كتاب عربي 21

العجمية تنافس العجرمية على النجومية (2)

1300x600
اكتب "غادة العجمي" في غوغل، وستفاجأ بأنك جاهل وغير مواكب، رغم أنك تحسب أنك مثقف لأنك تعرف نانسي العجرمية، فغادة هذه صارت مالئة النت وشاغلة الـ"فيس" منذ أن أعلنت اعتزامها عرض مشروع قانون على البرلمان المصري، قالت – بالحرف الواحد – إن فحواه: عايز تخلِّف؟ خلِّف بعيد عننا، وبهذا نافست العجرمية على النجومية في غوغل وشركائه (فيسبوك وتويتر وإنستغرام).

والكلام موجه للمصريين، ومعناه بـ"العربي" وليس العجمي: الحكومة ليست مسؤولة عن تقديم أي نوع من الخدمات لأكثر من ثلاثة أطفال للعائلة الواحدة، وقد تطرب بعض النساء لهذا القانون لأنه – ضمنا – يضع حدا لتعدد الزوجات، فلا يعقل أن امرأة ستقبل أن تكون زوجة ثانية او رابعة لرجل عنده ثلاثة من العيال سلفا، ويشترط عليها "عدم الخِلفة" حتى لا يأتي طفل أو أكثر، يكون عالة فقط على اللي خلفوه، في مجالات التعليم والصحة والوظائف.

وتخيلت نفسي مصريا عندي سلفا 3 عيال، وحبلت زوجتي – يا لهوي – مرة أخرى، والمصيبة أنها حامل بتوأم. يا شماتة أبله غادة فيا!! وعملا بتوجيهاتها لابد أن يتم إنجابهما "بعيد عننا". آآآآخد الولية السودان في شهرها الأخير، وأقول لهم إنه تم منعها من الولادة في مصر لأنها قالت إن حلايب سودانية، والله فكرة لأن الجنيه السوداني كحيان أكتر من أخوه المصري، بس هاعمل بالطفل إيه بعد ما يتولد؟ نقعد وياه هناك؟ اللهم لا اعتراض!

وسؤال للسيدة غادة العجمي: كيف سيتم تحديد ما إذا كان هذا المفعوص أو تلك المفعوصة تحتل المرتبة الرابعة والخامسة في ترتيب عيال عائلة ما؟ هل سيكون ذلك بأن تحمل شهادة ميلاد، ومن ثم البطاقة الشخصية لكل مصري يولد بعد إجازة هذا القانون القراقوشي، ترتيبه بين اخوته؟ ثم، كيف ستتعامل المستشفيات مع النساء اللواتي يلجأن اليها للولادة: عندكم كم عيل يا ست هانم؟ هب أن لديها دستة عيال وقالت: دي أول مرة أخلف فيها؟ هل من حق الطبيب ان يقول لها: مش معقول دا انت عمرك 39 سنة. آدي ربنا وآدي حكمته يا دكتور، رزقني بالخلفة وأنا داخلة ع الأربعين.

وتبرر السيدة غادة "ضرورة" إصدار هذا القانون، لأن هناك امرأة ما في مصر، تنجب طفلا كل خمس وعشرين ثانية!! طيب فتشوا على الست دي واكمشوها، وسدوا لها قناة فالوب بالخرسانة، وتتوقف الزيادة السكانية التي أقلقت غادة، وأقلقت حكومات متعاقبة في مصر – وهي بالفعل مسألة مثيرة للقلق – ولكن الحكومة الحالية هي من يريد تحديد "كوتا" عيال لكل أسرة، بينما عمدت الحكومات السابقة إلى حملات توعية لتنظيم الأسرة.

صدر قانون في الهند قبل أربع سنوات، يمنع فني التصوير بالموجات الصوتية، من إبلاغ النساء الحوامل ما إذا كان الجنين ذكرا أو أنثى، وكان ذلك بعد أن تم إسقاط ملايين الأجنة لكونهن إناثا على مدى سنوات، فالبنت في الهند عبء على العائلة الفقيرة، ليس فقط لأنها أقل إنتاجية في الأعمال الشاقة مقارنة بالأولاد، ولكن لأن تزويجها خراب بيت لأنها هي من يدفع المهر (عندنا الزواج خراب بيت لأهل الطرفين)، وحدث أمر مشابه.

 ولكن أكثر فداحة في الصين، عندما صدر قرار الطفل الواحد عام 1979، وتم فرض غرامات باهظة على كل من ينجب أكثر من طفل، ولكن مع منح كل من  يرزق ببنت فرصة "حاول مرة أخرى وأخيرة" ولكن لو جبت ولد أو جوكر، ليس لديك فرصة أخرى. يعني حتى القانون الصيني كان منحازا للأولاد، وكانت نتيجة هذا القانون التسلطي أن النساء كن يجهضن أجنة البنات، فصار هناك عجز في ميزان مدفوعات البنات، وفي صين اليوم يزيد عدد الرجال عن النساء بـ35 ملايين نفس، وبالرغم من وأد البنات، فإنه وفي عالم اليوم هناك 104 بنات مقابل كل 100 ولد في الصين.

وطالما نحن في "سيرة" الصين، أسأل القارئ: هل انتبهت أبدا إلى أن علاقة الدول العربية المسلمة مع الصين تقوم على الطبطبة؟ بمعنى أنك قد تسمع احتجاجا هنا أو هناك من حكومة – أو حتى أفراد - لأن دولة أوربية "كافرة" حظرت الحجاب النسائي، ولكنك لم تسمع قط باحتجاج - ولو على استحياء - لأن الحكومة الصينية تعامل مسلميها من إثنية الويغور بعنف دموي، وفي إبريل المنصرم صار ممنوعا في عموم الصين، إطلاق أسماء إسلامية على المواليد الصينيين (وهذه ترامب ما سواها) وما من عربي قال "بِغِم" مع أنها كلمة تتألف من ثلاثة أحرف فقط.

أعود إلى الست غادة، التي بصدد طرح مشروع قانون على البرلمان المصري، ينص على أن الدولة غير مسؤولة عن أي طفل رابع ينجبه أي زوجين، وأقول لها: أوكي، بس هل الدولة مسؤولة عن الطفل الأول لأي أسرة، بالمعنى الواسع لمسؤولية الدولة؟ وهذا السؤال نبع من زعم غادة أن الغرض من القانون المقترح هو "تقليل الأعباء المالية عن الموازنة العامة".

 وأقول لإخوتنا المصريين إن الأمر لا يتعلق بالكم بل الكيف، فالمهم أن يكون الشعب منتجا وليس مجرد مستهلك، فنحن في السودان لا يزيد عددنا على ثلاثين مليونا، ومع هذا لا يحظى لا كبير ولا صغير برعاية صحية أو تعليم عليه القيمة، والشاهد أن غادة العجمي ومن يؤيدون اقتراحها هذا، غير القابل للتنفيذ، ينتمون – كما قال مسؤول في هيئة حقوق الإنسان الدولية - لفئة النواب الترزية الذين يفصلون القوانين والدساتير حسب المقاسات التي يمليها عليهم الجماعة اللي فوق!