قضايا وآراء

أسير المقايضة!

نيفين ملك
1300x600
1300x600
تجاوز الصحفي بشبكة الجزيرة محمود حسين منذ تاريخ اعتقاله في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ ما يقارب العشرين يوما في محبسه، على إثر قرار النيابة العامة المصرية بتمديد حبسه على ذمة اتهامات بالتحريض على الفتنة ونشر معلومات كاذبة.

وهذة ليست المرة الأولى، وليست التهم بالجديدة، ولكنها أصبحت حالة متكررة، ومشهدا - للأسف - مألوفا على الساحة المصرية، هذا إضافة إلى ما يمكن أن نطلق عليه التهم المعلبة سريعة التجهيز، والمحاضر الجاهزة، وما تحمله من عبارات طنانه ورنانه والتي يمكن أن يلتقطها الإعلام الموالي للسلطة ويصنع منها معزوفته وسيمفونيته الأحادية التي تغذي الشعبوية ونظرية المؤامرة، وغيرها من شعارات المرحلة وأدوات المقصلة!!

وكأننا نعيش مشهدا من مشاهد محاكمات القرن الثامن عشر، وإطلاق أشباح الانتقام والأحكام الجماعية، ولتسمع، كما في رواية جورج أوريل الشهيرة 1984، رسائل شاشة الرصد وأناشيد الكراهية في طقوس أيام الكراهية غير المنتهية، وشعارها:

الحرب هي السلام، العبودية هي الحرية، الجهل هو القوة.

نعم، فالمقصلة للأسف ليست فقط بإجراءات قانونية متعسفة وتزيد من تشويه سمعة الجهاز القضائي في مصر والذي يواجه شبهات خطيرة بعدم الاستقلالية، وتتردد أصداؤها في المحافل الدولية، ولكن أيضا من المؤسف في ظل حفلات الاغتيال المعنوي أن لا تلتفت نقابة الصحفيين ومنظمات العمل المدني والحقوقي داخل مصر إلى التضامن مع الصحفي محمود حسين، أسير المقايضة. وبالطبع ندرك ما تتعرض له نقابة الصحفيين في مصر، وكذلك منظمات العمل المدني من ضغوط وتضييقات، بل واستراتيجية للتركيع، ولكن تظل المقاومة والنضال السلمي وتضافر الجهود؛ هي السبيل، ولا مفر من الوقوف صفا واحدا لرفع الظلم عن المظلومين.

فمحمود حسين، الصحفي بشبكة الجزيرة، وابن التلفزيون المصري، والذي يعمل كغيره من الكوادر الإعلامية المصرية في شبكة الجزيرة بموجب إجراءات قانونية رسمية، ومنها موافقة أمنية بالعمل من وزارة الداخلية المصرية؛ التي احتجزته هو وشقيقيه بعد أن عبر الشقيقان عن غضبهما من امتهان كرامة أخيهم الأكبر أثناء القبض عليه أمام الأسرة والجيران، ليكون مصيرهما أن يتم القبض عليهما معه، ويتم احتجازهم جميعا بدون مبرر، وبدون تمكين من التواصل مع محامي للدفاع عنهم، بالمخالفة للقانون والدستور. وسارعت الداخلية لتسجيل عدد من الفيديوهات ليستخدمها في حفلة التنكيل، وكمعزوفة إعلامية تحمل خاتم وطابع الداخلية.. كل تلك الإجراءات المعيبة دفعت عددا من المنظمات الدولية المعنية بحرية الرأي والتعبير وبالدفاع عن الصحفيين؛ إلى التنديد بهذا الاعتقال التعسفي، وبقلقها الشديد من تلك الإجراءات المعيبة.

وكان آخر هذه المواقف تعليق المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة على واقعة الاعتقال، ردا على سؤال تم توجيهه، بأن منظمة الأمم المتحدة تتابع باهتمام قضية اعتقال السلطات المصرية للصحفي محمود حسين، المنتج بقناة الجزيرة، وأعرب عن تطلع المنظمة إلى حل هذة القضية وفقا لالتزامات مصر الدولية بحرية الرأي والتعبير، وأن تضمن السلطات المصرية إجراءات التقاضي السليمة للصحفي، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة.

محمود حسين اعتاد أن يزور مصر بانتظام، وهو صحفي مهني يستحيل، ومن غير المنطقي، أن يتم إصباغه بصبغة سياسية أو غيرها. ولماذا يتم القبض عليه الآن وهو في زيارة عائلية لأسرته؟!!

ولكن للأسف، ما أشبه اليوم بالبارحة. فلم تنس بعد الأسرة الإعلامية الدولية قضية صحفيي الجزيرة، المعروفة بخلية الماريوت، ضد الأسترالي بيتر جريستي ومحمد فهمي وباهر محمد، ثم تدخل فيها السيسي بإصدار عفو رئاسي.

ولربما قضية اعتقال الصحفي محمود حسين تذكرنا بعدد غير قليل من سجناء العمل الصحفي والإعلامي في مصر، بخلاف سجناء الرأي، ويقدرون بالمئات، وغيرهم من المعتقلين السياسيين ممن يقدرون بالآلاف، وبات من المرجح تزايد تلك الأعداد في ظل المواجهة المفتوحة بين النظام والمجتمع المدني، والإصرار على تكريس مشهد الرأي الواحد والصوت الواحد، وسط ضبابية تسد الأفق، وتعامل أمني مشين ومجرم مع المحتجزين والمعتقلين، وهذا ما جاء في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" عما يتعرض له سجناء سجن برج العرب، وكل تلك الانتهاكات المخزية التي لم نسمع حتى الآن عن محاكمة مسؤول واحد عن ارتكابها!!

من يترك هؤلاء السجناء دون أن يلتفت إلى معاناتهم، وأُسرهم يُحكم عليهم بالموت ظلما خلف القضبان، حيث لا كرامة ولا قانون، ولا محاسبة لمسؤول.

الأغلبية من البسطاء ليس لديهم أي دعم قانوني أو مالي، أو مناصرة من مؤسسات صحفية كبيرة تضمن لهم تقديم المساندة المطلوبة، وتعمل على تبني حملات التضامن والمساندة الوطنية والعالمية لضمان سلامتهم، والمحافظة على حقوقهم الأساسية في محاكمات عادلة، وحفظ سلامتهم الجسدية والمعنوية.

إذن، هي لحظة فارقة لإعلاء الصوت، ولم شمل الجماعة الوطنية المصرية لتبني حائط منيع وفرامل أمان من قيم التضامن الإنساني والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان، لمساندة جميع المنتهكين دون أي تمييز.

الصحافة ليست جريمة.

الحرية ليست معصية.
التعليقات (0)