كتاب عربي 21

ذكرى "المؤامرة" على وقع الخيانة

طارق أوشن
1300x600
1300x600
في الدستور المصري الذي أقره الانقلاب يشار إلى الخامس والعشرين من يناير بوصفه "ثورة"، وفي خطاب قائد الانقلاب أمام رجال الأمن وعائلاتهم بمناسبة عيد الشرطة الخامس والستون، تحول الأمر إلى مجرد "أحداث يناير 2011 التي سببت لمصر آلاما كبيرة، وكان الهدف منها تفريق وحدة المصريين". ولأن لكل مقام مقال فقد تحولت "أحداث يناير" يوما بعدها في خطاب الذكرى السادسة ل25 يناير إلى "ثورة عبرت عن رغبة المصريين في التغيير، وتطلعهم لبناء مستقبل جديد لهذا الوطن".

لكن شرعية "ثورة" الثلاثين من يونيو التي مهدت لانقلاب السيسي تستمد من التشكيك في سابقتها والتنقيص منها فكان أن أضاف "ثورة يناير نقطة تحول في تاريخ مصر، حين كانت الآمال كبيرة في بدايتها، وكذلك كان الشعور بالاحباط غير مسبوق عندما انحرفت الثورة عن مسارها واستولت عليها المصالح الضيقة والأغراض غير الوطنية".

لم يكن عبد الفتاح السيسي أول المشككين في هوية الخامس والعشرين من يناير بل سبقه إلى ذلك كثيرون وجدوا في الثلاثين من يونيو تعويضا أنقذهم من "المؤامرة" التي كانت تحاك ضد مصر وسيادتها وحوزتها الترابية.

المشخصاتي 2 – 2016 للمخرج محمد أبو سيف.
شلبي: بيبيعوا البلد بيبيعوا البلد..
ضابط المخابرات: كلاب .. كلاب.
شلبي: المهم يا جماعة حنعمل ايه دلوقتي؟
ضابط المخابرات: كل المصايب ايلي بيعملوها في السر لازم الناس تعرفها.
شلبي: ناس؟ ناس؟  الشعب ده مش حيتحرك.
ضابط المخابرات: بيتهيأ لك يا شلبي.
ضابطة المخابرات: ماهو اتحركو يوم 25.
شلبي: وطلعت مؤامرة..

ضابطة المخابرات: شلبي فيه ناس كويسة نزلت يوم 25 بس الثانيين ركبوها بمؤامرتهم.
شلبي، مجرد كومبارس يتمسح بالممثلين القدامى للحصول على دور ثانوي بأعمالهم فالتقطته "المخابرات" في محاولة لتجنيده في اختراق جماعة الإخوان المسلمين لموهبته في تقليد الشخصيات. ولم تجد السينما المصرية غير فيلم تافه بمستوى المشخصاتي وبطله تامر عبد المنعم لتقدم رؤيتها للمؤامرة الإخوانية التي استهدفت الركوب على "الثورة" أولا ومن تم بيع أراضي مصر بتواطؤ مع الحمساوية والأمريكان.
في داخل مقر جماعة الإخوان، اجتماع في غياب القيادات الكبرى للتنظيم المعتقلة بالسجون.

قيادية إخوانية: ايلي انت بتقول عليه بيتنفذ بالحرف الواحد ورجالتنا منتشرين في كل حته منتظرين الأشارة.
 القائم بأعمال المرشد: يقدروا يبتدوا من الليلة. لو نجحت الثورة حنركبها.
قيادية إخوانية: واحنا مجهزين قوة من رجالتنا حيلبسوا لبس الشرطة وحينزلوا يظبطوا الناس.
يرن الهاتف.. وعلى الخط السفيرة الأمريكية.

السفيرة الأمريكية: يا سيد عكران. لقد توصلنا إلى نتائج مبشرة للغاية أود أن أشاركك فيها. استطلاعات الرأي تؤكد استعداد الشارع المصري لاستقبالكم الآن.

القائم بأعمال المرشد: هذه فعلا أخبار مطمئنة.

