كتاب عربي 21

محققون في هيئة "إعلاميين"

1300x600
في داخل مقر المخابرات العامة المصرية. أستوديو تصوير..

المحققون والمتهمون في كامل أناقتهم.

المحقق: عندك أقوال ثانية يا فرج؟

فرج: لأ، يا أفندم.

المحقق: طيب.. امض على أقوالك لو سمحت.

يدخل حسن بهنسي بهلول والمقدم معتصم الألفي إلى الأستوديو والمحقق ينهي اللقاء/التحقيق: نشكركم سيداتي سادتي وننتهي من غلق التحقيق في حريق المصنع.

حسن: هو التلفزيون بيصور؟

معتصم: أي استجواب عندنا بيتم بالصوت والصورة علشان محدش يخرج يقول أني اتعذبت أو اعترفت تحت الإكراه.

حسن: طب ماهو ممكن أي متهم يخش أي أوضه يأخذ الطريحة المظبوط ويخرج يعمل مكياج ويوقف قدام الكاميرا عامل كده (ابتسامة).

معتصم: فيه بعد كده النيابة يا حسن ولا أنت فاكر الحكاية جهجهون.

حسن: نيابة؟ آه..

يتوجه حسن إلى المتهمين الجالسين قبالة الكاميرا.

حسن: حرقتم المصنع ليه يا كفرة؟ ده فيه ناس كثير بتاكل عيش من وراه.

أحد المتهمين: احنا قلنا كل حاجة في التحقيق.

حسن: يعني اعترفتم.

المتهم: نصيب بقه.


حسن: أنت اسمك إيه؟

المتهم: فرج أبو زيد.

حسن: وانت اسمك إيه؟

المتهم: الشربيني أبو خطوة.

حسن: الاثنين دول اعترفوا بحرق المصنع؟

المحقق: أيوه.

حسن: وصورتم الاعتراف؟

المحقق: والشريط موجود.

حسن: انتم صورتم اعترافات ناس كدابين.. تعال يا واد أنت وهو هنا.. فين بقية الشركاء ايلي معاكم؟

فرج: احنا مالناش شركاء.

الشربيني: احنا الاثنين بس.

حسن: فتحي فين هو ورشوان؟ 

المتهمان: دول.. دول..

يبادرهما حسن بالصفع..

حسن: أنت يا واد أنت وهو اتكلم..

فرج: فتحي سافر عند أمه في المنوفية.

الشربيني: ورشوان هرب على إسكندرية.

حسن: التصوير ده لازم يتعاد من ثاني.. قصدي التحقيق ده لازم يتعاد من ثاني.

ينسحب حسن بهنسي بهلول والمقدم معتصم الألفي خارج الأستوديو.

الكلاكيت: التحقيق في حريق المصنع.. ثاني مرة..

والمشهد من فيلم (اللعب مع الكبار – 1991) للمخرج شريف عرفة.

كان هذا في تسعينيات القرن الماضي، أما في عهد الانقلاب العسكري والسقوط "الإعلامي" فمنشطو ومقدمو برامج التلفزيون هم من ينتقلون بعدتهم وعتادهم إلى أقبية المخابرات لإجراء حوارات / تحقيقات متلفزة مع عائلات "الإرهابيين"، ولولا ستر الله لأجريت المقابلات مع ما تبقى من جثث مفجري كنيسة مار جرجس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية أنفسهم.

بدأ الأمر مع أسامة كمال في قناة (دي ام سي) وتلاه عمرو أديب في الأون تيفي قبل أن يختتم أحمد موسى المولد على "مسؤوليته" عبر صدى البلد.. وكان "خير" الختام.

في أثناء تفجير الكنيسة البطرسية شهر ديسمبر الماضي كان التوجيه للأذرع الإعلامية يقتضي التركيز على "بطولات" جهابذة الطب الشرعي الذين نجحوا في تجميع جثة "الإرهابي" وإعادة تركيبها بالموازاة مع تحليل الحمض النووي ومطابقته مع أهله في زمن "قياسي" لم يسبقهم إليه إنس ولا جان. ولأن "الغضب" القبطي على استهداف أبناء الطائفة من جديد لم تعد تنفع معه "تخاريف" قائد الانقلاب، فقد جمع الأخير حوارييه وخرج على المصريين بخطاب "تهديدي" حمل فيه المسؤولية للخطابين الديني والإعلامي وكأنهما المؤتمنان على تأمين المنشآت وحفظ النظام من "الإرهاب المحتمل". وقبل هذا وذاك، كان الاستهداف الأول موجها لعائلات "المتهمين" بالتفجيرات.

لعب عمرو أديب لعبة "ابن البلد" الحنون على شقيق "الإرهابي" بعد وصلة بكاء "رخيصة" انتهت بالارتماء في أحضان "عمرو" الدافئة. لم يسئ للمشهد غير لقطة محاولة الشقيق الخروج من غرفة الحوار/التحقيق دون نجاح بما أثبت أن اللقاء التلفزيوني يتم داخل ما يشبه أستوديو (اللعب مع الكبار) الذين يرجع لهم أمر فتح الأبواب من عدمها.

ربما لم ترق "الشحنة العاطفية" لأديب أولي الأمر، فاختاروا "الضابط" أحمد موسى فاتحة لجنس صحفي جديد استهله الأخير بتوجيه مشاهديه إلى عدم التفكير يوما في التعاطف مع أسر "الإرهابيين" فـ"لم يكن ينقص زوجة الإرهابي غير حزام ناسف لتفجير اللقاء".

يعتقد النظام المصري أن تقديم لقاءات تلفزيونية مسيئة لعائلات "الانتحاريين" ستدفع أقرانهم المقبلين على عمليات جديدة إلى التراجع عن تنفيذ مخططاتهم، وهو في ذلك لا يختلف كثيرا عن الكيان الصهيوني الذي احترف سياسة الانتقام من عائلات أبناء المقاومة هدما للبيوت واعتقالا وطردا وتهجيرا للعائلات. نفس الإجرام مارسته أنظمة الاحتلال الكولونيالي لكنها انتهت إلى الاندحار صاغرة غير مأسوف عليها. الجديد في الحالة المصرية يكمن في "الوقاحة" في مواجهة المجتمعين الدولي والمحلي بممارسات تثير الحقد والضغينة أكثر مما تخفف من الاحتقان الاجتماعي و"الطائفي".

يبدو الأمر سياسة ممنهجة لضخ الزيت على النار وإطالة أمد شبح العنف والإرهاب باعتباره الذريعة الوحيدة لاستمرار النظام القمعي. وما حوارات/تحقيقات الأذرع الإعلامية إلا وسائل للدفع بالاحتراب والاحتقان الأهليين لأقاصيه. لم يكفهم ظهور عشماوي لتقديم نظرياته في تنفيذ الإعدامات ولا التهديدات المتواصلة من "المحللين الاستراتيجيين" العسكريين ولا وقاحة المذيعين في سب الشعب وإهانته وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع، وكان لابد من تجريب وصفة التخويف بالانتقام الجماعي من الأهل والعشيرة والخلان.

عندما يتجرأ نظام قمعي على التشهير بعائلات أعدائه أو معارضيه على الملأ عبر شاشات التلفزيون، فلكم أن تتخيلوا حجم الترهيب الذي يتعرض له المسجونون على ذمة تلفيقات للحصول على اعترافات يعاد تصويرها على شاكلة مشهد التحقيق في حريق المصنع بفيلم (اللعب مع الكبار).

داخل أقبية المخابرات، الطالب إسماعيل الشيخ معلق على الجدار بحضور خالد صفوان. يدخل فرج وبيده الطالبة المعتقلة زينب دياب.

خالد صفوان: أنا عارف أنك بتعز زينب قد إيه.. حاول تتخيل إيه ايلي يمكن يحصل للبنت المسكينة لو نشفت دماغك.

يشير إلى فرج بحركة من رأسه تعني أنها لك. فيبدأ فرج في خلع ملابسه استعدادا لاغتصاب الفتاة التي تصرخ مستنجدة فقد خبرت التجربة قبلا.

إسماعيل: سيبوها.. سيبوها.. سيبوها.. لأ..لأ.

خالد صفوان: كل الرجالة ايلي بيشتغلوا عندي مبيرحموش. إيه، سافرت المحلة ولا ماسفرتش؟

إسماعيل: اكتبوا كل ايلي انتم عاوزينه وأنا امضي عليه.

يأمر خالد صفوان بإعادة زينب لزنزاتها ودخول كاتب التحقيقات ليبدأ الحوار / التحقيق.

خالد صفوان: انضميت للشيوعية من ايمتا؟

إسماعيل: آه.. آه.. من ثماني سنين.

خالد صفوان: يا ابني خلي إجاباتك معقولة. أنت من ثمان سنين كنت تلميذ في إعدادي. واحنا كمان في الثمان سنين دول كنا نايمين على ودانا ولا إيه؟

كان ذاك مشهدا من فيلم (الكرنك – 1975) للمخرج علي بدرخان.

والسؤال: أمِن فارق بين فرج المغتصب وخالد صفوان المحقق وأحمد موسى وعمرو أديب وأسامة كمال وغيرهم من أبواق نظام مصري فقد البوصلة وحول برامج التلفزيون إلى جلسات تلقين للأسئلة والإجابات وحلقات تعذيب للمشاهدين تُنتهك فيها الحرمات وتغتصب مواثيق الشرف على الأشهاد؟ 

لا يهم فالأضواء في الاستديو هات تشتعل كل ليلة لتستمر المأساة..