كتاب عربي 21

الاتجاه نحو اتهام ترامب وفريقه بالخيانة؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
منذ حوالي الشهرين صرح مصدر "رفيع" من داخل الأوساط الاستعلاماتية الأمريكية لأحد الصحفيين الأمريكيين المختصين في تغطية الشأن الاستعلاماتي، وكان أيضا عاملا في هذه الأوساط سابقا، بأن "نهاية ترامب ستكون في السجن". كان ذلك التصريح على خلفية أحد التدوينات المثيرة التي اعتاد ترامب كتابتها على منصة تويتر، التي هاجمت بشكل علني مجمل الأجهزة الاستعلاماتية الأمريكية، وهو في كل الحالات أمر غير مسبوق البتة. منذ ذلك التصريح إلى الآن تصاعدت الأمور، وكانت جلسة الاستماع الأخيرة لمدير جهاز الشرطة الفيدرالية "الأف بي آي" ذروة التوتر بين البيت الأبيض والأجهزة الاستخبارية والأمنية الأمريكية. إذ أعلن جيمس كومي بوضوح أن الأف بي أي بصدد البحث في علاقة ترامب وفريقه بروسيا وبوتين. 

الإعلان عن فتح بحث في موضوع حساس وضد مؤسسة بحجم الرئاسة الأمريكية خطوة عملاقة وتعني وجود مؤشرات جدية وقوية. فهل نتجه فعلا نحو اتهام ترامب وفريقه بالخيانة وسحب الثقة منه قبل نهاية عهدته الرئاسية؟ هل سحب الثقة يستوجب الاتهام بالخيانة وهل هناك أفق جدي للاتهام بالخيانة في علاقة بروسيا؟

تصريحات جيمس كومي تاتي في سياق التوتر المتواصل بين أقوى الأجهزة الأمنية الأمريكية الداخلية وإدارة البيت الأبيض. وقد سربت مصادر من الأف بي أي في شهر فيفري الماضي معطيات حول فتحها؛ بحثا حول علاقة ترامب وفريقه بالأجهزة الروسية، والأهم حول محاولات هذه الإدارة الضغط على الأف بي أي وإغلاق الموضوع بعيدا عن الأضواء. وكان واضحا أن عملية التسريب استهدفت هذه الضغوط وتحويل الضغط في الاتجاه المعاكس. وفي نهاية الأمر ومع فتح الكونغرس لجلسات استماع حول الموضوع أصبحت الأمور أكثر تناسقا، وأصبح ترامب وفريقه محاصرين تماما وتحت تهديد مباشر بالاتهام بجرائم فيما يخص ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. لكن هل يمكن أن تصل الاتهامات فعلا لمستوى الخيانة؟

نشرت صحيفة النيويورك تايمز قبل يوم مقال رأي مثير للانتباه نشرته صفحتها الرسمية في فايسبوك، وهي أحد الصحف الأكثر انتشارا في الولايات المتحدة وتحصل المقال على آلاف علامات الإعجاب والمشاركات. عنوان المقال: "هناك رائحة خيانة في الهواء"، وهو لأحد أهم كتاب الرأي فيها، نيكولاس كرسيتوف. موقف الأخير السلبي من ترامب معروف وليس مفاجئا، لكن المفاجئ هو مستوى التصعيد في اللهجة واستعداد الصحيفة لنشر اتهام كاتب مرتبط بها بشكل وثيق لرئيس الولايات المتحدة بالخيانة. بمعنى آخر بمجرد نشر أحد أهم منصات الرأي في البلاد مثل هذا الاتهام فنحن نمر إلى مساحات جديدة، وغير مسبوقة حيث سيصبح اتهام رئيس البلاد بالخيانة أمرا شائعا ومتكررا. وهذا يوفر مناخا مناسبا لمن يريد أن يدفع في اتجاه جعل هذا الاتهام حقيقيا ومقبولا من الرأي العام.  