السفيرة الأمريكية: معي الآن العميل طوم نراجع تفاصيل الخطة وسوف أبلغك فورا بعد الانتهاء منها.
القائم بأعمال المرشد : هذا يجب أن يتم غدا على الأكثر لأنه لم يتبق إلا أيام.
السفيرة الأمريكية : موعدنا غدا إذن.

بعد انتهاء المكالمة تتوجه القيادية الإخوانية للقائم بأعمال المرشد.

القيادية الإخوانية : عكران يا خويا.. افرض الدنيا اتطربقت حنعمل ايه؟
يرفع القائم بأعمال المرشد قميصه فتظهر صورة مبارك مطبوعة على لباسه الداخلي..
تقبله القيادية الصورة وهي تقول: أبو علاء...

الركوب على "الثورة" وخيانة "الثوار" هي الاسطوانة المشروخة التي تغنت بها الأذرع الإعلامية للنظام المصري وحاولت تكريسها في الوعي الجمعي للمصريين في انتظار الانقضاض على مختلف الفرقاء بعد تشتيت شملهم. ولأن الخيانة فعل متأصل في الجماعة فالتفريط في التراب الوطني أمر لا جدال فيه. حلايب وشلاتين للسودان وقناة السويس لقطر وسيناء لحماس، وكل ذلك برعاية من البيت الأبيض وإسرائيل.

بعد اختراق المشخصاتي شلبي لقيادات الإخوان بالسجن، يعود لمجنديه بالخبر اليقين.

شلبي: أنا عيني وقعت على رسم كروكي لخريطة مصر.
ضابطة المخابرات : فاكره؟
شلبي: آه طبعا فاكره.. ده أنا عيني كاميرا.
ضابطة المخابرات : خذ ارسم.
شلبي: (بعد أن ينتهي من الرسم) خذ بالك من الأرقام.
ضابط المخابرات: يا ولاد الحرامية.
شلبي: وإيه الأرقام ده حضرتك؟
ضابط المخابرات : عايزين يقسموها محافظات جديدة؟
ضابطة المخابرات: يا خوفي ليقسموها دول جديدة يا أفندم.

وفي حرم السفارة الأمريكية تتواصل الملهاة..

السفيرة الأمريكية: سيدي، لقد تفاوضت مع الرئيس أوباما وهو لن يدفع أكثر من 8 مليار.
خيرت الشاطر: يا مدام.. ده على أربع نواصي وبحرين وكنال يعني مش خسارة فيها 10 مليار.
أمني أمريكي 1: ولا تنس ما ستحتاجه من تكاليف؟ إنشاء دولة ليس بالأمر الرخيص.
أمني أمريكي 2: ثم إن سيناء تحتاج إلى تعمير وبناء وسوف نتكفل نحن بكل هذا.
خيرت الشاطر: طيب، مش حترفعي لنا السعر شوية؟
السفيرة الأمريكية: ثمانية.
خيرت الشاطر: مبروك عليكم.

بعد سنوات قليلة من هذا الحوار المتخيل، استيقظت مصر على خبر "بيع" جزيرتي تيران وصنافير بقرار من عبد الفتاح السيسي ودعم من الحكومة والبرلمان واستعانة بلواءات الجيش وعلماء الجيولوجيا ومدرسي التاريخ للتأكيد على أن الجزيرتان أرض سعودية بمعطيات السياسة والتاريخ والجغرافيا. أما منطق الدماء المصرية التي دافعت عنها فمجرد مزايدات ليس إلا. المادة 151 من الدستور المصري تنص على عدم جواز "إبرام أية معاهدة تخالف أحكامه أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة"، وبدل أن يتم تفعيل هذه المادة تعالت الأصوات للتهليل لسجن المنادين بمصرية الجزيرتين والتنكيل بهم. كيف لا والمادة وضعت في الدستور مفصلة على مقاس إشاعات كانت تقول بأن الرئيس المنتخب محمد مرسي كان يعد العدة للتفريط في الأرض والكلام لأحد ترزيي النظام الجديد معتز عبد الفتاح.

