كتاب عربي 21

وتمتد الأزمة بامتداد المسافة من المنيا إلى درنة

1300x600
 لا بد بداية من مواجهة الحقيقة المرة التي هي تورط مجموعات ليبية أو أجنبية تتحرك على الأراضي الليبية في أعمال إجرامية وإرهاب مباشر، ويسعى بقايا عناصر تنظيم الدولة إلى إعادة تموقعهم من جديد. 
 
لكن ينبغي التأكيد على أن ما سبق ذكره يتم توظيفه لتمرير أجندات سياسية. 
 
تابعت الخطاب الإعلامي المؤيد والمعارض للغارات المصرية على درنة ضمن المنظومة الإعلامية والصحفية، وفي أوساط المثقفين والنشطاء المصريين، وكم هالني التسطيح والتضليل الذي تورط فيه بعض الإعلاميين في تناول ملف ضحايا المنيا وربطه بمجموعات مسلحة ليبية. 
 
إذ لم يعتمد الخطاب الحجة والدليل في الأحكام التي أطلقها، بل جنح إلى التعبئة والتهييج والغرض هو تبرير ما قام النظام المصري به من شن سلسلة من الغارات داخل الأراضي الليبية.
 
كان في كلام المصريين ممن رفضوا الربط بين واقعة المنيا والغارات على درنة الكثير من المنطق، خاصة تأكيدهم على عدم وجود مسوغات حقيقية تجعل من الهجوم المصري عملا مبررا. 
 
فأن تحدد هوية الإرهابيين بعد ساعات من الحادث، وأن تجزم بأنهم تدربوا وانطلقوا من درنة دون أن تتمكن من القبض عليهم، وهم بالقطع وحتى ساعة الإعلان عن هويتهم لا يزالون في الأراضي المصرية، وبدل أن تكثف الجهود لمطاردتهم في الداخل اتجه الطيران المصري إلى ليبيا وقصف مواقع زعم أنها معسكرات تدرب فيها الإرهابيون، ما يعني أن لدى النظام المصري معلومات مؤكدة عن هويتهم ومخططهم بل وقوعه. 
 
أو أنه أعطى الأولية للتوظيف السياسي والأمني للحادثة على حساب الضحايا وذويهم؟!! 
 
من جهة أخرى، وإذا تأكد لنا أن تنظيم الدولة هو المسؤول عن العمل الإرهابي الذي استهدف الضحايا، فكيف يقبل اتهام مجلس مجاهدي درنة -هو الذي تصدي للدواعش وطردهم بدعم أبناء المدينة– في أيام معدودات!! 
 
علاوة عن كونه في حالة حصار مطبق، ولا يمكن أن تكون من أولوياته في ظل الوضع الصعب أن يوجه ضربة لأقباط مصر في العمق المصري.
 
ما أشرت إليه، لخصه بدقة الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، في حوار مع لميس الحديدي في اليوم الثاني لوقوع الحادثة بقوله: "كيف تضرب الطائرات المصرية هذه المعسكرات بعد ساعات فقط من وقوع الهجوم على الأقباط؟". 
 
و"إذا كان الجيش يعرف مسبقا أنهم متورطون في التخطيط للحادث فلماذا تركهم يقومون به؟ وإذا لم يكن يعرف فهل يعقل أن يتوصل إلى هذه المعلومات الدقيقة خلال ساعات قليلة؟".
 
وتحدث أيضا النائب القبطي في البرلمان المصري، عماد جاد، عن اعتقاد سائد بين أقباط المنيا أن الجناة ليسوا من ليبيا، وأن الشكوك تحوم حول عمل إرهابي داخلي.
 
الامتعاض الذي أبداه أقباط مصر قبل غيرهم إنما يعكس الخوف من أن تضيع القضية في مهب لعبة المصالح القذرة، وكأنهم يقولون أن الإرهاب موجود في مصر، والمناخ السياسي والأمني القهري كفيل بتوسيع دوائر العنف والتطرف وزيادة بؤره في كافة ربوع مصر، فلماذا نغفل عن هذا ونقفز خارج الحدود؟!!
 
وهنا تكمن خطورة هذا الخلط المقصود في الأوراق، ومن هنا، وبهذا الخطاب الهائج والاندفاع الأهوج، يتم استدراج مصر وليبيا إلى هاوية قد تكون سحيقة إذا تطور الهجوم بالطيران إلى عمل عسكري على الأرض.
 
والحق هو ما تحدثت به بعض المنابر المصرية، ومنها صحيفة اليوم السابع بشكل مباشر وصريح، وهو أن ما يجري اليوم إنما يأتي في سياق تغيير الخرائط السياسية والأمنية في البلاد، في تعاون مباشر بين الجيش المصري والجيش التابع للبرلمان الليبي.
 
فالحادثة الأليمة كانت ذريعة لدخول مصري مكثف على خط المواجهات التي يبدو أن المصريين يشعرون أن الجيش التابع للبرلمان صار عاجزا عن حسمها، وأن الدعم المحدود لا يفي بالغرض ومن ثم صار لزاما النزول بثقل من خلال غارات مكثفة ومباشرة، وربما تمهيدا لعمل عسكري على الأرض.
 
والخلاصة، أن النظام المصري يهرول بالبلاد بخطى سريعة ومضطربة إلى نفق أكثر حلكة وأشد تأزيما مما عليه مصر اليوم، وأنه يراهن على احتواء أزمته من الخارج من خلال تصديرها وتضخيم خطر الإرهاب، وعبر البحث عن دعم غير محدود بأوجه عدة في حال نجح الرهان على خليفة حفتر وجيشه في السيطرة على مقاليد الأمور في ليبيا. 
 
فتجارب مصر المشابهة قديما لم تعد بالخير على البلاد، بل كانت سببا لزيادة التوتر والفوضى وتأزم الأوضاع سياسيا واقتصاديا، ولن يكون التدخل في ليبيا نشازا، ولا بدعا من التجارب.