من هؤلاء في المكابرة والتعامل بسطحية مع المتغيرات الجارية، مستفيدين من السقف العالي للحريات، فإنه في مقابل هؤلاء هناك من يحاول أن يستفيد من الدرس، وأن يبدو براغماتيا وواقعيا إلى درجة الإقدام بشجاعة على تحقيق المصالحة مع ضحاياهم وأعدائهم السابقين.  
1
التعليقات (1)
عماد
الإثنين، 28-11-2016 06:46 م
"فالحزب الذي كان يستمد قوته من موقعه في الحكم واحتكاره للدولة ينهار مباشرة بعد مغادرته السلطة عبر انتفاضة شعبية واسعة." الأنظمة التي ورثت الإستعمار تسمرت على الكراسي بالحديد والنار في غفلة من الشعب. تركيبتها العمودية لا يمكن اعادتها الا بتضافر معطيات عدة مثل الشخصية الكريزماتية التي كانت تتمثل في أبو رقيبه استطاع خلفه أن يدجل على الشعب باسم الديمقراطية وفي غفلة منه كذلك وبتعاون مع المتغربين و الشيوعيين سجن الثور الأبيض و الديمقراطيه معه. وبدون الإلتجاء الى الأساليب القمعية لا يستطيع بقايا ورثة الإستعمار الرجوع لسدة الحكم اذ لا ينفع العقار في ما أفسده الدهر وكما يقول المثل العامي بتصرف وريث الاستعمار لا يتوب والحجر لا يذوب والأمثلة في يومنا هذا كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر حكم العسكر غدا سيدعي قاض من قضاته إنه لم يكن على علم بفظاعة الانتهاكات المرتكبة ضد هؤلاء المواطنين !