قضايا وآراء

الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن

محمد خليل برعومي
1300x600
1300x600
انعقد الأيام الأخيرة المؤتمر الوطني للشباب تحت رعاية رئاسة الجمهورية وبإشراف من وزارة شؤون الشباب والرياضة. شارك فيه عدد كبير من الشباب ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني وأيضا عن الجهات على غرار الحوار المجتمعي السابق للمؤتمر، الذي استطاع أن يلامس حوالي أربعين ألف شاب تونسي من جميع المناطق.

ورغم بعض الملاحظات الشكلية والمضمونية على مستوى الحدث، أهمها استفراد الوزارة بالإعداد للمؤتمر دون الاستعانة أو إشراك الجهات السياسية والاجتماعية الوطنية المعنية بالأمر، إلا أن المؤتمر انتهى بإعلان رئيس الحكومة عن بعض القرارات المهمة إذا وقع تنفيذها في أقرب المواعيد، وهي:

- مجلس أعلى للشباب

- مؤتمر استثمار للشباب

- وكالة وطنية تطوعية للشباب

ثلاثة قرارات هامة تلامس المداخل الرئيسية للحلول الشبابية، البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لكن تبقى هذه القرارات مجرد وعود قبل المضي في تفعيلها وحسن ترتيبها حتى تعمّ فائدتها على أكبر دائرة ممكنة من الشباب التونسي، وهو ما يتطلب أيضا متابعة ومراقبة دقيقة من الجهات المهتمة حزبيا ومدنيا لهذا المسار.

أزمة الثقة بين الشباب والدولة

عبّر بعض الشباب عن امتعاضه ورفضه للمؤتمر الشبابي بتمثّلات قديمة لمؤتمرات سابقة قبل الثورة، مما جعلهم يسخرون من الحدث ويشبهونه بالمسرحية.

هذه الأحكام المسكون بها عدد لا بأس به من الشباب المهتمّ بالشأن العام تعبر عن أزمة الثقة المتواصلة بينهم والدولة، ناهيك عن الحكومات المتعاقبة. وهو ما يؤكد عجز الدولة بمؤسساتها الديمقراطية "الجديدة" عن التواصل مع الشباب وإرساء وعي جديد يتماشى مع الواقع السياسي الحالي المخالف لما قبل 14جانفي.

كما أن الطبقة السياسية المتحكمة في مقاليد الدولة والأحزاب قدمت رسائل سلبية للشباب ولم تسع للاستفادة من هذه الفرصة الديمغرافية التونسية، بل كان التعامل في الغالب قائما على "الاستعمال" والنظرة الدونية.

في مقابل ذلك تعبر أزمة الثقة عن عجز هذا الصنف من الشباب عن مجاراة نسق التحولات السياسة السريع منذ الثورة، الذي جعلهم يهربون من الواقع وتحدياته ويتمترسون خلف كلماتهم الرنانة أو شاشاتهم العنكبوتية أو أحلامهم الثورية.

الخوف من الواقع وتحدياته، الخوف من الفشل يؤدي أحيانا للهروب او للتكاسل الذهني مع تسطيح القضايا وتسفيهها وإطلاق الأحكام السلبية على الجميع.

كيف لا؟ وإلا لن يجد هؤلاء لأنفسهم مكانا مع الفاعلين المتقدمين نحو النجاح.

هناك صنف آخر مهم يمثل 80 بالمائة من الشباب التونسي وهو غير المهتم بالشأن العام، الذي تتهدده مخاطر الانحراف والفقر والبطالة والهجرة غير الشرعية والإرهاب.

هذا الصنف غير المنظم لا يحتاج لاستغلاله سياسيا وإعلاميا بقدر ما يحتاج لحلول عميقة توفر للكفاءات منه ظروف النجاح، وللعاطلين فرص الشغل، وللمهاجرين ظروف العودة والإبداع داخل تراب الوطن، وللمنحرفين ظروف المواطنة الصالحة، وللمهمشين الذين تستهدفهم شبكات الإجرام والإرهاب الإحاطة والتأهيل والكرامة..

هذه الفئة من الشباب المعطلة عن المشاركة في بناء الوطن هي ضحية منظومة سياسية واجتماعية دامت أكثر من عقدين، أنتجت في الأخير أزمة مواطنة وانتماء في لاوعي الشاب التونسي الذي أصبح يعيش حالة اغتراب او يبحث عن ذاته خارج الحدود.

الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن

ضرب الشباب التونسي في تاريخ دولته الحديثة المثل في العطاء والبذل الوطني منذ حركة الشباب التونسي ثم تأسيس الحزب الدستوري وجيل الحركة الوطنية الشاب على رأسهم الزعيم الحبيب بورقيبة وفرحات حشاد والطاهر الحداد وأبو القاسم نسختيه.

كما كان للشباب التونسي دور كبير في خوض معركة الحريات خلال التسعينات خاصة على مستوى الحركة الطلابية، ثم تجدد هذا الدور الريادي في ثورة 14 جانفي.

أثبت التاريخ قدرة الشباب على العطاء والبذل والتغيير وهو ما يستوجب تعزيز الثقة في هذه الفئة العمرية والاستفادة من طاقاتها الخلاقة والإبداعية في شتى المجالات.

تونس تحتاج شبابها في هذه المرحلة الصعبة من التغيير الديمقراطي حيث يمكن أن تتحول هذه الكتلة الحرجة الى قوة دفع اقتصادي واجتماعي وجيل مؤسس لفعل سياسي حضاري يؤمن بحق الاختلاف وضرورة التعايش والتعاون. فقط على الدولة أن تتقدم خطوة صادقة تجاه مواطنيها وتذيب الجليد معهم ببعض القرارات الواضحة كما يتوجب على جزء كبير من المسؤولين والطبقة السياسية أن يؤمنوا بسنة التداول.
التعليقات (0)