ضابط المخابرات: والله بلد بحالها بثمانية مليار.
شلبي: عارف كده يا باشا المتر حيوفى عليهم بكام؟
ضابطة المخابرات: متر الأرض المصرية ما يثمنش بمليارات الدولارات يا شلبي.
شلبي: أنا عملت ايلي انتم قلتوا لي عليه.
ضابطة المخابرات: أنا بكلم على بيع البلد.
شلبي: ولما انتم مش عاوزين تبيعوا البلد خليتوني اقعد معاهم ليه من الأول؟
ضابط المخابرات: بنلف الحبل حوالين رقبتهم يا شلبي.
شلبي: وتلفوا الحبل ليه يا باشا؟ ما تخلصونا منهم أول بأول.
ضابطة المخابرات: اللعبة ده أكبر من تفكيرك.
ضابط المخابرات: هما معتمدين على ظهير شعبي بيأيدهم.
ضابطة المخابرات: طبعا بعد ما وقعوا بين الشعب والشرطة عاوزين يوقعوا بين الشعب والجيش.
ضابط المخابرات: التصدي للموجة العالية خطر.. علشان كده لازم نعديها.
ضابطة المخابرات:متقلقش بكره الناس نعرفهم على حقيقتهم.

كان ذاك الهدف الأساسي الذي لم يعد يخفيه كل من ساهم في "المؤامرة" الحقيقية على البلد و"ثورتها". وبعد أن هدأت العاصفة التف الحبل على عنق الوطن بمن فيه باستثناء "الفئات الآمنة" ولو لحين.
بعد ست سنوات فقط،  صار السيسي يخصص لخطاب الذكرى ست دقائق لا غير في حين امتد خطابه أمام الأجهزة الأمنية ثلاثين دقيقة تحدث فيه عن أمور، وإن بدت تافهة، فقد كان الأجدر أن يشملها الخطاب الأعم على الخطاب الخاص بمؤسسة محددة. لكن السيسي لم يفعل غير تأكيد أن الدولة ما هي إلا شرطة وجيش والبقية مجرد تفاصيل واكسسوارات لاستكمال الديكور. وقد كان تأكيده مرة أخرى على أن فصائل معينة، ويعني الإخوان، أزاحت "الثورة" عن أهدافها دليلا على الرغبة في  التغطية على "عورات" إدارته للبلاد بالشكل الذي يوحي بأن الأسوأ قادم لا محالة.

في فيلم المشخصاتي 2، ولتأكيد تهمة الخيانة على الإخوان، استعان ضابط المخابرات بتسجيل صوتي متخيل لحسني مبارك يرفض فيه ضغوطات الأمريكان وهو يسمعه لشلبي.

مبارك: ازاي انا أقبل الكلام ده؟ ده انتم ايلي مخططين للفوضى.. حتى بتسموها الفوضى الخلاقة.. أنا حأساعد الفلسطينيين أنهم ياخدوا أرضهم لكن أديهم أرض مصرية، لا يمكن أبدا ده مش بتاعتي.
السيسي اعتبر الجزيرتين "أمانة"، وهو الذي تعلم أن لا يأخذ "حاجة بتاعت حد" وكان لزاما أن يسلم الأمانة لأصحابها.

في المشخصاتي 2 دوما، كان لابد من تشويه صورة شخصيات أخرى كان أبرزها حازم صلاح أبو اسماعيل الذي عرض على السفارة الأمريكية بيع سيناء بستة مليارات فقط مقابل دعمه للرئاسة.
السفيرة الأمريكية (معلقة على الأمر):  إن هذا الرجل وغد..
أمني أمريكي 1: ليس أكثر من الثاني.
أمني أمريكي 2: ولا الثالث.

السفيرة الأمريكية: من مصلحتنا أن يحكم الأقذار.. وسننتقي الأقذر.
صدقت السفيرة الأمريكية وكان لها ما أرادت..

الأكيد أن "الثورة" وإن وئدت فإنها لم تمت، وإن ماتت فإن ذكراها ستبقى تقض مضجع الخونة الحقيقيين من صفوفها ومن خارجها كلما تعاقب يوم الخامس والعشرين من يناير..
 
طارق أوشن
 
 
 
 
0
التعليقات (0)