قضايا وآراء

رهانات المغرب في عام 2017

محمد مالكي
1300x600
1300x600
وَدّعَ المغرب عام 2016 بدون حكومة، وبلا برلمان ) مجلس النواب تحديدا( قائم ومشتغل، على الرغم من تنظيمه الانتخابات التشريعية منذ 07 أكتوبر / تشرين الاأول 2016، التي كان مُفترضاً، وفقاً للفصل 47 من الدستور، أن تفتح المجال لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الحزب المُتصدِّر لنتائجها ) حزب العدالة والتنمية(، والشروع في عمل البرلمان بعد إن افتتحه العاهل المغربي، كما تقضي بذلك مقتضيات الدستور، في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر/ تشرين الأول..غير أن كل هذا لم يحصل، وعاش المغاربة لحظة فراغ سياسي  ستتجاوز الثلاثة شهور بعد خمسة أيام ) 07 أكتوبر / تشرين الأول 2017( ، ولا يظهر واضحا متى ستنتهي، و تستعيد البلاد انتظامَ عمل مؤسساتها الدستورية.

ثمة مصفوفة من الرهانات ذات حمولات وأبعاد متنوعة تنتظر المغرب في العام الجديد  )2017 ، وهي في الواقع رهانات في حجم التحديات التي  تنطوي على  تأثيرات بالغة الأهمية بالنسبة لاستقرار الإصلاح السياسي في البلاد، والانتقال به إلى مستويات أعمق وأكثر فعالية بالنسبة لتجربة البناء الديمقراطي، كما تفاعل معها المغاربة، ويتوقون لأن تقطع مع الماضي، وتؤسس مغرباً جديداً  أكثر احتراماً لقيمة الحرية، و أبلغ حرصاً على ضمان  توفير متطلبات العدالة الاجتماعية.

يَتصدَّر رهانات 2017 ويَعلوها أولويةً موضوعُ تشكيل الحكومة التي طال انتظارُها، وشهدت تأخراً لم تعرفه البلاد من الإعلان عن الاستقلال عام 1956. والحقيقة أن عجز النخبة الحزبية المغربية عن التوافق على تشكيل حكومة ائتلافية منذ بداية المشاورات في شأنها، يحمل دلالتين سياسيتين سلبيتين. تنِمُّ الدلالةُ الأولى عن ضعف الثقافة السياسية الديمقراطية للأحزاب السياسية، وعدم قدرتها على إدارة الاختلاف والوصول إلى المشترك. فقد تابع المواطنون أشكال الارتباك التي وسِمت سلوك الفاعلين الحزبيين بخصوص موضوع تشكيل الحكومة الجديدة، كما عاينوا، بشكل أو بآخر، مدى قدرة بعض الأحزاب السياسية على المحافظة على استقلالية قراراتها، وبناء مواقفها الخاصة. وحتى إذا تحققت فرضية وجود حزب الاستقلال طرفاً في الحكومة المرتقبة، إلى جانب شركائه الآخرين، بما فيهم "حزب التجمع الوطني للأحرار"،  فما هو وضعُ الأغلبية الجديدة، وكيف ستبني تحالفها، وتصوغ برنامجها، وتستمر متضامنة في العمل والإنجاز؟. و تنطوي الدلالة السياسية الثانية، من جهة أخرى، على استمرار الممارسات نفسها التي أضعفت الأحزاب السياسية، وأبعدتها سياسياً عن الرضا العام النابع من إرادات المواطنين وقبولهم الطوعي، ونقصد بذلك  تركيز الأحزاب اهتمامها على نصيبها من الحقائب الوزارية، وتموقعها داخل الخارطة الحكومية، أكثر من  اهتمامها بما يجمعها مع بعضها البعض من استراتيجيات وبرامج ومشاريع للإنجاز قابلة للإنجاز.

