أفكَار

هل الإسلاميون حقا يناهضون حقوق النساء؟

الجدل حول موقف الإسلاميين من حقوق النساء لا يتوقف- جيتي
الجدل حول موقف الإسلاميين من حقوق النساء لا يتوقف- جيتي
لا يتوقف الجدل حول موقف الإسلاميين من حقوق النساء، بين من ينصفهم ويرى أن منهم من التزم بتشريعات الإسلام وأحكامه في إكرام المرأة ورفع شأنها، وبين من يتجنى عليهم فيصفهم بمناهضي حقوق النساء، مع وجود تجاوزات وسلوكيات نافرة يمارسها الرجال بحق النساء في المجتمعات الإسلامية تخالف الشريعة بحسب مراقبين.

لكن اللافت في مواقف الصنف الثاني استنادهم إلى اتفاقية سيداو كمعيارية ثابتة تقاس عليها مواقف الإسلاميين من حقوق النساء، تماما كما أكدّ ذلك الكاتب المغربي، سعيد الكحل في مقاله المعنون بـ"لماذا يناهض الإسلاميون حقوق النساء" على خلفية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من الشهر الجاري.

وعلل الكحل وصفه للإسلاميين بمناهضة حقوق النساء بأنهم في "استنادهم إلى المرجعية الإسلامية جعلوها مناقضة للمرجعية الكونية" (أي اتفاقية سيداو)، ما يثير سؤالا جوهريا: هل باتت تلك الاتفاقية مرجعية حقوقية كونية تُفرض على سائر الأمم وإن اصطدمت مع خصوصياتها الدينية والثقافية؟

ووفقا لباحثين وناشطين إسلاميين فإن ما يتبناه إسلاميون في رفضهم لبعض مواد اتفاقية سيداو والتحفظ على بنود أخرى، خاصة المادة (16) يتوافق تماما مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما صدر عن مؤسسات الفتوى الرسمية في أكثر الدول الإسلامية، ولم ينفرد به الإسلاميون دون غيرهم.
  
خلط وعدم وضوح

من جهته أرجع أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعات الأردنية، الدكتور محمود السرطاوي وصف الإسلاميين بسبب اعتراضهم على بعض مواد الاتفاقية بمناهضي حقوق النساء، إلى عدم وضوح الرؤية أصلا عند أولئك من الأحكام الشرعية من جانب، والسطحية في فهم تلك الأحكام وتناولها من جانب آخر.

ودعا السرطاوي كل من يعترض على موقف الإسلاميين في تحفظهم على بعض مواد الاتفاقية إلى دراسة الأحكام الشرعية دراسة جيدة، ومعرفة أدلتها الأصلية في القرآن الكريم والسنة النبوية، مشيرا إلى أن منها أحكاما ثابتة وليست آراء فقهية قابلة للاجتهاد والتغيير.

وذكّر السرطاوي بأن الإسلام أكرم المرأة ورفع من شأنها، وحفظ لها حقوقها، مشيرا إلى أن مبدأ المساواة بين الرجال والنساء ينطبق على كثير من القضايا والمسائل، باستثناء ما نصت عليه الشريعة من أحكام خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء.

وأضاف السرطاوي في تصريح لـ"عربي21": "مبدأ المساواة قائم على أن "الناس سواسية كأسنان المشط"، ولا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وجميع الخلق ذكورا وإناثا هم عباد الله، أما ما يتعلق بالأحكام التشريعية، فثمة خصوصيات نصت عليها الشريعة راعت طبيعة الرجل ووظيفته، وطبيعة المرأة ووظيفتها".

وبين المتحدث أن المساواة طريق لإقامة العدالة، فإن أوصلت إليها فبها ونعمت، وإن لم توصل إليها فإنها تكون من الظلم المضاد للعدالة، مشيرا إلى أن الشريعة التي جاءت لتحقيق مصالح العباد، قد شرعت من الأحكام العامة ما يناسب الرجال والنساء، وخصت كل طرف منهما بأحكام خاصة به، فمن الظلم التعدي على ذلك والمطالبة بتغيير تلك الأحكام وتجاوزها.

وفيما يتعلق بالمادة (16) من الاتفاقية التي تنص على ضمان الحقوق نفسها للنساء كما هي للرجال في عقد الزواج وفسخه، واختيار الزوج.. وكذا فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال، أوضح السرطاوي أن هذه المادة بحاجة إلى مراجعة وتفصيل.

وأضاف: "مساواة المرأة بالرجل في عقد الزواج، يعني أن تقوم المرأة بتزويج نفسها دون الحاجة إلى ولي" وهو ما تشترطه المذاهب الفقهية (المالكية والشافعية والحنابلة)، أما الأحناف فلا يشترطون الولي كركن من أركان النكاح، مشيرا إلى أن هذا هو المعمول به في قانون الأحوال الشخصية الأردني، المأخوذ من المذهب الحنفي.

وأشار السرطاوي إلى أن المادة (14) من قانون الأحوال الشخصية الأردني التي نصت على أن "ينعقد الزواج بإيجاب وقبول الخاطبين أو كيليهما في مجلس العقد"، وأن حضور الولي للتحقق من كفاءة الخاطب التي حددها القانون بقدرته على دفع المهر والنفقة وصلاح حاله. 

