قضايا وآراء

مقاربات في علاقة الديني بالسياسي

محمد خليل برعومي
1300x600
1300x600
إن الإشكالية في العلاقة بين الدين والسياسة في الرقعة العربية ليست في المفاهيم وليست في الدستور، وليست أيضا مشكلة مؤسساتية، فهذه كلها تجليات لما هو أعمق، أي إنها نتائج لمسار تاريخي أظهر عجزا مزمنا في ترتيب العلاقة بين الطرفين.

لقد كانت العلمانية جوابا على سؤال مشروع طرحه المشكل العلائقي بين الكنيسة والدولة في الغرب، كما كانت تيارات الإسلام السياسي، محاولة لترتيب علاقة الديني بالسياسي في العالم العربي والإسلامي.

كان الإسلام السياسي وما زال محاولة إجابة عن الأزمة الحضارية التي تعيشها المجتمعات العربية الإسلامية. ويتنزل هذا التيار ضمن إنتاجات الأزمة، أي إنه نشأ تحت وطأة أزمة عميقة تمثلت في التراجع الحضاري أمام الآخر الغربي.

من المهم تبيان التركيبة الجينية لتيار الهوية والإسلام السياسي الذي اعتبره الباحث السياسي المصري محمد العربي "تيارا أزماتيا"، جاء رد فعل على أزمة وجودية بالمعنى الجماعي، ثم إنه لم يشهد صعوده إلا في ظل أزمات متكررة وعميقة تمر بها هذه المجتمعات.

تمثلت الأزمة الأولى في وجود آخر غربي مستعمر، يمارس عدوانه السياسي والعسكري والثقافي على الذات، ثم بعدما ترك مستعمراته السابقة، خلق نخبا ودولا على شاكلته، وأعاد هيكلة المجتمع والدولة، من خلال أنموذج دولته الاستعمارية.

وبعد فشل مخططات التحديث، وتعثرها في أحسن الحالات، كانت الفرصة الذهبية لتيار الهوية أن يعيد طرح سؤال الهوية باعتباره الإجابة عن أزمته الوجودية، فكان الإسلام السياسي رد فعل على التحديث، ثم على تعثر التحديث نفسه.

إن تحديد أو ترتيب علاقة ما هو ديني بما هو سياسي ليس بالأمر الهين، خاصة في ظل تجربة تاريخية (عربية إسلامية) لا تزال خاضعة للقراءة والتنقيب البحثي من ناحية، وفي سياقات الحاضر المليء بالرهانات والإكراهات من ناحية أخرى.

تعددت الآراء والأطروحات في تناول هذا الموضوع كما تعددت النماذج التطبيقية المتمثلة لهذه العلاقة الثنائية بين ما هو ديني وما هو سياسي.

فدائرة الإسلام السياسي مثلا اتسعت لتشمل المتناقضات أحيانا، من أردوغان إلى داعش، جميعهم حركات أو تيارات سياسية منطلقها الإسلام، ولكن هناك اختلافات عميقة بينهم في بناء المنظومة العلائقية الدينية- السياسية، واستتباعاتها الفكرية المحددة لشكل التفاعل مع الفرد والمجتمع والدولة.

كتب أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي، مقالا في جريدة الصباح، تحت عنوان العلاقة بين الدين والسياسة في تونس، أكد فيه أن الإسلام في تونس لم يكن بعيدا عن السياسة قط، بل كان ملازما لها في أحيان كثيرة، وفق رؤية إصلاحية متميزة متجذرة في هوية الشعب والدولة.

واستشهد بمقاربة المصلح خير الدين التونسي في كتابه (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) التي دعت للموائمة بين الشريعة الإسلامية ومنجزات الغرب، مؤكدا أن تحديث المجتمع وإقامة المؤسسات وتطوير التعليم من صميم الدين.