إن التأخر في عودة المؤسسات الدستورية إلى وضعها الطبيعي، سيكون له بالغ الأثر على القضايا الداخلية والدولية للمغرب، وخاصة منها تلك ذات الأولوية، كما هو حال بعض ملفات السياسة الخارجية. فمن الواضح منذ سنوات عزم المغرب وإصراره غير المشروطين على تعميق شراكته مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وقد تأكد ذلك بالزيارات المتتالية للعاهل المغربي والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين المرافقين له، كما ترسخ ذلك بعشرات الاتفاقيات والمشاريع الاقتصادية المهيكِلَة التي ربطت المغرب ببلدان إفريقية لها وزن خاص من الناحيتين السياسية والاقتصادية. ثم إن إستراتيجية المغرب لن تتوقف عند بناء علاقات متوازنة ومثمرة مع المحيط الإفريقي، بل يُضاف إلى ذلك قراره العودة إلى حظيرة المنظومة الإقليمية الإفريقية، بعدما غادرها منذ أكثر من ثلاثين سنة )1984(، والواقع أن المغرب يروم من هذا الاختيار إعادة بناء علاقات جديدة مع إفريقيا أكثر توازناً وفعالية ونجاعة من السابق، والحال أن مشروعاً من هذه الطبيعة والحجم يستلزم منه استقراراً داخلياً، ووضعاً مؤسسياً قاراً يحظى بشرعية سياسية دائمة، وفعالية مؤسساتية منتظمة وناجعة.

ثمة في الواقع قضايا داخلية يُراهن المغرب، ويجب أن يراهن من أجل أن تأخذ طريقها إلى الإنجاز، لعل أهمها  اختيار "الجهوية المتقدمة"، وما  يتفرع عنه من ترتيبات دستورية وسياسية وترابية. فجوهر "الجهوية" يعني إعادة بناء علاقات جديدة بين الدولة والوحدات الترابية، أي إعادة توزيع السلطة بين المركز وأطرافه، بكل ما يترتب عن ذلك من تعديلات دستورية، ومعالجات مؤسساتية وسياسية وتنظيمية، لاسيما وأن المغرب أجرى انتخابات جهوية في 04  سبتمبر/ أيلول 2015، يُنتظر أن تكون مدخلاً سالكاً للتمرّن على ثقافة ممارسة العمل الجهوي.

علاوة على ما سبق، يُشكل الملف الاجتماعي، بكل تعبيراته، أكثر الرهانات ضغطا على مغرب العام 2017. فمن المعروف أن الحكومة المنتهية ولايتها ) 2011 ـ 2016( أقدمت على إجراءات اقتصادية تنفيذا لتوجيهات البنك الدولي مسّت بشكل جوهري مُقدرات فئات واسعة من المجتمع المغربي، بما فيها الطبقة الوسطى على محدودية حجمها الكمي، كما دفعت البلاد إلى الاستدانة وصلت حتى الآن 33 مليار دولار، كان للحكومة المنتهية نصيب 11 مليار، أي ثلث عددها الإجمالي خلال خمس سنوات.

أما القطاعات التي أضرَّت بها سياسات الحكومة السابقة، وكان لها وقع خاص على الأوضاع المعيشية للمواطنين، فتتعلق تحديداً ب" صندوق المقاصة"، الذي دأب المغاربة على الاستفادة من دعمه أسعار بعض المواد الأساسية، وأسعار قطاع المحروقات ومشتقاتها، ناهيك عن "الصندوق المغربي للتقاعد"، وكافة صناديق المعاشات، التي من المنتظر أن تعرف توترات اجتماعية بخصوصها، دون نسيان ملف التعليم وإصلاح  مناهجه ومؤسساته.

ففي الإجمال ثمة رهانات كبيرة خلال العام 2017 تشترط  وضعا داخلياً مستقراً وفاعلين حزبيين وسياسيين فعالين وإيجابيين، ودون ذلك سيراوح المغرب مكانه، وقد يُضيع فرصا بالغة الأهمية لاستكمال مشروعه الإصلاحي كأحد الحلقات المفصلية لإنجاح بنائه الديمقراطي.
0
التعليقات (0)