قضايا وآراء

اللا-نظام العالمي الجديد

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
 لو تابعت عزيزي القارئ المقالات والتقارير التي أنتجتها مراكز التفكير الغربية Think tanks خلال الفترة الأخيرة منذ إعلان فوز المرشح دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكي في نوفمبر الماضي وحتى اليوم، لأدركت حجم الرعب الذي يهيمن على العالم ليس جراء فوز ترامب ولكن بسبب الطريقة التي من المفترض أن يحكم بها أمريكا ويدير بها علاقات بلاده مع بقية دول العالم. فوز ترامب القادم من عالم لا يمت للسياسة ولا يعترف بمؤسسات الدولة الأمريكية بما في ذلك مؤسساتها الأمنية التي هي مرجعية الأجهزة الأمنية والمخابراتية في كل مكان في العالم جعل الجميع يفكر لماذا فاز هو وخسرت هيلاري ذات الخبرة والمدعومة سياسيا وماليا ومؤسساتيا؟ البعض اعتقد أن الأمر مزحة ولكنها صارت واقعا وقحا فراحوا يبحثون في الأسباب فاكتشفوا أن تيارات سياسية جديدة دخلت إلى عالم السياسة بطريقة غير تقليدية وأن لهذه التيارات قواعدها وإن بدت فوضوية، ولها مرجعيتها وإن بدت حرة في الفضاء، أتحدث هنا عن الشعوبيين، وهم بالنسبة لي أقرب ما يكونون إلى المحافظين الجدد الذين ظهروا في عصر رونالد ريجان في الثمانينيات وتسلموا مقاليد السلطة في عصر بوش الابن في بداية الألفية الجديدة. الفارق بين الشعبويين والمحافظين الجدد أنهم نشؤوا خارج رحم السلطة أو المؤسسة كما يطلقون عليها.

الشعوبيون ينطلقون فكريا من الصدام بين الحضارات أو الديانات أو الأعراق، من فكرة أن الرجل الأبيض كان سيدا ويجب أن يعود سيدا ليس في أمريكا بل في عموم العالم. وينطلقون أيضا من فكرة أن الإسلام هو العدو الحقيقي فلا روسيا تشكل خطرا، ولا الاستبداد يمثل تهديدا، ولا الديمقراطية تمثل قيمة، ولا حقوق الإنسان لها مكان، بل إن ترامب نفسه أبدى استعدادا لأن يغفر لروسيا اختراقها للانتخابات الأمريكية مقابل أن تساعده في حربه على الجهاديين الذين لم يقل لنا من هم ولا أين يعيشون وكيف سيهاجمهم على وجه الدقة لأن ترامب هو صاحب مقولة أن "داعش صناعة أمريكية".

معظم ما قرأت من مقالات وتحليلات غربية من بينها تحليلات لبعض المحافظين المتشددين يعتقدون أن ترامب لا يمكنه أن يفتح عدة جبهات في آن واحد، فعلى سبيل المثال يرى ترامب أن من يريد التمتع بالحماية الأمريكية عليه تقديم ضريبة مالية عالية، هذا لا يسري على الدول الخليجية فقط والتي سماها هو بأسمائها ونال منها مثل السعودية والكويت والعراق، بل يسري الأمر كذلك على الدول الأعضاء في حلف الناتو وهذا هو سر قلق أوربا التقليدية مثل ألمانيا، وهو سر قلق اليابان أيضا والتي تعتمد على الشراكة مع أمريكا لحمايتها من الصين ومن كوريا الشمالية.

ترامب يريد الهيمنة على كل شئ بدءا من اقتصاد أمريكا المبني على السوق الحرة والليبرالية ومرورا بالصحافة والاعلام وانتهاء بالأجهزة الأمنية، وهنا يبرز سؤال كيف سيتمكن ترامب من فعل كل ذلك بدون حزب أو قاعدة شعبية تسانده في مواجهة المؤسسات العتيقة؟ هل يستطيع ترامب المطور العقاري صاحب السجل غير المنضبط اخلاقيا أن يدير دولة بحجم أمريكا ويؤسس لنظام عالمي جديد، أم كما قال "جدعون روز" رئيس تحرير مجلة الفورين أفيرز في مقاله الأخير أننا بصدد اللا نظام أو بمعنى حرفي "خارج الخدمة Out of Order" وهي معنى مجازي لحالة يتوقعها الكاتب ربما تكون حالة الفوضى المرتقبة.

ترامب ليس وحده فهناك نسخ أوروبية تتصاعد تدريجيا في فرنسا والتشيك والمجر وايطاليا وبريطانيا، وهذا يعني أننا بصدد إعادة تشكيل للقوى بعيدا عن الخلفيات الحزبية بل على أساس التيار الشعوبي القادم من نوهمات وتخوفات من صعود الإسلام لدرجة أنني قرأت تصريحا لرئيس جمهورية التشيك "ميلوش زيمان" يقول فيه "لا يوجد إسلام معتدل" ولا أدري من أين جاء رئيس التشيك بهذا الكلام وما علاقة التشيك بالإسلام ولكن كما ذكرت آنفا إنها الحرب التي يتم الإعداد لها وعلى الجميع أن يصطفوا خلف ترامب.

لكن هذا يدفع الباحثين إلى التساؤل عن مصير هذا التيار الشعوبي الذي يقوده ترامب والذي قد يؤدي بالعالم إلى حروب لا نهاية لها، كما أن الشعوب التي يستهدفها ترامب ومجموعته ليست جثثا ميتة بل حية تسعى ولديها خياراتها في مقاومة أي مشروع ينال من تاريخها وعقيدتها ولونها وارثها الحضاري.

كما أن تضارب المصالح بين شركاء التيار أو اللانظام العالمي الجديد يمثل عنصرا إضافيا في عدم استمرار هذا اللانظام لمدة طويلة، ناهيك عن التحديات والمشكلات التي ستواجه ترامب في الداخل وهو ما قد يدفعه إما أن يستجيب للمؤسسة العتيقة وينسى وعوده الانتخابية وأحلامه الطائشة أو يفجر الأوضاع عالميا وهو ما يعني نهاية العالم ونهاية حقبة لن يكتب لها النجاح طويلا.
1
التعليقات (1)
الثلاثاء، 17-01-2017 09:53 م
ولماذا أنت مهموم خليهم يفرقعوا في بعضهم.نحن لم نجني حاجة لامن ترامب ولا من حكامنا.