واعتبر الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، أن خير الدين التونسي كان نموذجا وطنيا فريدا لحسن ترتيب العلاقة بين الدين والسياسة، إذ كان مصلحا سياسيا شمل برنامجه عصرنة القضاء والتعليم وتطوير الدولة ومؤسساتها.

ثم تلى ذلك تجربة الحزب الحر الدستوري، الذي كان أغلب مؤسسيه من الزيتونيين على رأسهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد، ومع ذلك كان الحزب وطنيا منفتحا ضم مواطنين يهود في قيادته (أمين مال) وسعى لخدمة الدولة والمجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

وها هو المفكر والزعيم السياسي راشد الغنوشي، مثلا، يقدم رؤية متطورة لهذه العلاقة في دراسة عنوانها "الدين والدولة في الأصول الإسلامية والاجتهاد المعاصر"، حيث اعتبر أن الدين مداره الأساسي ليس أدوات الدولة، وإنما القناعات الشخصية.

أما الدولة، فرأى أن مهمتها تقديم الخدمة للناس قبل كل شيء، كمواطن الشغل والصحة الجيدة والمدرسة الجيدة، أما قلوبهم وتدينهم فأمرها إلى الله، إذ إن أعظم قيمة في الإسلام هي قيمة الحرية.

ولذلك، فالدولة منتسبة إلى الإسلام بقدر ما تحرص على أن تتماثل بقيمه بدون وصاية من مؤسسة دينية، لأنه ليس هناك مثل هذه المؤسسة في الإسلام، بل هناك شعب وأمة، يقرران لنفسهما عبر مؤسساتهما ما هو الدين.

ويرى عبد الوهاب الأفندي (كتاب لمن تقوم الدولة الإسلامية)، أن تجارب تطبيق الشريعة في المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية، با?ضافة إلى السودان وأفغانستان، وبعض مناطق باكستان كافية لإعادة طرح السؤال "لمن تقوم الدولة الإسلامية؟"، ومراجعة الكثير من المسلمات التي بنى عليها الفكر الحركي الإسلامي المعاصر مقولاته المختلفة.

يقول الأفندي في هذه الحالات: فإن تطبيق أحكام الشريعة يخضع غالبا لمنطق بقاء النظام وسلطة قياداته النافذة، فلا تطبق الشريعة أن خالفت مصلحة النظام أو هددت سمعته أو سلطته، فالسيادة في هذه الأنظمة ليست للشريعة وأحكامها، وإنما هي للعائلة أو للحزب أو الفرد أو الثلة الحاكمة.

ولذلك، قام الأفندي بنقد فكرة الدولة الإسلامية كما راجت في الأدبيات الإسلامية الحديثة، وطالب بتقديم الديمقراطية على كل المطالب باعتبارها الأساس الذي لا قيام لنظام سياسي سليم في غيابه.

في غياب الديمقراطية تتسلط فئة أو طائفة بعينها على العباد والبلاد، وتحكم بأمرها لا بأمر الله، وتدخل الأمة المعنية بهذا في باب من اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، يشرعون باسم الدين ما ترتضيه نفوسهم، ثم يقولون للناس هذا هو الدين.

أعتقد شخصيا أن أزمة تيار الهوية تكمن في عجزه عن تصور الدولة كدولة، والفعل في المجتمع من داخل المجتمع وليس من داخل الدولة، وهو ما يتقاطعون فيه مع تيارات أيديولوجية أخرى.
 
محمد خليل برعومي

رئيس منتدى الفكر السياسي والاقتصادي/ تونس
التعليقات (1)
ام صديق
الأحد، 25-12-2016 08:50 ص
الاشكالية الحقيقية في راي تمكن الانسان المسلم لبعده جادة الطريق المستقيم .كيف لنا ان نؤسس دولة تقوم علي الاسس الاسلامية نحن لاتنطبق قيم الاسلام في سلوك الفرد ،نهيك عن الدولة.لا يستقيم الظل والعود اعوج

خبر عاجل