قضايا وآراء

نقطة ضوء في نهاية النفق- 2

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
لابد وأنك عزيزي القارئ قد تابعت الضجة المفتعلة حول تقرير التقييمات التي قام بها فريق من الإخوان المسلمين في مصر هو المكتب العام للإخوان المسلمين، ولعلك أيضا تأكدت أن الأمر المحير هو تلك الحملة التي تريد صرف الناس عن مضمون هذه التقييمات إلى هوامش قد لا تهمهم، اليوم سوف أناقش هذه التقييمات بعد أن بينت أهمية صدورها في هذا التوقيت بالذات. 

وقد يعتقد البعض أن "تقييم" التقييمات محصور فيما ورد فيها والحقيقة هي أنني سوف أناقش بعض ما غاب عنها وأبدأ بالفكرة وأعني بها فكرة وجود جماعات أو تنظيمات تعمل في مجال خدمة الإسلام الشامل المتضمن لكافة مناحي الحياة أو بمعنى آخر فكرة تكوين وتنشئة وتربية المسلم الملم بدينه فقها، والعامل لدينه فهما، والمتحرك في مجتمع طولا وعرضا، والمشتبك مع من حوله حوارا لا جدلا.

أو يمكنني أن أطرح السؤال بشكل آخر هل نحن بحاجة إلى إسلام سياسي مشتبك مع الحياة ومنتم للمجتمع الذي يعيش فيه يعمل وفق منظومة تضرب بجذورها في التاريخ منذ البعثة النبوية حتى اليوم؟

الفكرة الإسلامية فكرة نبيلة ويرى البعض أن العمل في جماعة أمر يقترب من الفروض الواجبة وليس من السنة المستحبة أو لنقل بتعبير أخف قليلا أن البعض يراها أمرا يتحتم السعي إليه و العمل على تحقيقه، بينما يتصور البعض  الآخر في ظل تطور الحياة المدنية أن مؤسسات الدولة تقوم بهذا الواجب خصوصا إذا كانت هذه المؤسسات تعمل تحت مظلة الدين والشريعة، ويغالي البعض في القول بأن الجماعات تعتبر تفكيكا لبنية المجتمع وخصما من رصيده وليست إضافة لأنها تنزع إلى انفصال منتسبيها وانعزالهم عن المجتمع المحيط بهم وبالتالي تشكل عائقا نفسيا أمام هؤلاء لكي يكونوا جزء من المجتمع وبالتالي لن يتمكنوا في يوم من الأيام حتى ولو كانت لديهم خطة للوصول إلى الحكم من إدارة شؤون مجتمعات مفتوحة وحرة. هذا رأي موجود وينظر (من التنظير) له البعض في أجهزة الإعلام التابعة عادة لأجهزة المخابرات. 

الفكرة الإسلامية بحد ذاتها ليست موضع شك ولا يمكن أن تكون لأنها نابعة من الدين الحنيف ولا يشكك في الدين إلا كافر علم وبلغه الأمر وأصر أو جاهل لم تصله الدعوة أو مجنون فقد عقله، أو ملحد هو والكافر سواء. ولكن السؤال ليس عن الفكرة الإسلامية بل عن الجماعات والتنظيمات خصوصا بعد وصول بعضها إلى سدة الحكم بعد نضال استمر لأكثر من ثمانين عاما ثم انقلب عليها فريق من العسكر بدعم من الخارج معلوم ومعروف ولا يحتاج إلى جهد لإثباته لأننا وغيرنا قد أثبتنا ذلك بالفعل. 

بمعنى آخر فالفكرة الإسلامية باقية والحوار يدور حول فكرة التنظيمات النابعة أو التابعة أو العاملة لهذه الفكرة؟ وسوف تطرح أسئلة من هنا وهناك حول دور هذه التنظيمات، عن مدى جدارتها، ومدى فعاليتها، ومدى "قدسيتها"، ومدى بشريتها أو انتمائها لعالم البشر لأنها في نهاية تنظيمات بشرية في المقام الأول والأخير حتى وإن حملت فكرة إسلامية نبيلة ومقدسة. 

لكن على أي حال فرأيي المتواضع في هذه النقطة تحديدا هو أن الفكرة الإسلامية كانت ولا تزال وسوف تبقى ملهمة لجماهير الأمة على مدار الزمان، ولأنها مرتبطة بالدين وبالرسالة فإنها تلقى التقدير والتقديس في مجتمعاتنا العربية والمسلمة ما لم يحصل مع أي فكرة أخرى. هذا يجعل من أي أفكار منتسبة للفكرة الإسلامية قيمة ومعنى ويبقى التطبيق هو المحك في رأي الناس، وهذا ما يحتم على العاملين بهذه المؤسسات أن تكون لديهم رؤية واضحة حول الدولة والسلطة والحكومة والمنظمات حتى لا يختلط الأمر على الناس فيصبح تأييد الجماعة في الانتخابات من الدين، ورفض تأييدها خروجا عن الملة. 

ثمة أمر آخر على شكل سؤال وهو هل في ظل وجود دولة تحترم الدستور والقانون، ويعلو فيها شأن وقيمة المواطن على أي شيء آخر في المجتمع، ويشعر الصغير والضعيف بقيمة العدل قبل أن يتلذذ القوي والمستبد بلذة الاستبداد والظلم، وفي بيئة يعبر الجميع فيها عن آرائه بحرية، وينتظم فيها العمل السياسي وفق منظومة لا يقدر على هدمها أحد، وفي ظل مجتمع متماسك اجتماعيا ومتضامن إنسانيا، هل نحتاج ساعتها إلى تنظيمات إسلامية- سياسية على شكل جماعة الإخوان المسلمين؟
 
هذا ما يجب التفكير فيه ولا عيب في ذلك أبدا لأننا إذا سعينا إلى بناء دولة حقيقية فإن مؤسسات الدولة المعبرة عن المواطنين فكرا وطموحا هي التي يجب أن تحكم في ظل نظام يسعى فيه الجميع إلى الحكم عبر منظومة سياسية يتاح فيها للجميع التعبير عن أفكاره ويترك للمواطن حرية الاختيار. بمعنى أن الإخوان كجماعة دعوية وتربوية واجتماعية وإغاثية وإسلامية التوجه والمنهج تبقى كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ولكنها تبتعد عن منافسة السياسية بشكلها الراهن لتترك المساحة لأبناء هذا التيار كي ينظموا بأنفسهم عملية المشاركة السياسية بعيدا عن إدارة الجماعة التي عليها أن تواجه مهمتها الرئيسة في نشر الدعوة والفضيلة وتعزيز التضامن الاجتماعي وتغذية الشعور الإنساني تجاه قضايا المسلمين في العالم بأسره. 

هل هذا نقص من الدين؟ أو فهم خاطئ للدين كما يروج البعض؟ لا أراه وكثيرون معي كذلك بل هو إعادة تموضع للتيار الإسلامي وإعادة توظيف لإمكاناته وقدراته الهائلة كما جاء في التقييمات. 

هذا هو الجزء المهم الذي كان يجب أن تفرد له التقييمات صفحات أو ورقة كباقي الأوراق التي تحدثت عن الهيكل التنظيمي وبينت أنه لا يعبر عن دور المؤسسة ولا طبيعة حركتها المتعمقة في المجتمع والمتنوعة في الدور والوظيفة.
0
التعليقات (0)