كتاب عربي 21

حول ميزانية مجلس الدولة

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
تناقلت مواقع إخبارية وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي قرارا ممهورا باسم رئيس المجلس الأعلى للدولة بشأن ميزانية المجلس للعام 2016، وحيث إنني لم أطلع على نفي أو توضيح يتعلق بتعديل في مضمون القرار، فإن موضوعه يدور حول اعتماد الميزانية الخاصة بمجلس الدولة بمبلغ 120 مليون دينار ليبي.

ردود الفعل السلبية على القرار تنطلق بشكل عام من قلق الرأي العام المتعلق بالهدر في المال العام، وذلك في ظل ظروف اقتصادية ومالية صعبة جدا. 

بشكل أكثر تخصيصا، فإنه في ظل الظروف المالية الشديدة الصعوبة ينفق على المجلس الأعلى للدولة مبلغا بهذا الحجم في الوقت الذي لا يقدم المجلس خدمة، أو يحقق مصلحة مباشرة في العملية السياسية.

قد لا يكون الرأي العام مطلع على هامشية دور المجلس الأعلى للدولة وفق اتفاق الصخيرات، لكن القلق يأتي من تعثر العملية السياسية وانعدام الثقة فيها لدى قطاع من الليبيين، في رأيي أنهم ليسوا قلة قليلة، في الوقت الذي يعجز معظمهم عن الحصول على جزء من دخولهم المحدودة بسبب النقص الشديد في السيولة.

لكن، من خلال مراقبة العملية السياسية ومتابعة تطوراتها ومن خلال شهادات بعض أعضاء المجلس الأعلى للدولة، أقول أن المجلس لا دور له في هذه المرحلة، وحتى دوره الاستشاري حسب مقررات الاتفاق السياسي متوقف بسبب تعثر العملية السياسية وجمودها لجملة الأسباب المعلومة، الذي في مقدمتها رفض البرلمان إقرار الحكومة واستمرار التنازع حول مشروعية العملية السياسية وشرعية المجالس المنبثقة عنها.

من ناحية ثانية، وبعيدا عن جدل شرعية المجلس ومشروعية الميزانية خاصة بند مرتبات الأعضاء الذي يمثل أكبر البنود، فإن ما يقلق هو تكرار خطأ الاستهانة بتأثير المنفعة العائدة للمتصدرين للعمل العام خاصة السياسي، بالذات عندما تتعلق بمرتبات مرتفعة جدا قياسا بمتوسط دخول الليبيين، حيث تكون ردة الفعل الشعبية حيالها شديدة الحساسية وتعود بنتائج سلبية أبرزها اهتزاز أو انعدام ثقة الجمهور في هذه المؤسسات وفي من يعملون بها.

لا شك يساروني حول التأثير السلبي لأولى قرارات المؤتمر الوطني العام، الذي حدد مرتبات ومزايا الأعضاء بمبلغ يقارب 14 ألف دينار ليبي، وكنت من الذين اعترضوا خوفا من ردة الفعل، وحاولنا التواصل مع المؤتمر عبر بعض الأعضاء وحثهم لإعادة النظر في القرار وفي القيمة المقررة؛ لأنه سيكون كفيلا بخلق هوة بين المؤتمر والرأي العام، وهذا ما حدث فعلا، فقد صار تقييم أداء المؤتمر وأداء أعضائه من خلال هذه النقطة، وصار التفاعل مع أي موقف أو حتى دعاية أو تشهير بالمؤتمر كبيرا بفعل الأثر السلبي للمزايا المالية التي تمتع بها أعضاء المؤتمر.

ثم جاء البرلمان الذي تطلع ناخبوه أن ينأى بنفسه عن أخطاء المؤتمر، باعتبار أن اختيار الكثير من أعضائه جاء بناء على انتقادهم الشديد للمؤتمر ولأعضائه، فكرر البرلمان الخطأ نفسه ومنح أعضاءه مزايا تتجاوز ما تحصل عليه أعضاء المؤتمر الوطني، وتكرر هذا مع الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، فيما كانت النتائج ومخرجات هذه المؤسسات محل جدل بل سخط أغلبية الليبيين، حيث ترسخ في أذهان الناس أن هؤلاء إنما يبحثون عن مصالحهم الخاصة والميزات المالية المتعددة، التي تمنحها لهم عضويتهم في هذه المؤسسات، بل تعدى الأثر السلبي السخط على الأعضاء والمؤسسات إلى الشك في العملية الانتقالية والتجربة الديمقراطية، مع تأكيدي أن الخطأ الرئيسي لم يقترن بالمزايا المالية، لكن أشير مرة أخرى إلى حساسية الرأي العام الشديدة تجاه المزايا المالية ومضاعفتها لحالة السخط الناجم عن عوامل عدة.

بناء عليه، فإنا أدعو المجلس الأعلى للدولة أن يجنب نفسه بعض السخط الذي سيراكمه انتشار قرار الميزانية وتفاصيله، خاصة ما يتعلق بالمزايا المالية للأعضاء من خلال إعادة النظر فيها، والخروج للرأي العام مباشرة في حديث توضيحي ينبغي أن يكون مضمونه تحديد مرتبات ومكافآت الأعضاء بمبلغ لا يمثل نقطة جدل، ولو بطريقة التطوع الجماعي إذا أمكن.

أخيرا أدعو القراء إلى تجاهل ما سطرته في هذا المقال في حال ثبت أن القرار غير صحيح أو غير نافذ، وأن ميزانية مجلس الدولة لا تتضمن هذا الرقم الكبير وتلك المزايا المالية المرتفعة، وأقدم اعتذاري مسبقا للمجلس الأعلى فقط حول التسرع في انتقاد قرار في حال ثبت عدم صحته، أو تم التعديل عليه بشكل جذري، وليس اعتذارا مفتوحا.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل