كتاب عربي 21

هل ثمة استراتيجية أمريكية لمواجهة إيران؟

1300x600
على مدى عقود، ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أن إيران تشكّل تحديا شاملا لمصالحها، وتهديدا واسعا لحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، ولم تخل أي وثيقة للأمن القومي الأمريكي منذ سقوط نظام الشاه، وصعود دولة ولاية الفقيه من الحديث عن الخطر الإيراني، واعتبار إيران دولة راعية للإرهاب، فضلا عن كونها دولة مارقة.

ومع ذلك، تمكنت إيران خلال العقود الأربعة الماضية من التمدد والانتشار، وتمكين سيطرتها وزيادة نفوذها وخلق فضاء جيوسياسي من طهران إلى بغداد، مرورا بدمشق، وصولا إلى بيروت، فضلا عن نفوذها في البحرين واليمن، وفي كل مرة ادعت أمريكا التصدي للنفوذ الإيراني كانت إيران تخرج بنفوذ أكبر وتوسع أعظم.

ثمة شبه إجماع على أن أمريكا لا تتوافر على استراتيجية شاملة للحد من التمدد الإيراني في المنطقة وهي مسألة عابرة للإدارات الأمريكية للافتقاد للإرادت الباعثة على اتخاذ قرارات المواجهة مع إيران، فالوجود الإيراني يقدم بطرائق عدة خدمات مجانية لأمريكا، وهو لا يشكل تهديدا فعليا للولايات المتحدة، وإن كان يشكل إزعاجا لحلفائها في المنطقة.

ورغم انزعاج حلفاء أمريكا من السلوك الإيراني، إلا أن أمريكا لم تقم بأي محاولة جدية للحد من النفوذ الإيراني، بل إن سياسات أمريكا في المنطقة هي التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني. 

يدعي حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي أن حقبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كانت كارثية، وساهمت في تمدد النفوذ الإيراني، واحتفت الزعامات الدكتاتورية بفوز دونالد ترامب، باعتباره بطلا سيعمل على مواجهة إيران، حيث تضمنت خطابته وتعليقاته غير المنمقة دعاوى خيالية تجمع بين التصدي لإيران والحرب على ما يسمى "الإرهاب".

وهي ثيمة باتت ثابثة منذ نهاية الحرب الباردة برزت بعد هجمات 11 سبتمبر، وقادت إلى حربين أمريكيتين كارثيتين في العراق وأفغانستان، إبان حقبة بوش الابن، انتهتا إلى خلق حالة من الفوضى في الشرق الأوسط، وتصاعد النفوذ الإيراني والإرهابوي معا.

لا يزال "الإرهاب" هو المحرك الأساس في قرار الإدارات الأمريكية وتدخلاتها في العالم، وهو مصطلح مضلل ومفهوم غير موضوعي، تتحكم في صياغته الإدارات المخلتفة، وفق المصالح القومية، يمكن أن تقحم فيه كافة القوى التي تشكل تهديدا حقيقيا أو متخيلا، ويستخدم ذريعة للتوسع والهيمنة، حيث قادت أمريكا جملة من الحروب والحملات باسم "حرب الإرهاب".

وتمخضت تلك الحروب عن نتائج كارثية من ضمنها تعزيز مكانة إيران دولة إقليمية فاعلة، فالسياسة البراغماتية الأمريكية عملت على التعاون مع إيران عقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان 2001، ونظام صدام حسين في العراق 2003.

وانتهت إلى تخليص إيران من عدوين لدودين ثم تمدد النفوذ الإيراني بصورة حاسمة، واستنزاف أمريكا وانسحابها، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى انجاز الاتفاق حول الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة والغرب (5+1) وإيران في تموز/ يوليو 2015، الذي جاء تتويجا لتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، عقب فشل سياسات "الحرب على الإرهاب".

عقب مرور مئة يوم على رئاسة دونالد ترامب، لا جديد يذكر على الصعيد الاستراتيجيي، فقد ذهبت تصريحاته المثيرة أدراج الرياح، وبدا أن صراعه مع المؤسسات الأمريكية انتهى إلى الاستسلام للرؤية البراغماتية الفجة ذاتها، وستحتفظ الذاكرة بتصريحاته وتغريداته المثيرة بالقضاء على "الإرهاب" في العراق وسوريا، وفي الوقت ذاته إضعاف ومحاصرة إيران ومراجعة الاتفاق النووي.

فقد كتب في 3 شباط/ فبراير الماضي، في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، أن "إيران تلعب بالنار، ولا يقدرون كم كان الرئيس أوباما لطيفا معهم. لن أكون هكذا".

وقال في تغريدة أخرى: "تبتلع إيران المزيد من العراق"، وإن "إيران تمد نفوذها إلى البلد الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت عليه 3 تريليونات دولار".

ووجه تحذيرا لإيران بعد أن أجرت تجربة إطلاق صاروخ باليستي في كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن جميع الخيارات الأمريكية مطروحة.

فهمت إيران جوهر التهديدات الترامبية الاستعراضية، وبدت أكثر صراحة وفجاجة، فقد أكد قائد في الحرس الثوري الإيراني  في 22 شباط/ فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقع "صفعة قوية" إذا ما استخفت بقدرات إيران الدفاعية، وذلك مع انتهاء مناورات للحرس الثوري.

ونقل الموقع الإلكتروني للحرس الثوري (سباه نيوز) عن الجنرال محمد باكبور قائد القوات البرية للحرس الثوري قوله: "يجب ألا يخطئ العدو في تقديراته، فهو سيتلقى صفعة قوية على الوجه إذا ما ارتكب هذا الخطأ"، واستكمل الحرس الثوري تدريبات بالصواريخ والمدفعية والدبابات وطائرات الهليكوبتر بعد أسابيع من توجيه ترامب تحذيرا رسميا لإيران بسبب إطلاق الصاروخ.

ونقلت وكالة "تسنيم" للأنباء عن باكبور قوله: "الرسالة التي توجهها هذه التدريبات للعالم المتغطرس هي ألا يرتكب أي حماقة"، وقال: "يمكن للجميع الآن رؤية القوة التي نملكها على الأرض".

على الرغم من عودة التوترات بين إيران وأمريكا في عهد ترامب، إلا أن التوترات والحرب الكلامية لن تؤدي إلى تصعيد عسكري، فالسياسة الأمريكية البراغماتية تدرك أن إيران قادرة على خلق مشاكل عديدة لأمريكا في المنطقة، وأن كلفة مواجهة إيران باهظة جدا.

كما أن أمريكا تفتقر إلى قدرات فعلية على الأرض في العرق وسوريا، قادرة على الحد من النفوذ الإيراني.  
وبحسب نيكولاس هراس من مركز الأمن الأمريكي الجديد، "من أجل مواجهة إيران أو تحجيم نفوذها ربما تجد نفسك انزلقت إلى صراع قد يؤدي إلى تدمير الاقتصاد العالمي، فهل الرأي العام الأمريكي أو حلفاؤنا على استعداد للتحمل؟".

إن المواجهة الأمريكية للنفوذ الإيراني هي أقرب إلى الأوهام، فبحسب "واشنطن بوست"، تفرض إيران اليوم هيمنتها ونفوذها على القوس الممتد من طهران وحتى البحر الأبيض المتوسط، ومن حدود حلف شمال الأطلسي إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيضا على امتداد الطرف الجنوبي من شبه جزيرة العرب.

فلدى إيران اليوم الآلاف من المليشيات المتحالفة معها، والجيوش التي تقاتل وكالة عنها في الخطوط الأمامية في سوريا والعراق واليمن، التي تملك عربات مدرعة ودبابات وأسلحة ثقيلة، فضلا عن آلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الذين يشاركون في تلك المعارك، ما أكسبهم خبرة كبيرة.

وكشفت شهادة مارتن إنديك في 28 آذار/ مارس 2017 أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن "الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران" عن ضحالة الخيارات الأمريكية ومحدوديتها، ختمها بالقول: مما لا شكّ فيه أن التصدي لطموحات إيران بالهيمنة إقليمياً هو عمل غاية في الجدّية.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتعيّن أن نكون حذرين بشأن إطلاق تهديدات ما لم نكن مستعدين لدعمها. كذلك، لا بد من أن نتحفّظ عن الإعلان عن أهداف لا نملك الإرادة لتحقيقها وليس لنا مصلحة في ذلك.

والأهم من ذلك لا بد أن نأخذ في الاعتبار العواقب المنطقية لاستراتيجيتنا وأن نفكّر مليا فيها قبل المضي في طريق يمكن أن يكون لها آثار معاكسة لما أردنا تحقيقه.

ولكن، لا يجب أن تحول أي من هذه التحذيرات دون استعداد الولايات المتحدة للتحدي في الوقت الذي تسنح لنا فيه الفرصة للقيام بذلك.

في سياق أولويات"حرب الإرهاب" في المنطقة  سيجد ترامب كأسلافه أن إيران خير حليف في تلك الحروب، وستستثمر إيران تلك الشراكة الغرائبية بالتمدد والانتشار، ومع عودة أمريكا إلى المنطقة ستصبح إيران شريكا في حرب الإرهاب السني، حيث تبدو الولايات المتحدة الأمريكية عمليا وعبر تدخلها الجوي في العراق وسوريا وكأنها قوة جوية تعمل لدى الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية على أرض العراق وسوريا.

ففي نهاية المطاف، فإن المالكي أو العبادي أو الأسد في قبضة قاسم سليماني ومرجعية الولي الفقيه.

خلاصة القول، إن إدارة ترامب لن تأتي بالسحر والعجائب، فخيارات إدارته في غاية الصعوبة.

وكما أشارت مجلة "وول ستريت جورنال"، تتمركز أهم التحديات التي ستواجهها إدارة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل هذه التحديات التهديد الذي يشكله الإرهاب السلفي الجهادي، ومساعي إيران لخلق "هلالٍ شيعي" يضم المنطقة بأسرها، والدور الروسي المتصاعد.

وسيكون الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، على غرار أسلافه الخمسة الأخيرين، رئيسا في زمن الحرب شاء أم أبى.

وعلى غرار أسلافه، سنسمع المزيد من التصريحات و"التغريدات" والتهديدات لإيران، فيما إيران تتمدد وتعزز نفوذها وسيطرتها في المنطقة.