وكان نسق الاتهام بالخيانة ارتفع بشكل خاص بمجرد إمساك ترامب بالرئاسة أواخر شهر جانفي واتهام فريقه بالضلوع في الكشف عن مصادر استخبارية أمريكية داخل روسيا. جاء ذلك بعد مقتل أحد كبار ضباط الاستخبارات الروسية على خلفية تسريب تدخل الجهاز الاستعلاماتي الروسي في المنظومة الإلكترونية الانتخابية الأمريكية، وقيامه بمحاولات قرصنة لها. وسبق ذلك طبعا الكشف عن اتصال مستشار الامن القومي الجنرال فلين بالسفير الروسي بعد الانتخابات، وعلاقات الأخير بأجهزة رسمية روسية خاصة قناة "روسيا اليوم"، وتلقيه أموالا كبيرة منها في سياق حضور مؤتمرات وندوات حضر إحداها بوتين نفسه. 

لكن حتى الآن من الصعب الحديث عن اسس جدية قائمة الذات للاتهام بالخيانة. وقد صرح كارلتون لارسون أستاذ القانون الدستوري في جامعة كاليفورنيا-دايفيس لموقع "فايس" في شهر فيفري الماضي أنه لا يمكن أن توجد أسسا قانونية للاتهام بالخيانة حتى في حالة ثبوت علاقة ما لاعوان لترامب في حملته الانتخابية بمسؤولين في الجهاز الروسي الفيدرالي للاستعلامات. إذ من الناحية التقنية البحتة لا يمكن تصنيف روسيا كـ"عدو"، ومن ثم ليس ممكنا توجيه اتهام الخيانة العظمى، على أساس التواصل بأجهزتها الاستخباراتية. يبقى أن هناك أسسا قانونية للاتهام بجرائم من نوع آخر تتعلق بتهديد سلامة الدولة وإفشاء أسرارها لأطراف أجنبية. 

طبعا ما يجب أن يكون واضحا هنا أن سحب الثقة من الرئيس لا تحتاج لاتهام قوي وخطير في مستوى تهمة الخيانة العظمى، وأن شروط سحب الثقة تبقى أساسا سياسية ولا تحتاج للاستناد إلى ارتكاب جريمة قانونية، لكن ما يلفت الانتباه هنا أن هناك استعدادا واضحا من قبل نواب مؤثرين في الكونغرس، وهي المؤسسة التي يمكن أن تساهم بشكل حاسم في أي عملية سحب ثقة، يتحدثون الآن بشكل علني ودون تردد عن سحب الثقة ويهددون الرئيس بها. 

آخر الأمثلة على ذلك رغم أنه مر على هامش التغطية الإعلامية الرئيسية جملة قالها ليندسي غراهام أحد أهم النواب الجمهوريين في الكونغرس، خلال جلسة استماع لمرشح ترامب في المحكمة الدستورية نيل غورسوش يوم 21 مارس الجاري. غراهام المعروف بنقده المتواتر لترامب، وهو ثاني أبرز نائب جمهوري في الكونغرس مع جون ماكاين، ممن عرفوا بمعارضتهم القوية للرئيس الأمريكي، حاصر القاضي ذي الميول اليمينية غورسوش حول موضوع التعذيب المعروف بـwaterboarding ، الذي أصبح الآن هناك تجريم قانوني واضح له، في مقابل تصريحات من قبل ترامب تدعم هذه الطريقة في التعذيب. كانت أحد أسئلة غراهام لغورسوش هي "هل أن هناك أحدا فوق القانون؟ ممارسة هذا النوع من التعذيب تجاوز للقانون، أليس كذلك؟" وهنا أجاب القاضي: "طبعا لا يوجد أحد فوق القانون." لكن غراهام لم يقف هنا: "يجب أن يعرف الرئيس إذا كان يسمعني الآن أنه سيتم سحب الثقة منه إذا تجاوز القانون في هذا الموضوع."
1
التعليقات (1)
عبد الرزاق الجملي..... تونس
السبت، 25-03-2017 02:25 م
يا استاذ طارق : الان تحولت بعض الشكوك ( واشدد على كلمة بعض) إلى أجهزة استخباراتية أمريكية في قضية تسريبات? برقيات كلينتون بعد نشر ويكيليكس لوثائق تجسس تلك الأجهزة على كل ماهو الكتروني وقدرتهم على تحويل الإنتباه لطرف ثان غيرهم اذا وقع تتبع مصدر التجسس ..... على كل حال هذه وجهة نظر يجب اخذها بالحسبان