واستغرب السرطاوي المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الطلاق، فالشريعة أوجبت لها حقوقا خاصة بها في حالة الطلاق، كالمهر المؤجل، ونفقة العدة، وهي حقوق معتبرة لها، فكيف تتم المطالبة بمساواتها في الرجل في الطلاق؟

وكذلك الحال في قوامة الرجل، فهي مسؤولية كبيرة، يتحمل بها الرجل كل نفقات الأسرة، والمرأة لا تتحمل شيئا من ذلك، حتى وإن كانت غنية، وهذا مما أكرمتها به الشريعة، فما وجه المطالبة بمساواتها بالرجل في هذا الأمر؟

الشريعة أعلى من سيداو

من جانبها قالت الناشطة الإسلامية، والنائب في مجلس النواب الأردني، ديمة طهبوب "إن معارضة الإسلاميين لاتفاقية سيداو ترجع لتضمنها مواد تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية"، مشيرة إلى "وجود مواد جيدة ومقبولة في الاتفاقية، لكن لا يمكن التعامل معها إلا بمجموعها فإما أن تؤخذ كلها، أو ترد كلها".

وأكدّت طهبوب لـ"عربي21" على حق المسلمين التام في رفض البنود التي تتعارض مع شريعتهم، فالمسلمون بمرجعيتهم الإسلامية لا يمكنهم قبول تلك الاتفاقية بما تنص عليه في جميع موادها.

وتساءلت طهبوب: "كيف ستكون تلك المساواة التامة بين الرجال والنساء في مسائل الزواج والطلاق، والقوامة والولاية، مع أن ثمة فوارق جوهرية في الطباع البشرية بين المرأة والرجل؟"، مؤكدة أن "الإسلاميين يلتزمون في ذلك كله بما يقرره علماء الشريعة المعتبرين، ولا ينفردون بآراء تخصهم دون عامة المسلمين في هذه القضايا".

ورأت طهبوب أن المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في عقد الزواج، وعدم اشتراط ولي فيه، كركن من أركانه جلب مفاسد كثيرة من وقوع زيجات من صور الزواج العرفي بكل ما يترتب عليها من مفاسد ومساوئ كثيرة.

ومع تأكيدها ضرورة الالتزام التام بما يقرره علماء الشريعة المختصين، دعت طهبوب إلى تنقية التراث الإسلامي مما علق به، خاصة ما تضمن انتقاصا من مكانة المرأة، أو ألحق بها أوصافا لا تليق بآدميتها وإنسانيتها، فهي مكرمة تماما كالرجل بحسب ما جاء في الوصف الإلهي (ولقد كرمنا بني آدم..).

بدورها دعت المستشارة القانونية، والعضو السابق في مجلس الأعيان الأردني، نائلة الرشدان إلى ضرورة التفريق بين الإسلام كأحكام وتشريعات ثابتة، وبين المسلمين كاجتهادات وآراء وممارسات، فما كان من جنس التشريعات الثابتة فليس من حق أحد المطالبة بتغييره، أما الآراء والاجتهادات فيمكن مناقشتها.

ولفتت الرشدان إلى أن الدول التي طالبت باتفاقية سيداو (المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) في أغلبها دول لا تكرم النساء كما كرمها الإسلام، وأنهم بالغوا في مطالبتهم بالمساواة بين الرجل والمرأة إلى الحد الذي جعلهم ينسون الفروق الحقيقية بين الرجل والمرأة.

ورأت الرشدان أنها مع معرفتها بما ينص عليه المذهب الحنفي من عدم اشتراط الولي لعقد الزواج، إلا أنها ترى أن وجود الولي كشرط لعقد النكاح كرم للمرأة، لما يقدمه لها من حماية ومؤول ترجع إليه إذا ما وقع الشقاق بينها وبين زوجها.

وجوابا عن سؤال "عربي21": كيف تنظر إلى المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في عقد الزواج؟ قالت الرشدان: "عقد الزواج أساسا لا يتم إلا بموافقتها الصريحة"، مؤكدة أنها تستطيع تزويج نفسها عن طريق القاضي في حالة عضل الولي (منعها من الزواج بمن ترغب)، في حالة عدم وجود أسباب وجيهة لمنعه من تزويجها. 

وشاركت الرشدان السرطاوي استغرابه المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في حالة فسخ العقد والطلاق، فالإسلام أوجب لها حقوق كالمهر المؤجل، ونفقة العدة، فهل من العدل إسقاط تلك الحقوق بحجة المطالبة بالمساواة؟

وخلصت الرشدان إلى القول بأن اتفاقية سيداو، اجتهادات ورؤى بشرية، يراد لها أن تكون مرجعية عالمية، لكننا لا يمكننا القبول بكل ما فيها من مواد وبنود، فما وافق الشريعة الإسلامية أخذناه وقبلنا به، وما تعارض مع الشريعة رفضناه وأبدينا اعتراضنا عليه.
التعليقات (0)